كيف تكتشف موهبة طفلك وتطوِّرها؟!

 

(لا طفل بدون موهبة).. كل أطفالنا موهوبون، كلهم فيهم ما يميزهم عن أقرانهم، لكن الفيصل هنا هو اكتشاف هذه الموهبة وتطويرها واستغلالها، فهناك من الناس من يعيش ويموت ولا يدري شيئًا عن موهبته، ولا يطورها، ولا يستفيد منها، حتى تدفن معه في قبره في نهاية الأمر. لذا أؤكد على الآباء والمربين ضرورة التفتيش لدى أبنائهم عن الموهبة الدفينة لديهم، وتطويرها والاستثمار فيها، حتى تكون هي رأس مال هذا الطفل في المستقبل، والوسيلة التي تساعده على النجاح والتميز بين أقرانه.

كثير من الآباء يرى أن الأساس في حياة الأبناء هو التعليم والدراسة، لذا يركزون جدًا على أداء الأطفال فيها، ويرون أن أي شيء جانبي ينشغل به الطفل سيضيع وقته، وربما يؤثر سلبيًا على مستقبله ودراسته، وهذه نظرة قاصرة جدًا، ففي العصر الذي صرنا فيه الآن لم يعد التعليم وحده هو ما يحدد أهمية الإنسان وقيمته، التعليم مهم جدًا بالتأكيد، ولابد منه للإنسان لأنه يشكل الأرضية التي يبني عليها تفكيره وحياته بالكامل، وهذه ليست دعوة للتهوين إطلاقًا من شأن التعلم والدراسة، لكن فوق هذه الأرضية الدراسية هناك بناء متكامل له عدة جوانب، وهذه الجوانب ستبنيها المواهب.

فمن الأطفال من تكون موهبته علمية، فهو متفوق دراسيًا وأكاديميًا.

ومنهم من هو متفوق اجتماعيًا ولديه ذكاء اجتماعي قوي وتكوين جيد للعلاقات مع الآخرين.

ومنهم من موهبته في الشعر والكتابة الأدبية والخيالية.

ومنهم موهبته في الرسم وتنسيق الألوان والديكور.

ومنهم في الحرف والمهن اليدوية… وهكذا..

فمن الظلم أن نضع ميزانًا واحدًا لنقيس به إمكانات ونجاح أبنائنا -كالتفوق الدراسي مثلاً- ونحكم عليهم بالفشل من خلاله فقط. فإن فشل الطفل في الدراسة أو لم يكن على المستوى الذي نرضاه نحن كآباء منه فسنجد أنه بالتأكيد متميز في جانب آخر وينتظر منا أن نكتشفه ونساعده على تطويره واستغلاله الاستغلال الأمثل..

المنهج النبوي في توظيف المواهب:

وهذا المنهج هو ذاته الذي كان ينتهجه نبينا صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حيث كان يراعي الفروق الفردية بينهم ويحترم اهتماماتهم ولا يجبرهم على توجه واحد، بل كان يشهد لكل منهم بمجال تميزه وإبداعه، ففي الحديث: «“أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللهِ عمر، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليٌّ، وأفرضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ، وأقرؤهم أُبَيُّ، وأعلمُهم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ. ألا وإنَّ لكلِّ أمةٍ أمينًا، وأمينُ هذه الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ”» .

