أيَّد الله – عز وجل – نبيه بالمعجزة الخالدة وهي القرآن العظيم، وما جاء فيه من نبوءات ودلالات علمية، وتشريعٍ ومؤيدات، وهي تُغني عن أية معجزة أخرى، ومع ذلك فقد أيَّده الله بالمعجزات الحسية التي لا تكاد تُحصى، نذكر بعضًا منها فيما يلي:
قد بيَّنا أن الله – عز وجل – قد أيَّد نبيَّه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بالمعجزة الخالدة الباقية المحفوظة في كل زمانٍ ومكان، وهي القرآن العظيم، وما جاء فيه من نبوءات ودلالات علمية، وتشريعٍ ومؤيدات، وهي تُغني عن أية معجزة أخرى، ومع ذلك فقد أيَّده الله بالمعجزات الحسية التي لا تكاد تُحصى، نذكر بعضًا منها فيما يلي:
1- تكثير الماء ونبْعه من بين أصابعه الشريفة:
وقد وقع Jمن هذا شيء كثير من الرسول – صلى الله عليه وسلم – نذكر طرفًا منه: فمن ذلك ما رواه جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: عطِش الناس يوم الحُديبية ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين يديه رَكوة، فتوضَّأ منها، ثم أقبَل الناس نحوه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( «(ما لكم»؟، قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضَّأ به ولا نشرب، إلا ما في رَكوتك، قال: فوضع النبي – صلى الله عليه وسلم – يده في الرَّكوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العُيون، قال: فشرِبنا وتوضَّأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنَّا مائة ألف، لكفانا، كنا خمس عشرة مائة[1].
وتذكَّر أن هذه المعجزات أقرَّ بها المؤيِّد والمخالف، ولو كانت ادِّعاءً، لتراجَع عن الإيمان المؤيِّدُ قبل المخالف.
2- تكثير الطعام القليل؛ ليشبع العدد الكثير:
وها هو – صلى الله عليه وسلم – يدعو جيشًا كاملاً ليَتناولوا الطعام عند جابر، وما هو الطعام؟ شاة واحدة! حتى ظنَّ الصحابي أنه سيُفضَح، ولكن ببركة ومعجزة النبي – صلى الله عليه وسلم – أكَل الجميع حتى شبِعوا، وتبقى طعام لأهل جابر.
ويعبِّر لنا جابر عن ذلك كما جاء في الحديث، فيقول: فأخرَجت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – عجِينتنا، فبصَق فيها وبارَك، ثم عمَد إلى بُرمتنا[2]، فبصَق فيها وبارَك، ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: «ادْعِي خابزة، فلتَخبِز معك، واقدَحي من بُرمتكم، فلا تُنزِلوها»، وهم ألف، فأُقسم بالله، لأَكلوا حتى ترَكوه وانحرَفوا، وإن بُرمتنا لتَغِطُّ كما هي[3].
3- النبي – صلى الله عليه وسلم – يُبارك تمر جابر بن عبدالله؛ حتى يُوفِّي منه دَينَه! ويبقى التمر كما هو كأن لم يُؤخَذ منه شيء!
عن جابر – رضي الله عنه – قال: توفِّي عبدالله بن عمرو بن حرام وعليه دَينٌ، فاستَعنت النبي – صلى الله عليه وسلم – على غُرمائه أن يضَعوا من دَينه، فطلب النبي – صلى الله عليه وسلم إليهم – فلم يفعلوا، فقال لي النبي – صلى الله عليه وسلم -: «اذهَب فصنِّف تمرك أصنافًا؛ العجوة على حِدة، وعَذق زيد على حِدة، ثم أرسِل إليّ»، ففعلت، ثم أرسلتُ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فجاء، فجلس على أعلاه أو في وسطه، ثم قال: «كِلْ للقوم»، فكِلتُهم حتى أوْفَيتُهم الذي لهم، وبقِي تمري كأنه لم ينقص منه شيء[4].
