منذ حوالي ساعة
الحدُّ الأدنى المطلوب 30 دقيقة يوميًّا مِنَ المشي الجادِّ لتحسين الصِّحة، كما أنَّ هذه الدقائقَ تُحسِّن الصِّحةَ وتُروِّحُ عنِ النَّفس بما ينعكس على الأداءِ وتربيةِ رُوحِ الالتزام
قبلَ البَدء في شرح طُرقِ اكتساب المشي وتحويله إلى عادةٍ يوميَّةٍ، أودُّ أن أعالجَ بعض القَناعات السَّلبيَّة عنِ النَّشاط البدنيِّ عمومًا، حيثُ تنتشر في المجتمع قَناعاتٌ سَلبيَّة عَنِ النَّشاط البدنيِّ المشي، يُردِّدُها أولئك الذين لا يُمارسون النَّشاط البدنيَّ، ويرون فيها حُججًا ومعاذيرَ لعدم ممارسة النَّشاط البدنيِّ؛ وعلى رأسها المشيُ، ونشر فكرته بين النَّاس؛ ومن ذلك ما يلي:
أوَّلاً: النَّاس مشغولون جدًّا، والمشي يستهلك وقتًا طويلاً، وهذا غير صحيحٍ، فالحدُّ الأدنى المطلوب 30 دقيقة يوميًّا مِنَ المشي الجادِّ لتحسين الصِّحة، كما أنَّ هذه الدقائقَ تُحسِّن الصِّحةَ وتُروِّحُ عنِ النَّفس بما ينعكس على الأداءِ وتربيةِ رُوحِ الالتزام، والمُجرِّبون للمشي يَتحدَّثون عن دَورِ المشي في رَفعِ الإنتاجيَّة مِن عِدَّةِ أوجهٍ؛ منها: القُدرةُ على تنظيم الوقت، والاهتمام بالأولويات، ودوره في تخفيف التَّوتُّرات ومواجهة الصعوبات الحياتية، وإتاحة بعض الوقت للتَّأمُّل والتَّفكير الأدنى والتخطيط.
ثانيًا: النَّشاط البدنيُّ مُكلِّف، ويحتاج إلى أدواتٍ وأحذيةٍ وملابسَ خاصَّةٍ، والاشتراك في المرافق الرياضيَّة مُكلِّف.
هذا غيرُ صحيحٍ، فالمشي أكثرُ الرِّياضيات ممارسةً على الإطلاق، وهو رياضةٌ منصوحٌ بها جدًّا، وهي مجانيَّة بالكامل، ولا تخلو مدينةٌ – كبيرةً كانت أم صغيرةً – مِن حدائقَ وشواطئ، ومناطقِ مُشاةٍ مِثاليَّة للمشي، وليس هناك حاجةٌ لكُلْفة تُذكَر للذَّهاب إلى صالات الألعاب الرِّياضيَّة وحمَّامات السِّباحة، وغيرها مِنَ المرافق.
ثالثًا: الجو في بيئة المملكة ودُولِ الخليج عمومًا لا يُشجِّع على المشي، صحيحٌ أنَّ الصَّيفَ في بلادنا حارٌّ لدرجةٍ مُزعجةٍ، وبالذَّات في ساعات النَّهار، إلاَّ أنَّ ساعاتِ الليل والسَّاعات الأولى بعد الفجر أكثرُ برودةً، وتتراوح بقية أيَّام العام بين البرودة والحرارة، والمشيُ في مختلف الظُّروف يُكسِب الإنسانَ نَوعًا مِنَ التَّأقلُم المطلوب للجسم، والذي فقده الكثيرُ مِنَ النَّاس بتعودِهم على التَّكييف الصِّناعيِّ في كل مكانٍ وزمانٍ، ولقد عاش أجدادُنا آلافَ السِّنين في الجزيرة والخليج، ولم تمنعهم شِدَّةُ الحرِّ مِن طلب الرِّزق في مختلف أوقات اللَّيل والنَّهار، والصِّحةُ لا تُقدَّر بثمنٍ، وتستحق منَّا تَحمُّلَ حرارة الجو النِّسبيَّة.
