خطورة السحر وتحريم الذهاب إلى السحرة

منذ حوالي ساعة

قال النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «اجتنبوا السبْع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، ما هي؟ قال: «الشرك بالله، والسِّحر…»، ثم ذكر البقية الأخرى.

فقد أخبر – سبحانه – بكذب الشياطين فيما تلتْه على ملْك سليمان، ونفَى عنه ما نَسَبُوه إليه من السِّحر بنفْي الكفر عنه؛ مما يدل على كون السحر كفرًا، وأكَّد كفر الشياطين، وذَكَر صورةً من ذلك، وهي تعليم الناس السحرَ، ومما يؤكِّد كفرَ متعلِّم السحر قولُه – تعالى – عن الملَكينِ اللذين يعلِّمانِ الناسَ السحرَ ابتلاءً لمن جاء متعلمًا: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} ؛ أي: لا تكفر بتعلُّم السحر، ثم أخبر – سبحانه – أن تعلُّم السحر ضررٌ لا نفع فيه، فقال: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} ، وما لا نفع فيه وضررُه محقق، لا يجوز تعلُّمُه.

 

ثم قال – سبحانه -: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}؛ أي: لقد علِم اليهودُ فيما عهد إليهم أن الساحر لا خلاقَ له في الآخرة، قال ابن عباس: ليس له نصيب، وقال الحسن: ليس له دين، فدلَّت الآية على تحريم السحر، وعلى كفْر الساحر، وعلى ضرر السحر على الخلق، قال – سبحانه -: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طـه: 69]، ففي هذه الآية الكريمة نفَى الفلاحَ عن الساحر نفيًا عامًّا في أي مكان، وهذا دليل على كفره.

 

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «اجتنبوا السبْع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، ما هي؟ قال: «الشرك بالله، والسِّحر…»، ثم ذكر البقية الأخرى[1].

وهذا يدلُّ على عِظم جريمة السِّحر؛ لأنه قرَنَه بالشرك، وعدَّه من السبع الموبقات التي نهى عنها؛ لكونها تُهلك فاعلَها في الدنيا؛ لما يترتَّب عليها من الأضرار الحسية والمعنوية، وتهلكه في الآخرة؛ بما يناله بسببها من العذاب الأليم.

 

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من أتى عرَّافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد»[2]، وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلة»[3]، وفي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سأل أناس رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عن الكهان، فقال: «ليسوا بشيء»، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدِّثون أحيانًا بالشيء يكون حقًّا؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيَقُرُّها في أُذن وليِّه قَرَّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثرَ من مائة كذبة»[4].

 

ففي هذه الأحاديث النهيُ عن إتيانِ العرافين والكهنة والسَّحرة وأمثالهم، وسؤالِهم وتصديقهم، والوعيدُ على ذلك، وفيها دليلٌ على كفر الكاهن والساحر؛ لأنهما يدَّعيان علم الغيب، وذلك كفرٌ؛ ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجنِّ وعبادتهم من دون الله، وذلك كفر بالله وشركٌ به – سبحانه.

والساحر لا يتمكَّن من سحرِه إلا بالخروج من هذا الدِّين، إما بالذَّبح للجن، أو الاستغاثة بهم، أو إهانة كلام الله، أو غير ذلك من الموبقات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “يكتبون كلام الله بالنجاسة، وقد يقلبون حروف كلام الله، إما حروف الفاتحة، وإما حروف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وإما غيرهما، إما بدمٍ وإما غيره، وإما بغير نجاسة، أو يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان، أو يتكلَّمون بذلك”[5].

 

“ولهذا كلما كان الساحر أكفرَ وأخبث، وأشدَّ معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، كان سحرُه أقوى وأنفذَ، ولهذا كان سحر عُباد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام، وهم الذين سَحَروا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم”[6].

والنصوص السابقة من الكتاب والسُّنة، تدلُّ على كفر الساحر – كما تقدم – مما يدلُّ على أنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل، وذهب بعض العلماء إلى قتْله بدون استتابة، روى الترمذي في سننه من حديث جندب – رضي الله عنه – موقوفًا عليه أنه قال: “حدُّ الساحر ضربة بالسيف”[7]، وورد عن طائفة من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتْلُ الساحر والأمر بذلك، ولم يوجد بينهم خلافٌ في ذلك.