 

من هنا أحب التأكيد مرة أخرى أن المواهب لدى الطفل متنوعة جدًا، وليست قاصرة فقط على الجانب الدراسي كما يتخيل بعض الآباء، ففشل طفلك في الدراسة أو ضعفه ليس نهاية العالم

فهذا الثناء والإطراء العظيم على المتخصصين من تلاميذه وأصحابه صلى الله عليه وسلم هو مقتضى العقل والنباهة والحكمة، فتوجهات الناس شتى، وقسرهم على اهتمام واحد يقتل طاقاتهم ويبدد إبداعهم، لذا كان يوجه كلاً منهم إلى المجال الذي يحسنه ويبدع فيه، فوجّه بلالاً للأذان لصوته النديّ، وثابت بن زيد لتعلم اللغات، وخالد بن الوليد لقيادة الجيوش، ومعاذًا لتعليم الناس، وحسانًا للشعر وهجاء الأعداء ليكون الأداة الإعلامية للدعوة الإسلامية… وهكذا. وهذه بالتأكيد رسالة إلى الأجيال بعدم كبت الطاقات وعدم التعنت في إخراج نماذج مكررة في كل فن لا تحسن إلا تقليد الآخرين، وتوظيف كل موهبة في المكان المناسب لها، ولنا أن نتخيل لو لم ينتبه رسولنا صلى الله عليه وسلم لكل موهبة من مواهب أصحابه ويراعيها ويوظفها في موضعها المناسب؛ فوظف معاذًا لقيادة الجيش مثلاً، أو حسانًا لتعليم الناس، أو خالد بن الوليد لقيادة الجهاز الإعلامي، فماذا ستكون النتيجة؟!

كيف نستكشف المواهب في أطفالنا؟

ليست كل المواهب بالضرورة واضحة للمربي، فكثير من المواهب -لاسيما في مراحل العمر المبكرة- تكون خفية إلا على المتابع المدقق الذي يتعهد الطفل بالرعاية والاستكشاف. لذا هناك بعض العلامات يمكن من خلالها اكتشاف أن طفلك موهوب في مجال معين، وحينها تقوم بالتركيز على تلك الموهبة وتطويرها، فمن هذه العلامات:

1- وجود مستوى مرتفع من التحصيل الدراسي والأكاديمي، وهذا أسهل الأنواع في ملاحظته بسبب التركيز الحالي من الأسر والمدارس على الجانب الدراسي. فهذا ينبئ عن عقلية علمية وأكاديمية تحتاج إلى مزيد من التركيز على هذا المجال وتطويره.

2- مستوى مرتفع من القيادة الجماعية، فهناك أطفال بمجرد وضعهم في مجموعة يتقلدون مباشرة منصب القائد، فيتصدرون لإصدار القرارات والتوجيهات، ويكلفون كل فرد من المجموعة بأداء مهام. فهؤلاء لديهم موهبة قيادية واضحة تستدعي الاهتمام.

3- مستوى مرتفع من المهارات الحركية والألعاب الرياضية، وليس المراد هنا الميل للعب بشكل عام، فكل الأطفال يحبون اللعب، لكنّ قليلاً منهم من تظهر عليه مهارات في ألعاب بعينها ككرة القدم أو ألعاب القوى أو الألعاب القتالية وغيرها، فإذا ظهرت على الطفل علامات تميز في مثل هذه الألعاب فعلى المربي توجيهه لاستغلالها والتدرب عليها وإتقانها.

4- مستوى مرتفع في التخيل وقصّ الحكايات، وأحيانًا قد يتوهم الآباء أن الطفل يكذب ويخادع، لكن لو كان ذلك في سن مبكرة فهو خيال واسع ليس إلا يمكن استثماره بصورة إيجابية في التدريب على الكتابة القصصية والروائية والخيالية وتوليد أفكار إبداعية تخيلية. والفرق بين الكذب وسعة الخيال أن الكذب غرضه دفاعي بالهروب من العقاب، أو مصلحي بتحصيل منفعة ما، فإذا خلا من ذلك وكان الحديث سرديًا عن مواقف متخيلة فهو جانب إبداعي يمكن استغلاله.

5- مستوى مرتفع في الفنون البصرية بصورة عامة كالرسم واستخدام أقلام التلوين والفرشاة أو التصوير الفوتوغرافي والرسوم المتحركة.

