منذ حوالي ساعة
العاقل هو الذي يُدرِك حجم التغيُّر ويدرسه ليُوظِّفه في تحقيق أهدافه، فلا يجمد ولا يَبقَى على حاله، بل يَنظُر ويتأمَّل ويُراقِب، فما لا يُمكِن بالأمس قد يكون مُمكِنًا اليوم، وما كان مُستَحِيلاً قد يُصبِح واقِعًا، كما أنَّ ما كان مُناسِبًا بالأمس قد لا يُناسِب اليوم، وما كان ثابتًا بالأمس قد يكون مُتَحرِّكًا اليوم.
في أدغال إفريقيا وقَع الفيل الأبيض الصغير في فخِّ الصيَّادِين الذين اقتَادُوه لبَيْعِه في الأسواق العالميَّة، وبعد صفقة رابحة اشتَرَى الفيلَ رجلٌ ثري له حديقة حيوانات، وأطلق عليه اسم (نيلسون)، وعندما وصَل المالك مع نيلسون إلى المكان الجديد، قام عُمَّال هذا الرجل الثري بربط أحد أرجل (نيلسون) بسلسلة حديديَّة قويَّة، وفي نهاية هذه السلسلة وضعوا كرة كبيرة مصنوعة من الحديد والصلب، ووضعوا (نيلسون) في مكانٍ بعيد عن الحديقة، شعر (نيلسون) بالغضب الشديد من جرَّاء هذه المعاملة القاسية، وعزم على تحرير نفسه من هذا الأَسْرِ، ولكنَّه كلَّما حاوَل أن يتحرَّك ويشدَّ السلسلة الحديديَّة كانت الأوجاع تزداد عليه، فما كان من بعد عِدَّة مُحاوَلات إلا أن يَتعَب ويَنام، وفي اليوم التالي يستَيقِظ ويفعل الشيء نفسه، ولكن بلا جدوى يتعب ويتألم وينام، فكانت مُحاوَلاته تَفشَل في التحرُّر من قيده، وفي النهاية قرَّر ألاَّ يُحاوِل؛ فلا جدوى من المحاولة.
وكَبُر الفيل وزاد حجمه وزادَتْ قوَّته لكنَّه لم يستَطِع أن يتحرَّر، وفي إحدى الليالي عندما كان (نيلسون) نائِمًا ذهب المالك مع عُمَّاله وقاموا بتَغيير الكُرَة الحديديَّة الكبيرة لكرة صغيرة مصنوعة من الخشب، وفي الصباح توقَّع البعض أن يهرب الفيل ويتخلَّص من قيده، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، بل بقي الفيل مقيَّدًا بكرة من الخشب، وفي هذه الأثناء زار فتى صغير مع والدته الحديقة وسأل المالك: هي يمكنك – يا سيدي – أن تشرح لي كيف أنَّ هذا الفيل القوي لم يُخَلِّص نفسه من الكرة الخشبية؟ فردَّ الرجل: بالطبع أنت تعلم – يا بني – أنَّ الفيل (نيلسون) قويٌّ جدًّا، ويَستَطِيع تخليص نفسه في أيِّ وقت، وأنا أيضًا أعرِف هذا، ولكن المهم هو أنَّ الفيل لا يعلم ذلك، فهو لا يَزال يعيش في وَهْمِ الكرة الحديديَّة التي ربطتُها به أولاً حين كان صغيرًا، فهو لم ينتَبِه للتغيُّر الذي حصل في جسمه وفي الكرة.
التغيُّر من الأمور الثابتة والتي لا تقبَل الجدال بين عاقِلين، فكلُّ يوم جديد تدخل في زمن جديد وفرصة جديدة وتَجارِب مفيدة، ورصيد من الحياة جديد، لست أنت فقط بل كل مَن حولَك يتغيَّر؛ الأهل والأقارب، والناس والأجهزة، ففي كلِّ يومٍ هناك أكثر من الآلاف من براءات اختِراع تُسَجَّل على مستوى العالم تُسهِم في التغيُّر.
التغيُّر يتَجاوَز المُعِدَّات والأدوات والأجهزة إلى ما هو أهمُّ وأخطر، إنَّه الأفكار والمُعتَقَدات، والثوابت والقِيَم التي يحمِلها الإنسان، وهذا هو الجزء الأهمُّ في التغيير، وبطريقة أخرى: إنَّ التغيُّر الخطير هو التغيُّر من الداخل والذي ستَكون نتيجته الحتميَّة تُغَيِّر المجتمع بأكمله؛ {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
والعاقل هو الذي يُدرِك حجم التغيُّر ويدرسه ليُوظِّفه في تحقيق أهدافه، فلا يجمد ولا يَبقَى على حاله، بل يَنظُر ويتأمَّل ويُراقِب، فما لا يُمكِن بالأمس قد يكون مُمكِنًا اليوم، وما كان مُستَحِيلاً قد يُصبِح واقِعًا، كما أنَّ ما كان مُناسِبًا بالأمس قد لا يُناسِب اليوم، وما كان ثابتًا بالأمس قد يكون مُتَحرِّكًا اليوم.
كم نحن بحاجةٍ إلى مُراجَعة داخليَّة وخارجيَّة، والنظر إلى ما وصَل إليه العالَم في مختلف المجالات، ومن ثَمَّ التوفيق بين ما تُرِيد وما هو موجود، فتُوَظِّف الموجود للوصول إلى المطلوب، ولتحقيق ذلك علينا معرفة خطوات التغيُّر وتطبيقها في حياتنا وعلى مختلف المستويات.
أمَّا خطوات التغيُّر فهي:
1 – الإحساس: وهي تَعنِي الاستِشعار بأهميَّة التغيير وضرورته، وخطورة الجمود وآثاره على الفرد والمجتمع، ويكون ذلك من خِلال الإحصائيَّات والدِّراسات، ومُلاحَظة الواقع والمقارنة مع الآخرين وغيرها من الوسائل.
2 – الرغبة: وهي النتيجة المُتَوقَّعة بعد الشُّعور والإحساس، وهي تعني: الدافعية نحو التغيُّر والاستِعداد لقبول البذل والعمل لذلك.
3 – الخطَّة: وهي خطَّة التغيير نحو المطلوب ورسم طريقِه، فالكثير يَرغَب في التغيير؛ لكنه يَجهَل الكيفيَّة التي يجب أن يَتِمَّ فيها ذلك التغيير.
4 – التنفيذ: وهي وضع خطَّة العمل على أرض الواقع.
5 – التقييم والتقويم: وتكون بالمراجعة ومُلاحَظة النتائج ومَدَى التغيُّر الحاصل، مع مُلاحَظة أن التغيُّر يَرتَبِط بالأهداف، وليس تغيُّرًا عشوائيًّا.
لقد مرَّت البشريَّة بتغيُّرات كثيرة بدَأَتْ منذ أن غيَّر الشيطان عقيدة التوحيد لَدَى البشر إلى عقيدة الشرك بعد هبوط آدم – عليه السلام – بخمسة قرون، ممَّا استَدعَى إرسال الرُّسل وإنزال الكتب لمقاومة ذلك التغيير، لقد كانت مهمَّة الأنبياء هي تغيير عقيدة البشريَّة إلى عبادة ربِّ البريَّة، فكلُّ نبي كان يُقابِله قومُه بقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف : 23]، ذلك الجمود الفكري بعينه، وكانت الإجابة من الرسل: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف : 24]، فهل سنقول كما قال أولئك الأقوام أو سنفكِّر في التغيير؟
Source link