تنطوي رحلة الإسراء والمعراج على معانٍ ودلالات عظيمة، كما تتضمن دروسًا وعبرًا عديدة، وهذا المقال فيه أهم العبر والفوائد التي تضمنتها هذه الرحلة النبوية المباركة فيما يلي:
لقد أكرَمَ الله سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالمعجزات، وأيَّده بالحُجج والبراهين، فكانت خيرَ دليلٍ على صدق رسالته الخالدة، ومِن بين هذه المعجزات رحلة الإسراء والمعراج، التي تعتبر تأييدًا ربانيًّا لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ونصرةً له، بعدما مرَّ عليه الصلاة والسلام بمعيَّة صحابته الكرام بمضايقات شديدةٍ من طرف مشركي قريش، أثناء رحلته إلى الطائف لتبليغ الدعوة، وإلحاقهم به أصنافًا من الأذى، وشتى أنواع التعذيب التي لحقت بالمسلمين؛ حيث تآمر المشركون على الدعوة الإسلامية وحاصَروها، خاصة بعدما فقَد النبي صلى الله عليه وسلم مَن كان يسانده في دعوته ويقف بجانبه في الأمور الصعاب؛ كعمه أبي طالب، وزوجته خديجة، وبعد توالي هذه الشدائد والمحن، أعقبتها المكرمات الإلهية لنبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة الربانية الخالدة، المليئة بالعبر والدروس.
العبر المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج:
تنطوي رحلة الإسراء والمعراج على معانٍ ودلالات عظيمة، كما تتضمن دروسًا وعبرًا عديدة، سأذكر أهم العبر والفوائد التي تضمنتها هذه الرحلة النبوية المباركة فيما يلي:
♦ كل محنة وراءها منحة:
ما من محنة إلا وتعقبها مِنحٌ وعطاءات ربانية، وتلك سُنة الله ماضية في خلقه، وفي تدبير شؤون الكون، فبعد أن ذاق المسلمون ويلاتِ التعذيب والتنكيل، وحصار الدعوة وقائدها عليه أفضل الصلاة والسلام – تكرَّم المولى عز وجل بأن جعل حدَثَ الإسراء والمعراج تسليةً لفؤاد نبيِّه صلى الله وسلم، وتأييدًا لدعوته ورسالته، قال تعالى في شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته الخالدة: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 2 – 4].
♦ التكريم الإلهي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
إن حدث الإسراء والمعراج يعتبر مكرمةً ربانية لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث أطلعه الله على بعضِ الحقائق والتجلِّيات في هذه الرحلة؛ حيث رأى مِن آيات الله العظمى، وأدرك أمورًا عن الآخرة، وبعض ما يتعلَّق بأحوال أهل النار وأهل الجنة، عروج من الأرض إلى السماء لمعاينة بعض أمور الغيب؛ ليتحقق بذلك العروجُ الروحي للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، إنه لأعظمُ تكريمٍ وامتنان على النبي المبعوث رحمةً للعالَمين.
قال تعالى: ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
♦ شرف العبودية: ﴿ أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1]:
قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1].
إن إطلاق لفظ العبد على الرسولِ صلوات الله وسلامه عليه، وتشريف النبي الكريم بهذا اللقبِ في سياق حدث الإسراء والمعراج – لأعظمُ منَّة وعطاء إلهي، فالعبودية للهِ أشرفُ منزلة، وأعظم مقام يتبوؤها المرء في هذه الحياة، يتوصَّل إليها بفعل الطاعات والتهجد لله والتبتل إليه، ولقد ضرب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثلة وأسمى نموذج في العبودية لله، فكان حقًّا عبدًا لله، شكورًا لربه.
♦ الثبات على المبدأ:
قصةُ الإسراء والمعراج هي قضيةُ الثبات على المبدأ، المتمثِّل في موقف سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، لقد كان حادث الإسراء مستغرَبًا عند البشر، إلا أن رجلًا كأبي بكر الصدِّيق لم يخالج هذا الاستغرابُ داخله، ولم يتردَّد في تصديقه، قال له الكفار: إن صاحبك يزعُمُ أنه أُسرِي به الليلة إلى بيت المقدس ثم عاد، ونحن نقطع أكباد الإبل شهرًا ذَهابًا وشهرًا إِيابًا؟! وكان أبو بكر فَطِنًا، فلم يقل لهم مباشرة: لقد صدَق؛ لاحتمال أنهم افتعلوا هذا الأمر ونسبوه إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، إنما قال: “إن كان قال فقد صدَق؛ إني أصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك؛ أُصدِّقه في خبر السماء”، فاستحقَّ بهذا التصديق أن يكون صدِّيقًا، بل مِن حينها كان جديرًا أن يكون ثاني اثنين، واستحق أن يكون إيمانُه أثقلَ من إيمان الأمة جميعها.
♦ التأكيد على حرمة مكة المكرمة وبيت المقدس:
قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1].
لقد جعل الله للمسلمين أزمنةً يفضُلُ العملُ فيها عن غيرها، كذلك أيضًا الشأن بالنسبة للأمكنة، ومن عقيدة المسلمين وواجبهم الإيماني تعظيمُ شعائر الله الزمانية والمكانية؛ حيث يعتبر ذلك من تقوى القلوب.
ومن تلك الأمكنة بيت الله الحرام بمكة؛ حيث كانت بداية الرحلة النبوية في معجزة الإسراء، وانتهاءً بمسجد الأقصى بفلسطين، فالصلاة تعظُمُ في هذه المساجد، ويفوق فيها الأجر والثواب، كما ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
♦ أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام:
لَمَّا كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرَض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلواتِ الخمس، وهي عماد الدين، وركن الإسلام الثاني، وهي أمُّ العبادات، وأشرف الطاعات، وأعظم القربات، إذا قُبِلت الصلاة قُبِلت سائر الأعمال الصالحة، فإن رُدَّت الصلاة رُدت سائر الأعمال، فعليها يتوقَّف قَبول كل أعمال المسلم يوم القيامة.
كل الشعائر الدينية فُرضت من الباري عز وجل إلى جبريل إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، إلا الصلاة؛ فهي من الله إلى نبيِّه الرحيم دون وسيطٍ، هي مَلْمَح لكل مؤمن بأنَّ روحه تعرج في الصلاة إلى السماء، كما عرج نبيُّ الإسلام روحًا وجسدًا إلى سدرة المنتهى.
_________________________________________________________
الكاتب: عبدالواحد المسقاد
Source link