 

والسحر داء يؤثِّر، فيُمرِض الأبدانَ، ويقتل ويفرِّق بين المرء وزوجه، وشُرع للمرء الذي أُصيب به ويسعى في علاجه، الأخذُ بالأسباب المباحة المؤدِّية إلى الشفاء؛ لأن الله – تعالى – جعل لكل داء دواءً، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء»[8]، ويعالَج السحر بالقرآن، والأدعية المشروعة، والأدوية المباحة.

 

قال ابن القيم – رحمه الله -: “وقد رُوي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه – أي: في علاج السحر – نوعان:

أحدهما – وهو أبلغها -: استخراجُه وإبطاله، كما صحَّ عنه أنه سأل ربَّه – سبحانه – في ذلك، فدُلَّ عليه.

والنوع الثاني: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر”[9].

 

وقال أيضًا: من أنفع الأدوية، وأقوى ما يوجد من النَّشَرة، مقاومةُ السحر الذي هو من تأثير الأرواح الخبيثة بالأدوية الإلهية؛ من الذِّكر، والدعاء، والقراءة، فالقلب إذا كان ممتلئًا من الله، معمورًا بذِكره، وله وردٌ من الذكر والدعاء والتوجُّه لا يخلُّ به، كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له، قال: وسلطان تأثير السحر هو في القلوب الضعيفة، ولهذا غالب ما يؤثِّر في النساء والصبيان والجهال، ومن ضعُف حظُّه من الدِّين والتوكل والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية، والدعوات والتعوذات النبويَّة؛ لأن الأرواح الخبيثة إنما تتسلَّط على أرواحٍ تلقاها مستعدةً لما يناسبها[10]. ا هـ.

 

قال ابن حجر: وجواز السحر على النبي – صلى الله عليه وسلم – مع عظيم مقامه، وصدْق توجُّهه، وملازمة ورِده؛ ولكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن الذي ذكره – يعني: ابن القيم – محمولٌ على الغالب، وأن ما وقع به – صلى الله عليه وسلم – لبيان تجويز ذلك، والله أعلم[11].

 

وأما علاج السحر بالسحر، فهذا حرام؛ لعموم النصوص الواردة في تحريم السحر؛ لأنه من عملِ الشيطان، ولا يجوز علاجُه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين، واستعمال ما يقولون؛ لأنهم كذبةٌ فَجَرة، يدَّعون علم الغيب، ويلبِّسون على الناس.

روى الإمام أبو داود من حديث جابر، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سُئل عن النشرة، فقال: «هي من عمل الشيطان»، والنشرة هي حلُّ السحر عن المسحور، والمراد بالنشرة الواردة في الحديث النشرةُ التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي سؤال الساحر حلَّ السحرِ بسحرٍ مثله.

 

فإذا عُلم ما تقدَّم ذِكره، تبيَّن أن ما يفعله بعض الناس من الاتِّصال ببعض القنوات الفضائية للسحرة، وسؤالهم عما يَحدُث له من مشاكلَ، أو همومٍ، أو قضايا اجتماعية، أمرٌ محرَّم؛ بل هو في غاية الخطورة، ويقدح في العقيدة، وكيف يُقدِم مسلِم على ذلك وهو يعلم الآياتِ والأحاديثَ الواردة في ذمِّ السحرة، والنهي عن إتيانهم وتصديقهم؟! ومن فعل ذلك فإنه يُخشى على إيمانه وتوحيده.

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


[1] ص 533، برقم 2766، وصحيح مسلم ص 63، برقم 89.

[2] (15/ 331) برقم  9536، وقال محققوه: حديث حسن.

[3] ص 917، برقم 2230.

[4] ص 1196، برقم 6213، وصحيح مسلم ص 916 – 917، برقم 2228.

[5] “الفتاوى” (19/ 35).

[6] “بدائع الفوائد” (2/ 758).

[7] ص 257، برقم 1460.

[8] ص 1116، برقم 5678.

[9] “زاد المعاد” (4/ 114).

[10] “الطب النبوي” ص 252 بتصرف.

[11] “فتح الباري” (10/ 235) يشير إلى الأحاديث الصحيحة التي تثبت أنه سُحر – عليه الصلاة والسلام.

__________________________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *