منذ حوالي ساعة
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشتكت النَّار إِلَى الله جَلَّ وَعَلَا، ما تجده من شدة حرها، … ونفس في الشتاء، وهو ما تجدونه من شدة البرد، فإنه من زمهرير جهنَّم».
الشتاء يا عباد الله عبرةٌ للمؤمن، كما أن شدة القيد عبرة له؛ ففي الصحيحين [1] من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشتكت النَّار إِلَى الله جَلَّ وَعَلَا، ما تجده من شدة حرها، وما تجده من شدة بردها، فأذن الله عَزَّ وَجَلَّ لجهنم بنفسين: نفس في الصيف، وهو ما تجدونه من شدة الحر، فإنه من فيح جهنم، فأبردوا فيه بِالصَّلَاةِ، ونفس في الشتاء، وهو ما تجدونه من شدة البرد، فإنه من زمهرير جهنَّم».
وإنَّ من أحكام الشتاء يا عباد الله ما يتعلَّق بِالنَّاسِ من لبس الخفين والجوربين، وَهٰذَا مِمَّا تواترت به الأحاديث عن نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الإمام أحمد: “ليس في نفسي من المسح عَلَى الخفين شيء فيه أكثر من أربعين حديثًا عن رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
• ويُشترط في لبس الجوربين والخفين يا عباد الله: أن يكونا ساترين لجميع القدم، بخلاف هٰذِه الجوارب الحديثة الَّتِي يلبسها النَّاس، وتقصر عن الكعبين، فلا يصح المسح عليها، بل يجب عند الوضوء وَالطَّهَارَة نزعها، ثُمَّ غسل القدمين.
• ومن شروط ذلك يا عباد الله: أن يُدخل الجوربين والخفين عَلَىٰ طهارة، فلا يصح المسح عليهما وهما عَلَىٰ غير طهارة، وأن يثبتان بأنفسهما، لا بشدٍّ ولا بغيره، فبهذا يثبت لهم أحكام الخفين، فيمسح عليها المقيم أربعًا وعشرين ساعة، يومًا وليلة من المسح بعد اللبس إِلَىٰ أن يتم بها أربعًا وعشرين ساعة.
• أما المسافر؛ فإنه يمسح عَلَىٰ خفيه وجوربيه ثلاثة أيامٍ بلياليها، أي: من مسحه بعد لبسه، ثنتان وسبعون ساعة.
• ومن أحكامها يا عباد الله: أنها إذا انتهت المدة تبقى عَلَىٰ طهارةٍ حَتَّىٰ تُحدِث، فإذا أحدثت؛ يجب عليك أن تتوضأ وضوءًا كاملًا، وأن تنزع الخفين والجوربين، وتغسلهما، ولا يصلح المسح عَلَىٰ الخفين والجوربين في طهارةٍ كبرى من جنابة ونحوها، فهو خاصٌّ بالمسح عليهما في الطَّهَارَة الصغرى.
عباد الله! فاتقوا الله جَلَّ وَعَلَا وعظِّموا أوامره، واعلموا أنَّ الله رخص لنا في ديننا رخصًا، وإنه سُبْحَانَهُ يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه.
• ومن رخصه: المسح عَلَىٰ الخفين والجوربين.
• ومن رخصه علينا: أن نجمع بين الصلاتين، صلاة المغرب والعشاء خاصة، إذا جاءكم الريح الباردة، الريح الشمالية الصرفة، أو الريح النسرية الصرفة، فإذا جاءتكم؛ جاز لكم أن تجمعوا بين المغرب والعشاء خاصةً، تشوفًا من الشَّرِيْعَة لأداء هاتين الصلاتين جماعة.
• وكذلك إذا نزل مطر يبل الثياب، يبل ثوب أقرب جارٍ للمسجد، فإنه إذا بلَّ ثوب الأقرب دلَّ عَلَىٰ أن الأبعد أشد بلًّا.
قَالَ العلماء رَحِمَهُمُ اللَّهُ: ويجمع بين المغرب والعشاء خاصةً في ريحٍ باردةٍ، أو مطرٍ يبل الثياب، ولو كان طريقه إِلَىٰ مسجدٍ تحت ساباط.
وفي صحيح مسلم[2] من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “جمع النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المغرب والعشاء في المدينة، من غير مرضٍ ولا سفر“، فدلَّ عَلَىٰ جواز الجمع بينهما في المطر الَّذِي يبل الثياب.
فاللَّهُمَّ لك الحمد كَثِيْرًا، ولك الشكر كَثِيْرًا كما أنعمت يا ربنا كَثِيْرًا وعظيمًا، حمدًا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمدًا يكافئ النعم، ويوافي المزيد منها.
ثُمَّ اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ انصر جنودنا المرابطين، وجنودنا المقاتلين في سبيلك، اللَّهُمَّ سدّد رأيهم ورميهم، واجمع عَلَىٰ الكتاب وَالسُّنَّة كلمتهم، اللَّهُمَّ أكبت بهم عدونا، اللَّهُمَّ اشفِ بهم صدورنا، اللَّهُمَّ أذهب بهم غيظ قلوب المؤمنين يا ذا الجلال والإكرام
Source link