إننا نمر بمرحلة تستوجب منا أن نكون يداً واحدة على عدوالله وعدونا، فقوى الشر تتربص بنا الدوائر، وقد أعلنوها حرباً على الإسلام وأهله، وهذا هوشأنهم قديماً وحديثاً، فقد تنادوا يوماً وقالوا {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه من والاه. أما بعد:
فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي، يميل للاجتماع بغيره لقضاء مصالحه ونيل مطالبه التي لا تتم إلا بالتعاون مع غيره وأن يكون فرداً من جماعة، فمصلحة النفس والمسجد والأمة…وغيرها من المصالح لا تتم إلا بالتعاون على البر والتقوى، بل السهم الواحد يدخل به الجنة ثلاثة ـ فإذا لم يصنعه الأول ولم يعده الثانى، لن يجد الثالث ما يرمي به، ولذلك كان لابد من عمل الفريق لتحقيق الهدف والوصول إلى المقصود، ولونظرنا إلى النمل والنحل لوجدنا أن الأمر لا يختلف، فلكي نستخلص العسل من الخلية رأينا توزيع الأدوار بين النحل، ملكات وعمال وذكور وشغالات، ولا يمكن أن نتحصل على ذلك العسل من عمل الملكات فقط، وينبغي أن يكون هذا هوشأن المسلم في اجتماعه مع إخوانه، لا يبالي إن وضعوه في المقدمة أوفي الساقة أوفي المؤخرة، فهويتقن عمله ويخلص الأمر كله لله.
ضعف التعاون.. ضعف في العقل:
وقد لوحظ أن الناس إن لم يجمعهم الحق شعَّبهم الباطل، وإن لم توحدهم عبادة الله مزقتهم عبادة الشيطان، وإن لم يستهوهم نعيم الآخرة تناطحوا وتنازعوا على متاع الدنيا الزائلة، وهذه للأسف هي حالة بعضنا اليوم، فالبعض يضمر العداوة للبعض، وإن حدث خلاف ذلك فهومجرد مجاملة عابرة، والسبب في ذلك ضعف العقل: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر: من الآية14].
إن الرابطة التي نصير بها كالجسد الواحد هي رابطة الإسلام، وبدون ذلك نكون كمثل حالة الجاهلية أوأشر، وفي الحديث: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض». (متفق عليه). ورابطة الدين تتلاشى أمامها رابطة النسب والقومية والوطنية والحزبية وسائر صور التعصب على الباطل، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: من الآية103] ).
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
تربص الأعداء:
إننا نمر بمرحلة تستوجب منا أن نكون يداً واحدة على عدوالله وعدونا، فقوى الشر تتربص بنا الدوائر، وقد أعلنوها حرباً على الإسلام وأهله، وهذا هوشأنهم قديماً وحديثاً، فقد تنادوا يوماً وقالوا {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [طـه:64]؟
وتعاونهم اليوم من أجل إنفاذ مخططاتهم لا يخفى على أحد. ولا ننكر أن أسباب ضعفنا – التى مكنت الأعداء من رقابنا – كثيرة، ودواعي فرقتنا الحاضرة عديدة، ولكن هذا كله لا يمنعنا من الأخذ بالأسباب والاهتمام بالبدايات فلا نجعل الخلاف بيننا في الأقوال والمذاهب، وفي الملك والسياسات والأغراض الشخصية حائلاً يحول بيننا وبين تحقيق الأخوة الإيمانية والتعاون على البر والتقوى، بل نجعل الخلافات كلها تبعاً لهذا الأصل الكبير، فمصلحة الاجتماع مصلحة كلية وطلب الدين بالوحدة والألفة ومنعه لنا من التفكك يأتى على ذلك أجمع ويقدم على كل شئ، وهذا شأن من يعظم حرمات الله ويدرك حجم المخاطر التى تمر بها أمته. فالمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، وفي الحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك النبى صلى الله عليه وسلم بين أصابعه» . (رواه البخاري ومسلم).
وعن أبى هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» . (رواه مسلم ).
وفي الحديث: «ما من امرئ يخذل مسلماً في مواطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» (رواه أبوداود وغيره وإسناده حسن). ولما قيل لأنس بن مالك – رضي الله عنه – بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حِلف في الإسلام» ؟ فقال أنس: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره (رواه مسلم).
حرص السلف على التعاون واجتماع الكلمة:
لما أراد البعض قتل عثمان بن عفان – رضي الله عنه – يوم الدار، جاء عبدالله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك ؟ قال: جئت في نصرك، قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عنى ؛ فإنك خارجاً خير لى منك داخلاً، فخرج عبد الله إلى الناس وكان مما قال رضي الله عنه: إن لله سيفاً مغموداً عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذى نزل فيه نبيكم، فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله إن قتلتموه، لتطردن جيرانكم من الملائكة ولتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة.
ولما ضرب ابن ملجم الخارجي علياً – رضي الله عنه – دخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا الحسن والحسين – رضي الله تعالى عنهما – وقال: أوصيكما بتقوى الله تعالى والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا ولا تأسفا على شئ فاتكما منها، فإنكما عنها راحلان، افعلا الخير وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، ثم دعا محمداً ولده وقال له: أما سمعت ما أوصيت به أخويك، قال: بلى، قال: فإني أوصيك به.
ويحكون أن امرأة صرخت لما وقعت في الأسر وانتهكت حرمتها: وامعتصماه، وعلم بذلك المعتصم فركب فرسه ولم ينتظر وتبعه الجيش يعدوفي إثره حتى فتح عمورية، ثم سأل المعتصم: أين التي تستصرخ؟، ومن قبل كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه – يتخوف من أن تتعثر شاة بوادي الفرات فيسأل عنها يوم القيامة لِمَ لم يمهد لها الطريق؟ فكيف تخوفه لوتعثر مسلم أوقتل دون وجه حق ؟! وكان أويس بن عامر – سيد سادات التابعين – يعتذر إلى ربه من أن يبيت شبعاناً وفي الأرض ذوكبد رطبة جائع.
في زمان الغربة:
أما في زمان الغربة فقد بلغ السفه بالبعض مبلغاً جعله يمد يد العون لأعداء الإسلام والمسلمين، بل ويواليهم ويناصرهم بالغالي والرخيص في الوقت الذي يُرَمِّلون فيه نساءنا، وييتمون أطفالنا، وينتهكون أعراضنا، ويستولون على بلادنا، ولا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة، فهلا رجع إلى إسلامه وحكَّم شرع ربه، وكان منه الاهتمام بقضايا المسلمين؟ فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وأمثال هؤلاء نذكرهم بقول الله تعالى: ( {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ) [المائدة: من الآية2].
وأخيرا فمن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامى الذى حقيقته التعاون على البر والتقوى والتكامل والتناصر والتعاطف والتناصح والتواصي بالحق والصبر عليه ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية والفرائض اللازمة. وفق الله الجميع للعمل بهداه والسعي لما فيه صلاح البلاد والعباد.
Source link