رابعًا: الأطفال لديهم طاقةٌ عالية بطبيعتهم، وقليلاً ما يهدؤون، ولا داعيَ مِن إمضاء الوقت في تعليمهم أهميةَ النَّشاط البدنيِّ، إنَّ الأطفال شأنُهم في ذلك شأنُ الكِبار؛ فهم بحاجة إلى النَّشاط البدنيِّ والرِّياضة؛ لِمَا يُلبِّيه لهم من حاجات جسديَّة وعقليَّة واجتماعيَّة؛ من هذه الحاجات: بناءُ التناغُم العضليِّ والعَصبيِّ، وتقويةُ العِظام والعضلات والمفاصل، وإنقاصُ الوزن، وتخفيفُ الدُّهون، إضافةً إلى تحسينِ أداء القلب والرِّئتَينِ، وبناءِ المقدرات الجِسميَّة، وبناءِ الثِّقة بالنَّفس وتحقيق الإنجازات، والقُدرة على التواصُل الاجتماعيِّ والتَّقليل مِنَ القلق والإحباط، وتشير الإحصائيات العالميَّة والمحليَّة إلى تناقص ممارسة المشي بين الناشئة والشباب أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
ثقافة المشي:
الإجراءاتُ الوِقائيَّة التي تَوصَّل إليها العِلمُ سببٌ كبيرٌ في المكتسبات الصِّحيَّة في المجتمعات الحديثة، بما فيها زيادة العُمُر المُتوقَّع للإنسان، بما معدله 30 سنة على مدى قرنٍ، وبالرَّغم من هذه الحقيقة إلاَّ أنَّ معظمَ الدِّراسات حولَ المصروفات الصِّحية تدل على أنَّ أقلَّ من 5% فقط من الموارد الصِّحيَّة مكرسةٌ للوِقاية.
وفي القليل النَّادر تكون الوِقايةُ وتعزيزُ الصِّحة أولويةً لدى صانعي السِّياسات الصِّحيَّة، فهؤلاء مشغولون بإدارة الخِدْمات والمرافق الصِّحيَّة بشكلٍ يوميٍّ ودؤوب، وقد تأتي الكثير من القرارات حولَ الصِّحة الوِقائيَّة من صانعي السِّياسات من غير المحترفين في المجال الطِّبيِّ؛ مثل الإعلاميِّين والمسؤولين عن تخطيط المدن، والمهتمِّين بشؤون البيئة؛ لذا فَمِن المُهمِّ أن ننتقلَ بمثل هذا الوعي والاهتمام من الأفراد إلى كلِّ صانعي السِّياسات والقرارات.
إنَّ النَّشاط البدنيَّ ليس مجردَ سلوك أو اختيار يتوقف على الفرد، فازدحامُ الشَّوارع، والاختناقات المُروريَّة، وتَلوُّثُ الهواء، وقِلَّة المنتزهات، وأماكن التَّرفيه والرِّياضة، وقِلَّة المضامير المُعدَّة خِصِّيصًا للمشي – تجعل مِنَ النَّشاط البدنيِّ اختيارًا صَعبًا لكثيرٍ من النَّاس.
وقد ظهر في العديد مِنَ الدِّراسات أنَّ أهمَّ عاملٍ لنشر ثقافة المشي في المجتمعات – هو وجودُ مضاميرَ مُعدَّةٍ خِصِّيصًا للمشي، تحمل مواصفاتٍ عاليةً، وذات مظهر جذَّاب؛ مثل توفير الإنارة، والتَّشجير، وتوفير دورات المياه العامَّة على القُرب منها، ويمكن للقائمين على الصِّحة في مجتمعاتنا أن يقودوا هذا التَّوجُّهَ مِن خِلال الدِّفاع عن الصِّحة العامَّة، وتقديم الدَّلائل والبراهين المَبنيَّة على أُسسٍ عِلميَّة حولَ حاجة المجتمع إلى تحسين النَّشاط البدنيِّ، وبيان آثاره الصِّحيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة.
