الصوم عن الطعام والشراب له فوائد روحية وصحية تعود بالخير الكثير على المسلم الصائم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 1، 2]، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.
الصوم عن الطعام والشراب له فوائد روحية وصحية تعود بالخير الكثير على المسلم الصائم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
فوائد الصوم الروحية:
قال الإمامُ ابن رجب الحنبلي (رَحِمَهُ اللهُ): إن الصائم يتقرَّب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه مِن الطعام والشراب والنكاح (الجِماع)، وهذه أعظم شهوات النفس، وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد منها:
(1) كَسْرُ النفس، فإن الشبع والري ومباشرة النساء تحمل النفس على التكبُّر والغفلة.
(2) تخلي القلب للفكر والذكر، فإن تناول هذه الشهوات قد تقسي القلب وتعميه وتحول بين العبد وبين الذكر والفكر وتستدعي الغفلة، وخلوُّ الباطن من الطعام والشراب ينوِّر القلب ويُوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للذكر والفكر.
(3) الغني يعرف قَدْرَ نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح (الجِماع) فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكَّر به من منع من ذلك على الإطلاق، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.
(4) الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر ثورة الشهوة والغضب؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم (الصوم وِجاء) لقطعه عن شهوة النكاح (الجِماع).
فائدة مهمة:
قال الإمامُ ابن رجب الحنبلي (رَحِمَهُ اللهُ): اعلم أنه لا يتم التقرُّبإلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرُّب إليه بترك ما حرَّم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه؛ أخرجه البخاري، وفي حديث آخر: ليس الصيام من الطعام والشراب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث، وقال الحافظ أبو موسى المديني: على شرط مسلم.
قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
روى أحمدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي اللهُ عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ» ؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ14 ـ صـ 445 ـ حديث: 8856).
وسِرُّ هذا: أن التقرُّب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرُّب إليه بترك المُحرَّمات، فمن ارتكب المُحرَّمات ثم تقرَّب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرَّب بالنوافل، وإن كان صومه مجزئًا عند الجمهور بحيث لا يؤمر بإعادته؛ لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به، هذا هو قول جمهور العلماء.
وقال (رحمه الله): وَرَدَ في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل، فإن تحريم هذا عام في كل زمان ومكان بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارة إلى أن من امتثل أمر الله في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه فليمتثل أمره في اجتناب أكل الأموال بالباطل، فإنه محرم بكل حال لا يباح في وقت من الأوقات؛ (لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي، صـ 291:290).
فوائد الصوم الصحية:
نستطيع أن نُوجِزَ فوائد الصوم الصحية في الأمور التالية:
(1) الصومُ ينفي الفضلاتِ المتعفِّنةَ من المعدة والأمعاء، ويريحُ جهازَ الهضم بعض الوقت من عناء العمل.
(2) المصاب بالتهاب الأمعاء المزمنة والتهاب القولون المزمن، يستفيد من الصوم كثيرًا.
(3) المصاب بقصور كبدي، يستفيد من الصوم إذا اعتدل في إفطاره.
(4) في بعض حالات التحسُّس (مرض الحساسية) يستفيد المريض من الصيام، ويساعده تنظيم الأغذية والاعتدال فيها على ذهاب كثير من أعراض التحسُّس؛ إذ إن إراحة الجهاز الهضمي أمرٌ أساسٌ، للخلاص مِن حالات (الحكَّة) التي تنبع من بعض الأغذية.
(5) للصوم فائدة عظيمة على الجهاز العصبي.
يقول الدكتور محمد محمد أبو شوك في مقال له بعنوان (الصوم والجهاز العصبي): روحانيةُ الصومِ، وما تفيضُه من صفاءِ النفس، وتهذيب الروح، والصبرِ على احتمال المشاقِّ، والعطفِ على الفقراء والمحتاجين، والبعدِ عن التردِّي في الشهوات وما تجرُّه على الفرد من ويلات، وتزكية النفس بالأخلاق الفاضلة من صدقٍ في المعاملة، وأمانةٍ في تأدية العمل، والبعد عن الغضب، والانتقام، ونقاءِ النفس من الحقد والحسد، والبغضِ للناس؛ كل هذا يُضْفي على النفس البشريةِ روحَ السلام، والمودة، والمحبة، والصفاء التي بدورها تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، الذي يهدأ الجسم لهدوئه، ويثور لثورته.
وبثورة الجهاز العصبي تثور باقي الأجهزة التي تحفظ للجسم كيانه.
(6) الصومُ مُفِيدٌ في أنواع من الأمراض؛ كالسمنة، فهو مفيد في تخفيف الوزن بأسرع وقت، وأيسر طريقة.
(7) الصومُ مفيدٌ في ارتفاع الضغط الشرياني، وفي التهاب الكُلَى الحادِّ، والحصواتِ البولية، وفي أمراض الكبد، وحويصلة الصفراء من التهابات وحصوات.
(8) الصومُ مُفِيدٌ في أمراض القلب المزمنة التي تصحب البدانة والضغط العالي.
(9) الصومُ مُفِيدٌ في اضطراباتِ المعدةِ المصحوبةِ بتخمُّر المواد الزلالية والنشوية.
(10) الصومُ مُفِيدٌ في علاج الاضطرابات النفسية.
(11) الصومُ مُفِيدٌ في زيادة النشاط، وإبطاء السير نحو الشيخوخة؛ (دروس رمضان، محمد إبراهيم الحمد، صـ56:54).
خِتامًا: أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرامِ.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ.
Source link