اختار الله الإنسان لعمارة الأرض جعل له من الحقوق ما ليس لغيره من الخلق وفاضل بين البشر بالحقوق بحسب عبوديتهم لربهم.
يقول ربنا تبارك وتعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [سورة الإسراء: 70] فحين اختار الله الإنسان لعمارة الأرض جعل له من الحقوق ما ليس لغيره من الخلق وفاضل بين البشر بالحقوق بحسب عبوديتهم لربهم.
فمن مقتضى تكريم الله الإنسان تحريم إهانته وإذلاله بغير حق بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو بلده فهذا حق كفله الإسلام لبني آدم كلهم.
فمن حقوق الإنسان في الإسلام أنه تفضيله على غيره من المخلوقين فجنس البشر له رتبة دنيوية فوق رتبة بقية المخلوقين وإنما وقع الخلاف في تفضيل صالح المؤمنين على الملائكة. فإذا تعارضت الحقوق كان الإنسان مقدما على غيره من بقية المخلوقين.
ومن حقوق الإنسان في الإسلام وجوب العدل مع الناس كلهم من غير تمييز بسبب دين أو لون أو عرق أو بلد حتى العدو يجب العدل معه ويحرم ظلمه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة المائدة: 8].
ومن حقوق الإنسان في الإسلام أن نفسه معصومة ويحرم الاعتداء عليه بالقتل وما دون ذلك: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} [سورة الإسراء: 33].
ومن اعتدى على أحد من الآدميين بالقتل أو دون ذلك يقتص منه بطلب المجني عليه أو يكلف الجاني بالدية وفق ضوابط شرعية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة المائدة: 45] وقال صلى الله عليه وسلم «من قتل له قتيل فهو بخير النَظَرين إما أن يُفْدَى وإما أن يُقْتَل» (رواه البخاري (2434) ومسلم (1355)).
ومن حقوق الإنسان في الإسلام عدم الاعتداء عليه اعتداء معنويا فيحرم تنقص الإنسان والوقوع في عرضه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الحجرات: 11].
ومن حقوق الإنسان في الإسلام عصمة مال الإنسان فلا يؤخذ شيء من ماله ولو قل أو يعتدى عليه بغير حق ففي حديث أبي بكرة «إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة» (رواه البخاري (4406) ومسلم (1679)).
ومن حقوق الإنسان في الإسلام حرية تصرف الرشيد بماله وعدم الحجر عليه سواء كان رجلا أو امرأة سواء كانت في ذمة زوج أو لا على الصحيح {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [سورة النساء: 6].
ومن حقوق الإنسان في الإسلام حرية الاعتقاد فلا يكره الكافر على الإسلام {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [سورة البقرة: 256]. حتى لو كان من عبدة الأوثان وهذا الذي استقر عليه الأمر ففي حديث بريدة قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال (( «اغزوا باسم الله فى سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال –أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم» )) (الحديث رواه مسلم (1731)). هذا في حق الكافر الأصلي أما من أسلم طواعية من غير إكراه فيجب عليه أن يلتزم أحكام الإسلام وتطبق عليه ومن ذلك حد الردة فعن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه» (رواه البخاري (3017)).
ومن حقوق الإنسان في الإسلام ضمان المعيشة الشريفة للإنسان فيجب أن تلبى حوائجه الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن ومركب وذلك من خلال إيجاب النفقات الشرعية ومن خلال فرض الزكاة والكفارات لسد حاجات الفقراء وإذا لم تف بالحاجات وجب سدها من بيت مال المسلمين ففي حديث جابر «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» (رواه مسلم (867)).
ومن حقوق الإنسان في الإسلام تأكيد حق الضعفاء وتشريع ما يمنع من ظلمهم والاعتداء عليهم فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة» (رواه الحاكم (1/ 63) وقال حديث صحيح على شرط مسلم).
في الإسلام الشريعة هي مصدر حقوق الإنسان فالحقوق مأخوذة منها سواء من نصوص خاصة أو من نصوص عامة أو من القواعد العامة للشريعة فما تقرره فهو الحق وما تنفيه فليس حقا وإن رآه الغرب حقا.
فانتهاك حقوق الإنسان يجب أن يرجع إلى حكم ربنا فما يأمر به ربنا ويحكم به فليس انتهاكا بل عدل وإن رأه أعمى البصيرة انتهاكا وإهانة {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [سورة الحج: 18].
الغرب يتعامل بحقوق الإنسان حسب الهوى فتجد أن شعوبه في الجملة تعطى شيئا من تلك الحقوق لكن إذا تعلق الأمر بغيرهم فتنتهك حقوق الشعوب وتحتل البلدان وتنهب خيراتها ويقتل الأبرياء هذه هي البلاد التي تتشدق بحقوق الإنسان وما احتلال العراق وأفغانستان عنا ببعيد.
وحقوق الإنسان عندهم نسبية تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان فليست حقوق ثابتة بل متغيرة بخلاف حقوق الإنسان في الإسلام.
الغرب يستغل حقوق الإنسان للضغط على الحكام لتنفيذ مطالبه فكم من حاكم ظالم أمدوه وأعانوه فإذا لم ينفذ لهم ما يريدون أثاروا عليه مسألة حقوق الإنسان وأنه منتهك لهذه الحقوق مع أن هذه الانتهاكات ليست وليدة الساعة.
الغرب يستغل حقوق الإنسان لفرض ثقافته على العالم منتهكا خصوصية الدول التي ترجع لدين أو عرف أو غيره وخصوصا ما يتعلق بالمرأة فيريد أن يفرض نموذج المرأة الغربية على الدول تحت غطاء حقوق المرأة.
الحرية لفظ فضفاض ليس له ضابط واضح فلم يقل أحد بعموم هذا اللفظ وأن الإنسان له أن يفعل ما يشاء إنما هو وفق ضوابط فإذا كانت الحرية ليست مطلقة إنما هي وفق ضوابط فالحرية التي ضبطها الخالق وارتضاها لخلقه لاشك أنها أفضل من حرية متغيرة من وضع المخلوق القاصر {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك: 14].
نجد أن البعض يدعو للحرية وينادي بها من مسلم وكافر من بر وفاجر فمن يطالب بالحرية ويدعو لها نقول له ماذا تريد بالحرية فإن كنت تريد بالحرية تحرير الناس من عبودية غير الله وتعبيدهم لله بحيث يكون الخالق هو الحاكم على أقوالهم وأفعالهم واعتقاداتهم فهذا حق وإن كان يريد بالحرية إطلاق الشهوات للشخص باسم الحرية فهذه ليست حرية إنما هي بهيمية فأنت تريد ممن كرمه ربه وفضله أن يكون بمنزلة البهائم وإن كنت تريد بالحرية التخلص من الأوامر والنواهي الشرعية فهذه في الحقيقة تحول من عبودية الله إلى غيره وحين حررته من عبودية الله لم تحرره إنما نقلته من عبودية الخالق إلى عبودية غيره.
هربوا من الرق الذي خلقوا له ♦♦♦ وبلوا برق النفس والشيطان
______________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومان
Source link