كيف نكتسب عادة المشي؟
تنتج هذه العادةُ مِنَ الجمع بين ثلاثةِ عواملَ؛ هي: المعرفة، والرَّغبة، والممارسة؛ فالمعرفة تَزيد مِنَ الشُّعور بالفوائد وتقدير الحاجة إلى النَّشاط والمشي، وكثرةُ المعلومات عن المشي تَزيد مِمَّا يُعرَف بالكثافة الحِسِّيَّة حولَ الموضوع، أمَّا الرَّغبة فضروريةٌ للبَدء، والتَّخطيط والعزم على إيجاد الاحتياجات والظُّروف المطلوبة، أمَّا الممارسة فمِن شأنها إعطاءُ الإنسانِ الشُّعورَ بفوائدِ المشي، فهي في حدِّ ذاتها دافعٌ للاستمرار، فإنَّ أفضلَ طريقةٍ لتعلُّم فوائد المشي هي ممارستُها والشُّعور الحقيقيُّ بها، نورد فيما يلي بعضَ الإرشادات لجعل المشي مِثاليًّا ومفيدًا:
كيف تمشي؟
مِنَ الأنسب أن يكونَ المشي جادًّا، مع رفعِ الرَّأس، والنَّظر إلى الأمام، وإبقاءِ الكَتِفَينِ إلى الخلف دونَ شدٍّ، وجَعلِ عضلات البطن مشدودةً قَدرَ الإمكان إلى الدَّاخل، وعندَ الحاجة إلى المشي بسرعةٍ فلا تجعل خُطُواتِكَ واسعةً؛ بل قُمْ بزيادةِ سُرعةِ الخُطُوات وعددِها، ومن شأنِ هذه الوضعيَّة أن تُقلِّلَ من التَّوتُّر، وتَزيدَ مِن تحصيل الفوائد الصِّحيَّة مِنَ المشي.
كم تمشي؟
تَعتمدُ المُدَّة والمسافة وعدد الأيَّامِ المطلوبة في المشي أُسبوعيًّا لِرَفعِ اللِّياقة والحفاظ على الصِّحة على عِدَّةِ عواملَ؛ منها: العُمُر والوزنُ والحالةُ الصِّحيَّة العامَّة، وطبيعةُ النَّمط المعيشي للإنسان، وتختلف المصادر العِلميَّة في تحديد القَدر المطلوب من المشي للمحافظة على الصِّحة واللِّياقة البدنيَّة، فإذا كان الهدف مِنَ المشي هو رَفْعَ اللِّياقة البدنيَّة العامَّة، وتحصيلَ فوائد المشي على أنسجةِ وأجهزةِ الجِسمِ والصِّحة العامَّة – فإنَّ المدَّةَ المُوصَى بها تتراوح بين 30 و60 دقيقة، على أن تُمارس من 5-7 مرَّات في الأسبوع، أمَّا إن كان الهدفُ هو رَفْعَ اللِّياقة البدنيَّة إلى حدود تنافُسيَّة.
أين تمشي؟
مِنَ المهمِّ أن يكونَ مكان المشي آمنًا، و خاليًا مِنَ التَّقاطُعات والزَّوايا الحادَّة، وهو ما يتوفَّرُ بجوار الأسوار الطَّويلة، ومن المهمِّ أن يكون السُّور أو المضمار بعيدًا عن طُرق السَّيَّارات بالقدر الآمن.
الجري أم المشي؟
المشي بالمواصفات التي ذَكرْناها – 30-60 دقيقة، 5- 7 مرَّات أسبوعيًّا – يكفي جدًّا لتحصيل الفوائد الصِّحيَّة العامَّة، أمَّا الجريُ وإن كان فيه اكتسابٌ أعلى للياقة إلاَّ أنَّه وعندَ الحديث عن عادةٍ مُستمرَّةٍ طَوالَ العُمُر، فيُعتقَد أنَّ الجريَ المستمرَّ ذو أثرٍ سلبيٍّ على الرُّكبتين، وقد يُعجِّل بشيخوخةِ مفاصل الرُّكبة والالتهابات المُزمِنة، وذلك ناتجٌ عن تَكرارِ الاحتكاك المتواصل بين الأغشية المغطية لِمَفْصِل الرُّكبتين، وخُصوصًا إذا كان الجريُ على أرضٍ أَسمنتيَّة صُلبة، أو باستخدام حذاءٍ ذي أرضيَّة صُلبة؛ لذا يُنصح بأن يُمارس الجريُ على أرضٍ تُرابيَّة أو عُشبيَّة، وفصل المراوحة في درجات الشِّدَّة مِن حينٍ لآخَرَ.
