منذ حوالي ساعة
لم يعد سرا مشاركة المرتزقة الأوروبيين والأمريكيين وأصحاب الجنسيات المزدوجة في العدوان على غزة، والتورط في إبادة الشعب الفلسطيني
لم يعد سرا مشاركة المرتزقة الأوروبيين والأمريكيين وأصحاب الجنسيات المزدوجة في العدوان على غزة، والتورط في إبادة الشعب الفلسطيني، ومن الواضح أن الحكومات الغربية تحمي هؤلاء القتلة المأجورين وتوفر لهم الغطاء السياسي والقانوني، وتمنع ملاحقتهم ومثولهم أمام المحاكم، ويتبنى الإعلام الغربي الدفاع عنهم والهجوم على من يطالبون بالتحقيق معهم وإدانتهم. أكدت شبكة “أوربا 1” الفرنسية انضمام المرتزقة الأوروبيين لجيش الاحتلال بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وأنهم تورطوا في العمليات العسكرية في غزة، وأشارت إلى انخراط 4185 فرنسيا في العدوان على الفلسطينيين، وقالت إن فرنسا تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في تقديم المرتزقة والمتطوعين للجيش الإسرائيلي.
انتشرت على مواقع التواصل صور ولقطات فيديو لهؤلاء المرتزقة من الدول الغربية، وهم يوثقون وجودهم مع الجنود الإسرائيليين، وسط المعدات والآليات العسكرية وبين المباني المدمرة داخل قطاع غزة، فمنهم بجانب الفرنسيين أمريكيون وروس وأوكرانيون وجنسيات أوربية أخرى، بل شاهدنا لقطات فيديو لتهديدات أرسلها بعض هؤلاء الإرهابيين المأجورين لمن ينتقدون مشاركتهم في الإبادة التي تجري. كان الاحتفاء في فرنسا بالمشاهد التي بثها هؤلاء المقاتلون والمتطوعون وظهورهم وكأنهم يخوضون حربا مقدسة سببا في إثارة الموضوع والجدل الإعلامي، وقد تحرك النائب اليساري في البرلمان الفرنسي توماس بورتس، وطالب في بيان صحفي وزير العدل الفرنسي بالتحقيق مع الفرنسيين العائدين من “إسرائيل”، ومحاكمة من يثبت عليه المشاركة في جرائم الإبادة، وقد تعرض بورتس بعد إعلان موقفه لانتقادات من دوائر صهيونية فرنسية وتهديدات من المرتزقة المشاركين في الهجوم على غزة. حماية أمريكية وأوروبية تحظى الشركات الأمنية الخاصة التي تورد المرتزقة لـ”إسرائيل” من الولايات المتحدة والدول الأوربية بحماية ورعاية رسمية، ورغم ما يبدو من أن هذا “بيزنس” خاص فإن قادة هذه الشركات ليسوا أحرارا في الحركة وإنما في إطار المسموح لهم به، بما لا يخرج عن إطار الاستراتيجية الغربية، وفي إطار خدمة الأهداف الموضوعة لاستمرار الهيمنة وخدمة المشروعات الاستعمارية في العالمين العربي والإسلامي. كان الدافع إلى التوسع في استخدام المرتزقة كثرة المعارك بما يفوق قدرة الجيوش الغربية النظامية، ولسهولة تحريك المقاتلين بأجر في مناطق القتال بعيدا عن القانون الدولي وللهروب من موافقة الحكومات ومساءلة البرلمانات، خاصة أن معظم المعارك غير أخلاقية، فالقاتل المأجور ينفذ أي مهام تسند إليه، فقد اعتاد على القتل مقابل المال وأصبح كائنا مجرما بطبعه، مصاص دماء بلا قضية وبلا عقيدة، ولا ضمير يردعه عن سفك الدم وارتكاب الفظائع. في الحالة الإسرائيلية نرى التداخل بين المرتزق الذي يقاتل من أجل المال والمتطوع بمقابل مجز أيضا ولكنه صاحب رسالة عقائدية من منطلقات يهودية أو مسيحية، وتتلخص هذه الرسالة في قتل العرب والمسلمين لإقامة الدولة الإسرائيلية، فبعضهم مسيحيون بدوافع صليبية ومعظمهم من مزدوجي الجنسية الذين قدموا من 70 دولة، وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية لكونهم يهودا، وهذا النظام الديني لا يوجد له مثيل في دولة أخرى في العالم، فلا دولة مسيحية تعطي الجنسية لكل مسيحي، ولا دولة مسلمة تعطي الجنسية لكل مسلم. مشروعية دينية زائفة فضحت الحماية