منذ حوالي ساعة
فمن صفات عباد الرحمن عدمُ الإشراك بالله تعالى، بل يعبدونه وحده، مخلصين له الدين حنفاء مُقبلِين عليه، مُعرِضين عمَّا سواه…
الحمد لله الذي أمرنا بعبادته وحدَه، سُبحانه وتعالى حَرَّم الجنة على كل مشرك وأبْعَدَه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أنجز وعْدَه،شهادةً تَنطق بها الألسنةُ، وتَعْتقدُها الأفئدة، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الذي لا نبي بعده، أرسله الله تعالى لِيُبيِّن للناس دينه، ويُعلمَهم توحيده، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابِه وكلِّ من نصره وسانده، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يومٍ يكون المصيرُ إلى الجنة لكل من وَحَّد الله وعَبَدَه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، إن الحديث عن كل ما اتَّصَف به عبادُ الرحمن من وصف جميل، يَدفع النفوسَ إلى السير على مَنهجهم الجليل، طَمعًا في دخول جنات النعيم.
فمن صفات عباد الرحمن عدمُ الإشراك بالله تعالى، بل يعبدونه وحده، مخلصين له الدين حنفاء مُقبلِين عليه، مُعرِضين عمَّا سواه[1]، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68].
أيها المؤمنون، إن أعظم ذنب عُصي به الله على هذه الأرض هو الشرك بالله؛ ولذلك حرَّم اللهُ الجنة على كل مشرك، قال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72]، وقد كان الناس في الجاهلية يعيشون في الظلمات، يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار من دون الله، ويتقرَّبون إليها بالذبائح، ويدعون ويسجدون، ويعتقدون أنها تضُرُّهم وتنفعهم في كل ما يرجون، فأرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، ويَدعوَهم إلى عبادة الله وحده؛ لأنه الخالقُ الرازق، وبيده النفع والضر، يُحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وسبحان الله العظيم! كانت للناس بعد ذلك مواقف عجيبة في التمييز بين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الباطل الذي كانوا يعيشون فيه.
وقد ورد أن رجلًا اسمه غاوي بنُ ظالم، كان يقوم بخدمة وحراسة صنم، وفي أحد الأيام بينما هو في عمله إذ أقبل ثعلب وبالَ على هذا الصنم، فقام إلى الصنم وكسره، وقال: لا يمكن أن يكون مَن تبول عليه الثعالب إلاهًا، وأنشد قائلًا:
أَرَبٌّ يبولُ الثُّعْلُبانُ برأسِه ** لقد هانَ مَنْ بالتْ عليهِ الثَّعالبُ
فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم بين يديه، وأخبره بقصته، فقال له صلى الله عليه وسلم: «أنت راشدُ بن عبدالله» وغيّرَ له اسمه الذي كان “غاوي بن ظالم” رضي الله عنه[2].
فلا تستغربوا من هذه القصة فالأمثلة في الواقع أكثر من أن تحصى، فلا زلنا نسمع ونرى في بعض الدول الآن، من يعبد الأصنام والبقر والفئران…وغيرها، نسأل الله السلامة، ونحمده تعالى أن طهَّر بلدنا وبلاد المسلمين من هذه المظاهر.
أيها الجمع المبارك، إن صَرْف أيِّ شيء من العبادات الخاصة بالله تعالى لغيره قد يؤدي بالإنسان إلى الشرك والعياذ بالله.
فمن صور الشرك: التوجهُ إلى قبرٍ لأحد من المقبورين، أو قبر صالح من الصالحين، وسؤالُه الرزقَ والنجاحَ أو الفتحَ والتيسير والزواج؛ كقوله: (يا سيدي فلان، ارزقني، أو يا فلانة يسري لي) فهذا شرك بالله تعالى؛ لأن الدعاء خاص بالله تعالى ولا يجوز أبدًا دعاءُ غير الله.
نعم يجوز لكل مسلم أن يزور المقابر، لكن في حدود سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: الدعاءُ للأموات أن يغفر الله لهم ويرحمهم، ثم أخذُ العبرة منهم، فَهُم السابقون ونحن اللاحقون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المقبرة يقول: «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ»[3].
ومن صور الشرك: الذهابُ إلى السحرة والمشعوذين، الذين يستغلون جهل الناس بالدين، ويُوهمونهم أن لديهم حلًّا لمشاكلهم، ومَخرجًا من ضيقهم، وقبولًا لتجارتهم، وعلاجًا لأمراضهم، وهم في الحقيقة كاذبون، لكن مع الأسف يُصدقهم ضِعافُ الإيمان ويَثقون بهم.
فاحذروا منهم يا عباد الله، واحفظوا إيمانكم بالله تعالى؛ لأن حكم الإسلام في السحرة وأشباهِهم، وأتباعِهم ومُصدقيهم، واضحٌ وضوحَ الشمس وضحاها، حيث سماه الله تعالى كفرًا بقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»[4] والعياذ بالله.
أيها المؤمن بالله، أيتها المؤمنة بالله، إذا كنتَ تطلب حاجة؛ أصابك مرض وتطلب الشفاء، أو بِطالةٌ وتطلب وظيفةً، أو تَأَخُّرُ الزواج وتطلب التيسير، أو حاجةٌ وتطلب تيسير الرزق، فارفع يديك إلى الله ربك، واطلب حاجتك، يَستجبْ دعوتك: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»؟[5]، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُعيذنا أجمعين من شر الشيطان وشِرْكِه، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
– فيا عباد الله، من صفات عباد الرحمن عدمُ الشرك بالله تعالى، وقد رأينا في الخطبة الأولى بعضَ أنواع الشرك الظاهر، الذي يسهل تَجَنُّبُه على كل مَنْ وفَّقَه الله تعالى، لكن هناك شِركٌ آخر، وهو الشرك الخَفِيُّ؛ لا يسلم منه إلا مَنْ رَحِم الله، وهو الرياء، كأن يعمل المسلم عملًا ويقصد به أن يراه الناس، كأن يتصدَّق ليقول الناسُ إنه كريم، أو يُعلِّمهم ليقولوا: إنه عالم، أو يعمل خيرًا ليقولوا إنه صالح، ونحو ذلك.
وهذا النوع من الشرك يصعب الاحترازُ منه؛ لأن من طبيعة الإنسان أنه يحب مدْحَ الناس وثناءهم، وذكرَهم له بالخير وشُكرَهم؛ لذلك يصعب تجنُّبُه.
ومن أهم الأمور التي يُعالَجُ بها الشركُ الخفي أمران:
أولهما: الإخلاص؛ بأن يقصد المسلمُ بأعماله وجه الله وحده، ثم بعدها لا يَهُمُّه مدحُ الناس أو ذَمُّهم.
ثانيهما: الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا لأبي بكر رضي الله عنه: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ»؟ قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ»[6]، فاللهم إن نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم يا رب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صلَّيت وسلَّمْت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
[1] تفسير السعدي 1/ 587.
[2] الإصابة في تمييز الصحابة 2/ 361.
[3] صحيح مسلم.
[4] مسند الإمام أحمد.
[5] الموطأ.
[6] الأدب المفرد للبخاري.
__________________________________________________________
الكاتب: محمد بن أحمد زراك
Source link