حذاء المشي؟
مع أنَّ المشيَ لا يحتاج إلى تجهيزاتٍ خاصَّةٍ، إلاَّ أنَّ اختيارَ الحذاء مِن أهمِّ أسرار النَّجاح في المشي المنتظم، وجعله ممتعًا ومفيدًا.
ويختلف حذاءُ المشي عن الأحذية الرِّياضيَّة الخاصَّة بالرِّياضات الأخرى ككرة القدم، أو التنس الأرضي؛ وذلك لأنَّ آلية “ميكانيكية” حركة القدم المتكرِّرَة خلالَ المشي تختلف عنها في الرِّياضات الأخرى.
وقت المشي؟
هناك أوقاتٌ يكون المشيُ فيها أفضلَ مِن غيرها، ومع ذلك لكلِّ وقتٍ مزاياه، والأفضلُ أن يُتركَ للاختيار الشَّخصيِّ، فالمشي بعد صلاة الفجر يُكسِب الجِسمَ نشاطًا خاصًّا؛ لأنَّ الجسمَ يستفيد مِن غاز الأوزون الذي يَزيد النَّشاط، والتَّعرُّض لأشعة الشَّمس فوقَ البنفسجية المفيدة في بناءِ العِظام، والمشيُ هذا الوقت مِثاليٌّ للتأمُّل، ويأتي بعد ساعات الرَّاحة والنَّوم فيكون التَّفكير فيه صافيًا ومركَّزًا، كما أنَّ بِدايةَ اليوم بالمشي يُوفِّرُ قدرًا مِنَ النَّشاط، وفُرصةً جديدةً لاستغلال الوقت من ساعات النَّهار الأولى.
نصائح مهمَّة:
مِنَ المُهمِّ لكلِّ شخصٍ ينوي البَدءَ في ممارسة رِياضة المشي: القِيامُ ببعض الإجراءات للبَدء في المشي، واكتساب هذه العادة، فَمِن الضَّروريِّ جدًّا استشارةُ الطَّبيب؛ وبالذَّات إذا لم يَكنِ الإنسانُ قد مارس الرِّياضة منذُ سَنواتٍ بعيدة، أو إذا كان عُمُره يَزيد على الأربعين، فقد يحتاج الأمر إلى إجراءِ بعض الفُحوص الطِّبيَّة للتأكُّد من أنَّ المشي لن يسببَ مشكلةً كامنةً لم ينتبه لها، كما يُنصح بالبَدء التَّدريجيِّ، والتَّخطيط الجَيِّد والملائم لكلِّ شخصٍ وخصوصيته، وبعدَ البَدء كافئْ نفسَكَ على الوصول إلى كلِّ مرحلةٍ والانتظام فيها؛ وذلك بإيجاد الحوافز، مثل شِراء لِبْسٍ جديدٍ، أو حفلة صغيرة، أو هَدية تكافئ بها نفسَكَ، وبضمان أفضلِ ظروفِ المشي، وذلك باختيار اللِّبْس المَرن المُريح جَيِّدِ التَّهوية، والمناسبِ لدرجة حرارةِ الجو، ولُبْس الحِذاء المريح للقدمين والمَرن جَيِّدِ التَّهوية، مع لُبس الجوارب القُطنيَّة، وتجنُّبِ أشعة الشَّمس، ولا تَنس أن تمشيَ مهما كنتَ مَشغولاً حتى لا تنقطع.
مجلة المستقبل (ع165) محرم 1426هـ، فبراير 2005م
Source link