6- مستوى مرتفع في المهارات العقلية كتخزين واسترجاع المعلومات والفصاحة في الحديث، فهذا يمكن توجيهه لحفظ القرآن والخطابة وإلقاء المحاضرات والتدريب على التقديم التليفزيوني والإذاعي.

7- مستوى متقدم في استخدام مهارات اليدين بالفك والتركيب واستخدام الأدوات، فهذا يمكن توجيهه لممارسة الحرف اليدوية كالنجارة وصناعة وتصميم الأثاث.

من هنا أحب التأكيد مرة أخرى أن المواهب لدى الطفل متنوعة جدًا، وليست قاصرة فقط على الجانب الدراسي كما يتخيل بعض الآباء، ففشل طفلك في الدراسة أو ضعفه ليس نهاية العالم، وإنما قد يكون بداية لمرحلة جديدة في حياته يكتشف فيها موهبة أهم ينفع بها نفسه ومجتمعه وأمته.

اكتشفت موهبة في طفلك؟ ماذا تفعل؟!

قليل جدًا من الآباء والمربين من يتفاعل مع موهبة الطفل في هذه المرحلة المبكرة، بل أقول ببالغ الحزن إن قليلاً جدًا من يلاحظون أصلاً وجود موهبة لدى الطفل غير الدراسة، لذا فإننا نوجه الأسر والمؤسسات لضرورة استكشاف هذه المواهب والتفتيش عنها في أبنائهم، ونوصيهم بالتالي:

1- أولاً وقبل اكتشاف الموهبة، عمل لجان بالمدارس والمؤسسات التربوية لاكتشاف المواهب وتطويرها وتوظيفها، فاكتشاف الموهبة هو بداية الطريق فقط، وما بعده أهم بكثير. على أن يشرف على هذه اللجان متخصصون في مجالات مختلفة لديهم القدرة على ملاحظة الموهبة ولو من أماراتها الخفية.

2- التركيز على تطوير موهبة الطفل بصورة خاصة (كتدريبه وإلحاقه بدورات متخصصة – إمداده بالكتب والأدوات التي تساعده في تطويرها واستغلالها – تعريفه على المتخصصين والقدوات في مجال اهتمامه بحيث يكونون ملهمين له).

3- تشجيع الطفل وتحفيزه المستمر وتسهيل عملية تدريبه، وعدم توبيخه على إضاعة وقته في الاهتمام بموهبته، فكثير من الأسر تركز فقط على الجانب الدراسي وتعتقد أن أي شيء آخر قد يضيع مستقبل الطفل.

4- إمداد الطفل بالأدوات المساعدة لتنمية موهبته، كالألوان مثلاً لو كان موهوبًا في الرسم، أو مضرب تنس وكرة مثلاً لو كانت موهبته رياضية، أو الأدوات المساعدة في الحرف اليدوية بشرط عدم إضرارها به بالتأكيد.

5- تخصيص وقت ثابت خلال الأسبوع ليستعرض الطفل موهبته وما أنتجه في هذا المجال، وتشجيعه مهما كان إنتاجه ضعيفًا في البداية، ولنحذر بشده في هذه المرحلة من إحباطه أو ذمه.

6- زرعه في بيئة إبداعية وموهوبة لتساعده وتعينه على الابتكار، كمراكز دعم المواهب والمخترع الصغير وغيرها.

7- تخصيص مكان محدد في المنزل ليمارس فيه الطفل موهبته، ويستحسن أن يكون بعيدًا عن مكان المذاكرة، ويكون مجهزًا بالأدوات اللازمة والمساعِدة في عملية الإبداع والابتكار.

إن فعلنا ذلك فأعتقد أنه سيخرج من كل بيت من بيوتنا طفل موهوب ومبدع، ينفع نفسه ومجتمعه وأمته، ويحقق ذاته ويحرز نجاحات كبيرة في مجال يحبه بدلاً من مجرد أدائه لوظيفة عادية لا يحبها ولا يحقق فيها أية نجاحات.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *