منذ حوالي ساعة
كان مشهدًا إنسانيًّا عظيمًا أن يقف نبي الرحمة محمد – صلى الله علي وسلم – مُتمكِّنًا من الذين آذَوه وعذَّبوا أصحابه وأقاموا ضده الحروب وألَّبوا عليه القبائل، ليُصدر عفوًا عنهم بغير شرط، وهو القادر على الانتقام منهم
في ظلِّ القيادة الحكيمة لنبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – انتقل المسلمون من نجاح إلى نجاح، ومن انتصار إلى انتصار، يُسطِّرون منظومة من الكفاح البشَري غاية في الرقي، ويَكتُبون ملحمة إنسانية لم يَعرف لها التاريخ مثيلاً، يجمعون فيها بين الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال والإقناع العقلي، والارتقاء النفسي والتأثير الوجداني، مع العمل على تطهير الأرض من الجبابرة الظالمين، وإسقاط الأنظمة الجائرة الفاسدة بالجهاد والقوة والسلاح.
فقد دخل المسلمون سلسلة من المعارك مع كفَّار قريش الوثنيين، انتهت بصلح الحديبية الذي نقضه الكفار بغدرِهم واعتدائهم على حلفاء المسلمين، فاتجه النبي – صلى الله عليه وسلم – بجيشه إلى مكة فاتحًا، ودخلها منتصرًا؛ ليُطهِّرها مما امتلأت به من أصنام وأوثان وأرجاس وشِرك، وليُعلي راية التوحيد والإيمان والحق.
وكان مشهدًا إنسانيًّا عظيمًا أن يقف نبي الرحمة محمد – صلى الله علي وسلم – مُتمكِّنًا من الذين آذَوه وعذَّبوا أصحابه وأقاموا ضده الحروب وألَّبوا عليه القبائل، ليُصدر عفوًا عنهم بغير شرط، وهو القادر على الانتقام منهم وإنزال أشد العقوبات بهم، لكن هذا هو محمد – صلى الله عليه وسلم – الرحمة للعالمين.
وكان لهذا العفو أثره في دخول أهل مكة في الإسلام؛ ليَخلعوا عن أنفسهم عباءة الشرك والكفر، ويتحوَّلوا إلى دعاة ومجاهِدين في سبيل الله.
أما اليهود، فقد صالحهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأقام معهم العهود وأخَذ عليهم المواثيق، لكنهم كانوا كعادتهم خوَنةً غادِرين لا عهد لهم، فدارت عليهم رحى الحرب، فطردَت بعضهم من المدينة ثم مِن جزيرة العرب كلها، وقتلت البعض الآخَرَ جزاءَ خيانة عُظمى في حق المؤمنين.
كما دارت رحى الحرب على قبائل العرب التي تآمَرت على المسلمين، فذاقوا مرارة الهزيمة وعلموا أن الحق ظاهر لا يُغلب، وأن نور الله لا تُبدِّده دياجير ظلمة الكفر والشرك، فانشرَحت قلوبهم للحق ودخلوا في دين الله أفواجًا.
أما القوى العظمى الطاغية في الأرض حينئذٍ كالفرس والروم وأتباعهم، فلم يَرهب المؤمنون لقاءهم، وأظهَروا بطولات عظيمة في قتالهم، قبل أن يكتب الله زوال هذه الأمم وانكِسارها على يد المسلمين بعد ذلك؛ لتدخل تلك الشعوب إلى الإسلام مُحبِّةً مُختارةً، بعد أن زالت الأنظمة الجائرة المستبدة التي كانت تَستعبِدها وتصدُّها عن اتباع الحق.
__________________________________________________
الكاتب: إيهاب كمال أحمد
Source link