علاقة وثيقة بين الصيام وبين القيام ، وبين الصيام وبين القرآن ، ترى علاقة قوية بين الصيام وبين الدعاء ، وبين الصدقة وبين الصبر وبين الذكر ، ترى علاقة وثيقة بين الصيام وبين الإيمان …
أيها الإخوة الكرام: مرت الأيام مسرعة وأصبحنا بفضل الله سبحانه وتعالى على أبواب رمضان..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا له وأن يسلمه لنا وأن يسلمه منا متقبلا .. اللهم آمين.
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾}
أيها الإخوة المؤمنون / إن بين الصيام وبين جميع الأعمال الصالحة توأمة ، للصيام صحبة طيبة مع كل طاعة لله رب العالمين..
فترى علاقة وثيقة بين الصيام وبين القيام ، وبين الصيام وبين القرآن ، ترى علاقة قوية بين الصيام وبين الدعاء ، وبين الصدقة وبين الصبر وبين الذكر ، ترى علاقة وثيقة بين الصيام وبين الإيمان …
قلت : ومن أقوى العلاقات علاقة الصيام بالشهادة في سبيل الله عز وجل ..
فأول الشهداء في سبيل الله تعالى نالوا هذه الشهادة وهم صائمون ، في يوم بدر ، وكانوا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ..
ثم إنه يجمع بين الصيام وبين الشهادة في سبيل الله عز وجل أن حضور الإخلاص فيهما أقوى من غيرهما ..
ويجمع بين الصيام وبين الشهادة في سبيل الله عز وجل أن لكل منهما باب من أبواب الجنة الثمانية ، بالشهادة في سبيل الله بابها باب الجهاد ، والصيام بابه باب الريان ..
ثم إن الصيام لا ثواب له إلا الجنة والشهادة في سبيل الله عز وجل أيضاً ثوابها الجنة ..
{{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }
النبي محمد صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه كثيراً عن الجنة .. نسأل الله العظيم من فضله ..
كلمهم عن أبواب الجنة ، كلمهم عن ريح الجنة ، عن غراسها ، عن ظلالها ، عن ثمارها ، عن أنهارها ، عن ثيابها ، ونعيمها الذي لا ينقطع ..
قال الله تعالى {﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوا۟ ۖ وَّعُقْبَى ٱلْكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ ﴾}
وقال عز من قائل {﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَآ أَنْهَٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَٰرٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُۥ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ وَسُقُوا۟ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾}
حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن قصور الجنة ، عن غرف الجنة ، وعن فرش الجنة ووسائدها ..
{﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ﴾﴿ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾﴿ فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾﴿ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةً ﴾﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾﴿ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ ﴾﴿ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ﴾﴿ وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾}
شوّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الجنة ، ورسمها في أذهانهم ، وعلق قلوبهم بها فأحبوها ، وشموا رائحتها وهم أحياء يرزقون حتى سئل أحدهم يوم أحد وهو منطلق إلى العدو والناس منفضون فقيل له إلى أين يا أنس؟
قال إلى الجنة إني والله لأجد ريحا دون أحد ..
شوّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الجنة حتى استحضروها في أحلامهم ، فكانوا يرونها في المنام من كثرة ما تعلقت بها قلوبهم ، وفي الواقع كانوا يعملون رجاء أن يكونوا من أهلها .. والأحاديث في هذا الباب كثيرة ..
قال ابن عباس رضي الله عنهما «جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقال علِّمْني أو دُلَّني على عملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ قال كُنْ مؤذِّنًا قال لا أستطيعُ قال كُنْ إمامًا قال لا أستطيعُ قال فقُمْ بإزاءِ الإمامِ » ..
وعن أبي الدرداء قال «جاء رجُلٌ لرَسولِ اللهِ ﷺ: فقال يا رسول الله: دُلَّني على عَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ، فقال رَسولُ اللهِ ﷺ: لا تَغضَبْ، ولك الجَنَّةُ» .
وعن كدير الضبي قال : «جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ دُلَّني على عملٍ يُدخلُني الجنَّةَ قالَ: تقولُ العَدلَ وتعطي الفَضلَ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، فإن لم أستَطِع. قالَ: فَهَل لَكَ مِن إبلٍ؟ قالَ: نعم قالَ: فاعمَد إلى بعيرٍ من إبلِكَ وسقاءٍ، فانظُر إلى أَهْلِ بيتٍ لا يشربونَ الماءَ إلّا غبًّا؛ فإنَّهُ لا يَعطبُ بعيرُكَ، ولا ينخَرِقُ سقاؤُكَ حتّى تَجِبُ لَكَ الجنَّةُ» .. نسأل الله الكريم من فضله .
وفي حديث فريد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الشهادة في سبيل الله كسبب من أسباب دخول الجنة وبين الصيام أيضا كسبب من أسباب دخول الجنة..