4- النبي – صلى الله عليه وسلم – يسقي أهل الصُّفة[5] جميعًا، وهم نحو سبعين رجلاً من قدَحٍ واحد من حليب؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: اللهِ الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأَعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأَشُد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعَدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم – صلى الله عليه وسلم – فتبسَّم حين رآني، وعرَف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هِرٍّ»، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: «الْحَق»، ومضى، فتَبِعتُه، فدخل فاستأذَن، فأذِن لي، فدخل، فوجد لبنًا في قدَحٍ، فقال: «من أين هذا اللبن»؟، قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: «أبا هِرٍّ»، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: «الْحَق إلى أهل الصُّفة، فادْعُهم لي»، قال: وأهل الصُّفة أضياف الإسلام، لا يأْوُون إلى أهل ولا مالٍ ولا على أحد، إذا أتتْه صدقةٌ، بعَث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هديةٌ، أرسَل إليهم وأصاب منها، وأشرَكهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصُّفة؟! كنت أحقُّ أنا أن أُصيب من هذا اللبن شَربةً أتقوَّى بها، فإذا جاء، أمَرني، فكنت أنا أُعطيهم، وما عسى أن يَبْلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بُدٌّ، فأتيتُهم فدعوتهم، فأقبَلوا، فاستأذَنوا، فأذِن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «يا أبا هِرٍّ»، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: «خُذ فأعْطِهم»، قال: فأخذتُ القدَح، فجعلت أُعطيه الرجل، فيشرب حتى يَروى، ثم يَرُد عليّ القدَح، فأُعطيه الرجل، فيَشرب حتى يَروَى، ثم يرُد عليّ القدَح، فيَشرَب حتى يَروى، ثم يَرُد عليّ القدَح، حتى انتهيتُ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد رَوِي القوم كلُّهم، فأخذ القدَح، فوضَعه على يده، فنظر إليّ، فتبسَّم، فقال: «أبا هِرٍّ»، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: «بقِيتُ أنا وأنت»، قلت: صدَقت يا رسول الله، قال: «اقعُد فاشرَب»، فقعَدتُ فشرِبتُ، فقال: «اشرَب»، فشرِبت، فما زال يقول: «اشرَب»، حتى قلتُ: لا والذي بعَثك بالحق، ما أجد له مسلكًا، قال: «فأرِني»، فأَعطيتُه القدَح، فحمِد الله وسمَّى وشرِب الفَضلة[6].
5- انشقاق القمر:
ومن معجزاته – صلى الله عليه وسلم – انشقاق القمر، فقد سأل أهل مكة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يُريَهم آية، فأراهم القمر شِقَّين، حتى رأوا حِراء بينهما[7]، وقد كان القمر عند انشقاقه بدرًا.
وقد سجل الله ذكر هذه الآية في كتابه، فقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1 – 2]، وقد أثبت العلم الحديث وجود خطٍّ يدل على أثر انشقاقٍ في القمر قديمًا.
6- حنين الجِذع:
فعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: كان جذعٌ يقوم إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – فلمَّا وضِع له المنبر، سمِعنا للجذع مثل أصوات العِشار، حتى نزل النبي – صلى الله عليه وسلم – فوضع يده عليه[8].
7- تسليم الحجر:
فعن جابر بن سَمُرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعرف حجرًا بمكةَ كان يُسلم عليّ قبل أن أُبعَث، إني لأعرفه الآن»[9].
8- شفاء بعض أصحابه على يديه بإذن الله:
فعن يَزيد بن أبي عُبيد – رضي الله عنه – قال: رأيتُ أثر ضربة في ساق سلَمةَ، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضَّربة، فقال: هذه ضربة أصابَتني يوم خَيبرَ، فقال الناس: أُصيب سلَمة، فأتيتُ النبي – صلى الله عليه وسلم -: فنفَث فيه ثلاث نَفثات، فما اشتكيتُها حتى الساعة[10].
