فالمنافقون حاولوا نصر اليهود سرًّا، وما أكثرهم في هذا الزمان!
عباد الله، من المستفادات في هذه الغزوة ما يلي:
1- غدر يهود بني النضير ومحاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم: جاء في سبب الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، وقد جاء في الوثيقة ما يدل على التعاون بينهما في الديات، فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم، قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعدٌ- فمن رجلٌ يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرةً، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، فأخبر أصحابه الخبر، بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلمبالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم.
فهؤلاء أرادوا اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، وهل بعد هذا الغدر من غدر؟ وما ينفذونه اليوم من تعقُّب المقاومة واغتيال رجالاتها وكل من يقف في وجه مخططاتهم خير شاهد على استمرار هذه الطبيعة فيهم، واليوم دعاة السلام مع اليهود واهمون في ادعاءاتهم؛ لأنهم ما عرفوا طبيعة القوم وأخلاقهم المتأصلة فيهم من الغدر والخيانة، والنصوص في ذلك معلومةٌ.
2- اليهود أدعياء الإصلاح وهم عنوان الفساد: لما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلموأمره ربه أن يقطع بعض نخلهم مبالغةً في تسليط الرعب في قلوبهم كما قال تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]، قالوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها. أترون كيف ينكرون قطع النخيل، ويجوزون اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، فانقلبت عندهم المفاهيم، وهي ذاتها المنقلبة اليوم؛ يدافعون عن حقهم في الدفاع عن أنفسهم، ويرفضون إعطاء المقاومة هذا الحق! تجاوزوا كل أعراف القتال؛ فقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، وهدموا البيوت على رؤوس ساكنيها، وقصفوا المستشفيات والمدارس… في همجية لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، ومع ذلك يرفعون شعار المظلومية ومعاداة السامية، ألا بئس ما يصنعون.
3- المنافقون أولياء لليهود: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ}[الحشر: 11، 12]، لما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت طائفةٌ من المنافقين (منهم عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول وسويد وداعسٌ) إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا.
فالمنافقون حاولوا نصر اليهود سرًّا، وما أكثرهم في هذا الزمان! حيث تجاوزوا السر إلى العلانية، والله المستعان.
من الدروس المستفادة من الغزوة أيضًا:
4- التوزيع العادل للثروة: قسم النبي صلى الله عليه وسلمأموالهم كما أمره ربه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحشر: 7، 8] فسهم لله والرسول، وهو اليوم للإمام يصرف في المصالح العامة، وسهمٌ لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسهمٌ لليتامى، وسهمٌ للمساكين ومنهم فقراء المهاجرين، وسهمٌ لابن السبيل، والمجموع ستة أسهم، حتى لا يكون المال في يد فئة قليلة، وهذا تأسيسٌ للتوزيع العادل للثروة.
العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين: قال تعالى مبينًا طبيعة الجبن في اليهود: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14] ألم يقيموا اليوم جدارًا للفصل بينهم وبين الفلسطينيين رغم امتلاكهم أعتى الأسلحة؟! ألم يقاتلوا إلا على ظهر دبابة أو طائرة أو باخرة حربية، وهي قرى محصنة، فلا شجاعة لهم في المواجهة المباشرة مع المقاومة. وهب أنهم قاتلوا المسلمين فإن العاقبة للمتقين، قال تعالى ردًّا على المنافقين الذين ناصروهم: {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الحشر: 12]، فإن عند الله أسلحةً لا يعلمها إلا هو، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}[المدثر: 31]؛
ولذلك سلَّط الله عليهم الرعب وهو الخوف الشديد، حينما ظنوا أن حصونهم وأسلحتهم وكون المنافقين معهم، سيحقق لهم النصر، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر: 2- 3]، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.
فاللهم أعِزَّ المؤمنين وأذِلَّ الشرك والمشركين، آمين؛ (تتمة الدعاء).
________________________________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
Source link