الأمريكية والأوربية للمرتزقة الذين يشاركون في تدمير غزة العقلية الغربية التي ما زالت متأثرة بأفكار الحروب الصليبية، فالدول الغربية تشجع استقدام المقاتلين الأجانب إلى فلسطين، سواء كانوا يهودا أو غير يهود من كل دول العالم لقتل الفلسطينيين، وهم يرون جرائم المرتزقة مباحة ومقبولة طالما أنها ضد العرب والمسلمين، ولكن دفاع العرب والمسلمين عن أنفسهم ضد الاحتلال والمرتزقة الذين يأتي بهم جريمة وإرهاب! في العدوان على غزة كان الموقف الأوربي في البداية متطابقا مع الأمريكيين في الدعم المطلق للجيش الإسرائيلي، لكن بعد مرور أكثر من 100 يوم بدأ يظهر التباين في بعض المواقف إلا في ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب (يهودا ومسيحيين)، فهو ملف عليه إجماع من الدول الغربية، وهو ما يعكس اتحاد العداء الاستراتيجي بين كل ألوان الطيف، ولا فرق في ذلك بين السياسي العلماني والسياسي المتدين، ولا بين الكاثوليكي والبروتستانتي ولا حتى الأرثوذكسي، فكلهم سواء. هذا الموقف العدواني في السياسة الغربية يرجع إلى نجاح الصهيونية في إعادة برمجة العقل الغربي وإدخال تفسيرات للكتاب المقدس (الذي جمع أسفار التوراة مع أسفار الإنجيل في كتاب واحد) تخدم “إسرائيل”، خاصة الذين يؤمنون بالعودة الثانية للمسيح، وربط هذه العودة بإقامة الدولة الإسرائيلية، وإقناع المسيحيين (خاصة المسيحية الصهيونية) بأن المسيح لن يعود إلا بعد تجميع كل اليهود في أرض الفلسطينيين، والزعم بأن اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح في المرة الأولى سيتبعونه في المرة القادمة بعد إقامة دولتهم! المرتزقة إرهابيون يناقض الغربيون أنفسهم عندما يستعينون بالمرتزقة في حروبهم الحديثة ويضفون المشروعية على جرائمهم الإرهابية، وفي نفس الوقت يتعاملون بطريقة مختلفة مع أي دعم يقدمه المسلمون للشعوب الشقيقة التي تتعرض للاحتلال، فالمرتزق المجرم في نظرهم مقاتل من أجل الحرية يستحق التحية، ولكن المسلم الذي يقاوم المحتل في أرضه إرهابي تتم ملاحقته ومطاردته وقتله إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ومن يفكر في مساعدة شعب عربي ومسلم يتعرض للاحتلال والعدوان وتقام له المحاكم، ويوضع اسمه على قوائم المطاردة الدولية! في العدوان الجاري على غزة لم تكتف الدول الغربية بالسماح للمتطوعين والمرتزقة فقط بالقتال مع الإسرائيليين، بل قدمت المال والسلاح للاحتلال بشكل رسمي معلن، وأرسلت أمريكا وأوربا الجيوش والأساطيل لمنع العرب والمسلمين من دعم الفلسطينيين ولو بالطعام والماء، أي أن الموقف الغربي -مع بعض الاستثناءات- محتشد ضد غزة للقضاء عليها أرضا وشعبا وكأن الحروب الصليبية بعثت من جديد. قد ينجح الغربيون في حماية الاحتلال بكل وسائل الدعم، وقد يفلحون لبعض الوقت في حصار غزة وأهلها ومنع أي دعم لها لإعطاء الإسرائيليين مزيدا من الوقت لإنجاز المهمة المستحيلة وهي طرد الفلسطينيين، لكنهم لا يعلمون أن موقفهم غير الأخلاقي وغير الإنساني هو المؤشر على نهاية الهيمنة التي فضحت نفسها وكشفت عن الوجه الآخر الذي طالما حاولوا إخفاءه.
رغم كل الدعم الغربي فإن العالم يرى اليوم هزيمة الاحتلال في غزة، ويشاهد عجز الأساطيل الأمريكية والأوربية في البحر الأحمر، حيث أصبحت عالقة في شباك الصيد في باب المندب، ولا خروج لها بكرامة، وبعد توقف العدوان سيهرب من بقي من المرتزقة والمتطوعين الذين واجهوا الموت ورأوا أسود المقاومة تحصدهم بلا رحمة، وسيبدأ قبلهم المستوطنون في رحلة الهروب ويتركون فلسطين التي تحولت بظلمهم إلى خرائب وبحيرة من الدم.
Source link