وكان أبو رافع اليهودي يؤذي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويُعين عليه، فقتَله عبدالله بن عَتيك؛ إلا أنه في طريق عودته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – كُسِرت ساقه، فانتهى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فحدَّثه، فقال: «ابسُط رِجلك»، فبسَطتُ رِجلي، فمسَحها، فكأنها لم أَشتكِها قطُّ[11].
وهذا علِيٌّ – رضي الله عنه – يشتكي من عينيه، فيُجري الله تعالى معجزة حِسيَّة من جنس معجزات عيسى – عليه السلام – في إشفاء المرضى؛ حيث يَبصُق النبي – صلى الله عليه وسلم – في عين علِيٍّ – رضي الله عنه – فتَبرَأ بإذن الله.
ويروي لنا هذا سهلُ بن سعد – رضي الله عنه – فيقول: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لأُعطينَّ الراية غدًا رجلاً يَفتح الله عليه»، قال سعد – رضي الله عنه -: فبات الناس يَدُوكون ليلتهم، كلُّهم يَروجون أن يُعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب»؟، فقالوا: يشتكي من عينيه، قال: «فأرسلوا إليه، فأْتُوني به»، فلما جاء، بصَق في عينيه، ودعا له، فبرَأ حتى كأن لم يكن به وجَعٌ[12].
9- امتثال الجبل لأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
عن أنس – رضي الله عنه – قال: صعِد النبي – صلى الله عليه وسلم – أُحدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجَف، فقال: «اسكُن أُحد – أظنُّه ضربه برِجله – فليس عليك إلا نبي وصِدِّيق، وشهيدان»[13].
استجاب الجبل لأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصدَقت نبوءَتُه، فقد مات عمر وعثمان شهيدين.
10- بركة عصا النبي – صلى الله عليه وسلم -:
عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: كنتُ مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في غَزاة، فأبطأ بي جمَلي وأعيا، فأتى عليّ النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «جابر»؟، فقلت: نعم، قال: «ما شأنُك»؟، قلت: أبطأ عليّ جملي وأعيا، فتخلَّفت، فنزَل يَحجُنه بمِحْجَنه، ثم قال: «اركَب»، فركِبتُ، فلقد رأيتُه أكفُّه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم[14].
سبحان الله، الجمل المجهَد الضعيف البطيء، بعدما جذَبه النبي – صلى الله عليه وسلم – بعصاه، ترتدُّ إليه العافية والقوة بقدرة الله، ويُسرع حتى يكاد يَسبِق ناقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجابر هو الذي يَجذِبه ألا يَفعل.
وبعدُ:
فلنَجمع قلوبنا وعقولنا، ولنُنَقِّ صدورنا بعد هذا التطواف مع الإعجاز، مع الآيات، مع الرسالة، مع البلاغ، مع الجهاد، مع الرعاية، مع الاصطفاء، مع خليل الرحمن النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم – لنَعلَم أنه مبعوث من الحق بالحقِّ، لبلاغه وبيانه للبشر، بل للعالمين – إنسهم وجنِّهم – فماذا ننتظر بعدُ؟!
[1] رواه البخاري (4152).
[2] برمتنا: القِدر الذي يُطبَخ فيه اللحم.
[3] رواه البخاري (4101)، ومسلم (2039) عن جابر – رضي الله عنه.
[4] رواه البخاري (2127).
[5] أهل الصُّفة: هم فقراء من الصحابة أقاموا بجوار المسجد.
[6] رواه البخاري (6452).
[7] رواه البخاري (3868)، مسلم (2802).
[8] رواه البخاري (918).
[9] رواه مسلم (2277).
[10] رواه البخاري (4206).
[11] البخاري (4039) عن البراء بن عازب – رضي الله عنه.
[12] رواه البخاري (3701).
[13] البخاري (3697).
[14] رواه البخاري (2097).
_______________________________________________________
الكاتب: د. محمد بن عبدالسلام
Source link