فعن أبي أمامة الباهلي رضى الله عنه قال : «أنشَأَ رسولُ اللهِ ﷺ غَزوًا، فأتَيتُه فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لي بالشَّهادةِ، فقال: اللَّهُمَّ سَلِّمْهم وغَنِّمْهم، قال: فغَزَوْنا فسَلِمْنا وغَنِمْنا، قال: ثُمَّ أنشَأَ رسولُ اللهِ ﷺ غَزوًا ثانيًا، فأتَيتُه فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لي بالشَّهادةِ، قال: اللَّهُمَّ سَلِّمْهم وغَنِّمْهم، قال: فغَزَوْنا فسَلِمْنا وغَنِمْنا، قال: ثُمَّ أنشَأَ رسولُ اللهِ ﷺ غَزوًا ثالثًا، فأتَيتُه فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، قد أتَيتُكَ تَتْرى، مَرَّتَينِ، أسأَلُكَ أنْ تَدعوَ اللهَ لي بالشَّهادةِ، فقُلتَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْهم وغَنِّمْهم، يا رسولَ اللهِ، فادْعُ اللهَ لي بالشَّهادةِ، فقال: اللَّهُمَّ سَلِّمْهم وغَنِّمْهم، قال: فغَزَوْنا فسَلِمْنا وغَنِمْنا، ثُمَّ أتَيتُه بعدَ ذلك فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، مُرْني بعملٍ آخُذُه عنك يَنفَعُني اللهُ به، قال: عليك بالصَّومِ؛ فإنَّه لا مِثلَ له، قال: فكان أبو أُمامةَ وامرأتُه وخادمُه لا يُلفَونَ إلّا صيامًا، فإذا رَأَوا نارًا أو دُخانًا بالنَّهارِ في مَنزِلِهم عَرَفوا أنَّهم اعتَراهم ضَيفٌ، قال: ثُمَّ أتَيتُه بعدُ فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ قد أمَرتَني بأمْرٍ، وأرجو أنْ يَكونَ اللهُ قد نَفَعَني به، فمُرْني بأمْرٍ آخَرَ يَنفَعُني اللهُ به، قال: اعلَمْ أنَّكَ لا تَسجُدُ للهِ سَجدةً إلّا رَفَعَ اللهُ لك بها دَرجةً، أو حَطَّ عنك بها خَطيئةً» ..
ليبقى الصيام ميدانياً فسيحاً وساحة واسعة تستوعب وتتآخى مع جميع صور العبادة وهى بينهن الأميز والأقرب إلى القبول والأعظم أجراً
قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: «{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به .. }»
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا تمام رمضان وأن يجعلنا فيه من العتقاء ومن المقبولين ..
الخطبة الثانية
أيها الإخوة الكرام: إنه لمن دواعي سرورنا وفرحتنا وامتناننا بفضل ربنا سبحانه وتعالى أننا على بُعد يومين اثنين عن شهر رمضان…
يأتينا رمضان من هذا العام والناس يكلمون أنفسهم ، ولا أحسب أن شيئاً يشغلهم سوى ماذا سيأكلون في رمضان ، على أي شيء سيفطرون , وبأي شيء سيتسحرون ، سيطر التفكير في الأكل والشرب على مجالس القوم ، وعلى اهتمامات الناس ، وكأن رمضان شهر أكل وشرب …..
وهذا أمر ولا شك يضعف الإحساس بنعمة رمضان ويضيع مضمون الشهر الكريم …
جعل الله عز وجل من رمضان شهر رحمة وشهر مغفرة وشهر عتق من النار .. لكن .. لمن أحسن العمل في ذلك الشهر ..
صام عن الطعام والشراب وصامت جوارحه عن أذية الناس ، صام عن الطعام والشراب وصامت جوارحه عن معصية الله عز وجل ..
في كل زاوية من زوايا رمضان باب مفتوح للعمل الصالح .. العبادة الوحيدة التي لا محل لها ولا تصح في رمضان هى حج البيت الحرام ..
فيما عدا حج البيت الحرام فرمضان يستوعب بعد ذلك كل عبادة تخطر على بالك ..
الصيام في رمضان ، عمارة المساجد في رمضان ،زكاة المال في رمضان ،الجهاد في سبيل الله في رمضان ،العمرة في رمضان ،الصدقة في رمضان ، قيام الليل ،التهجد ، الدعاء ، ختم القرآن في رمضان ، التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والحوقلة كل ذلك في رمضان ، وفي رمضان إطعام الطعام ،إفشاء السلام ، لين الكلام ، وفي رمضان الصبر ، والحلم ، والتجاوز ،والعفو ، والكثير الكثير من مكارم الأخلاق والأعمال نسأل الله تعالى أن ينظر إلينا وإلى أعمالنا وإلى نوايانا بعين القبول…
وإذا كان رمضان بهذه البركة الواسعة فأن تحصره فيما تأكله وتشربه فهذا إهدار للنعمة وإضاعة للأجر ، ويا ليتنا نتنبه لهذا ….
قال النبي عليه الصلاة والسلام «( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ )» .
نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان تاماً غير منقوص ، وأن يرزقنا الإخلاص والقبول إنه ولي ذلك والقادر عليه.
Source link