منذ حوالي ساعة
ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة
يحل شهر رمضان المبارك ضيفًا على أمة الإسلام في أصقاع المعمورة وينتظره المسلمون صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً كل عام بلهفة وشوق لينهلوا من بركاته، ويغترفوا من خيراته، ويرتشفوا من ضفافه فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية وهو شهر تجديد الإيمان وصقل الشخصية وهو شهر المغفرة والتوبة والعتق من النار وهو شهر التآلف والتراحم والبذل والعطاء وهو شهر توحيد القلوب وصفاء النفوس..
فما أحوجنا إلي هذا الشهر وإلى فضائله ومنحه في حياتنا اليوم وفي هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده..
ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة.. عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم»؛ ((حسن)، انظر: الصَّحِيحَة للألباني: 1890).
والنفحة: هي الدفعة من العطية.. وقد أجمل سبحانه نفحات هذا الشهر بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]… إنها التقوى والتي هي خير زاد وخير زينة يتزين بها العبد وهي خير لباس قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26].
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى *** تقلب عريانا وإن كان كاسيـا
وخير لباس المرء طاعة ربـــــــه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
إن رمضان فرصة لتعمير القلوب بالتقوى والعمل الصالح وهو ميدان للتنافس في جميع ميادين البر والخير والعطاء والمحروم من حرم فيه الخير ولم يتزود منه ولم يعمل فيه أعمالًا تقربه من ربه وتسعده في دنياه وآخرته.
عبـاد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان فعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» (صححه الألباني كما في صحيح النسائي) وكان السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحي بن أبى كثير: كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلًا ) وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين وفتحت أبواب الجنة»… وكان السلف يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم…. فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله» (رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان)..
فأقبلوا عليه وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، فهو فرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر ويا تعاسة من أساء استغلاله ولم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله.. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: « «كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» » « (رواه البخاري ومسلم) » وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (أخرجه البخاري)..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (البخاري).
عباد الله: – إن علينا أن نستعد لاستقبال شهر رمضان بالأعمال الصالحة وبالتوبة النصوح وبترك الآثام والمحرمات والعزم على الاستقامة في هذه الحياة على الدين والخير والحق والثبات على ذلك لعل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عن هذه الأمة آلامها ومصائبها وفتنها التي تعيشها اليوم في كثير من بلاد المسلمين، فالدماء تسفك والأرواح تزهق والحروب تشتعل والخلافات تتأجج والقلوب تتنافر بين أبناء المسلمين وعجلة الحضارة والبناء تتوقف والأعداء الذين أشعلوا هذه الفتن وزرعوا هذه الخلافات يتربصون بهذه الأمة من كل جانب ليجهدوا على ما تبقى لديها من قدرات وإمكانيات ومقومات للحياة حسدًا من عند أنفسهم وقد أدركوا جيدًا أن الحرب المباشر على هذه الأمة لا يمكن أن يفت في عضدها أو يوهن من قوتها بل إن ذلك يزيدها قوة وعظمة وبهاءً وثبات لأنها أمة جهاد وأمة بطولة وشجاعة وفداء..
فلجأوا إلى زرع الخلاف والوقيعة بين أبنائها تارة باسم العصبيات القومية وأخرى باسم النعرات المذهبية أو الطائفية وتارة بالصراع على الحكم والملك والسلطان وغير ذلك ووجد كثير من المسلمين من يتعاطى معهم وينساق نحو مشاريعهم جهلًا وضعفًا وفسادًا في القيم والأخلاق وتناسى الكثير دينهم ورسالته العظيمة التي تدعو إلى التعاون والإخاء والتراحم والتعاطف والتسامح وتحكيم الشرع في جميع مجالات الحياة حتى في حال الخلافات والنزاعات.. لا أن نحتكم إلى الأهواء والمصالح الضيقة والعصبيات الجاهلية.. قال تعالى {وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون52] وقال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]..
وإن رمضان فرصة لإصلاح نفوسنا وأوضاعنا بما فيه من منح ربانية ونفحات إيمانية فهو ينفث في الأرواح الأمة الواحدة والمصير الواحد والمصلحة الواحدة والدين الواحد والقبلة الواحدة والتعالم والتوجيهات الواحدة.. فلماذا إذًا نفسد حياتنا بأيدينا؟ ولماذا نبحث عن تعاستنا وشقائنا بسوء أعمالنا؟ ولماذا لا ننظر إلى أمم الأرض من حولنا وكيف تعلمت ثقافة الحوار والتعايش وحل المشاكل وتغليب مصالح الدين والأوطان على مصالح الأفراد والجماعات والأحزاب؟ فعودوا إلى ربكم وثقوا به سبحانه وأخلصوا أعمالكم وتآلفوا وتراحموا وتسامحوا فيما بينكم ولن يضيع الله جهودكم ولن يرد دعائكم واستفيدوا من شهر رمضان في جميع جوانب حياتكم وارتشفوا من معينه واغترفوا من نفحاته فربما لا يعود إلى قيام الساعة..
أطلق الأرواح من أصفادهـــــــــا *** في بهيج من رياض الأتقيــــــــــــاء
إنها يا شهر ظمأى فاسقهـــــــــــا *** مشتهاها من ينابيع الصفــــــــــــــاء
شهوة الأجساد قد ألقت بهــــــــا *** في قفار ليس فيها مـــــــــــــن رواء
يا ربيع الروح اقبل وأعطهــــــــا *** صولجان الحكم في دنيا الشقـــــــاء
كي يعيش الناس من آلائهــــــــا *** في رفاء وازدهار وارتقــــــــــــــــــاء
هل درى أهل الحجا أن الــــــذي *** شيطن الإنسان في الأرض اشتهــاء
زورق الشيطان في وجدانـــــــه *** طعمه فيها من الإفــــــــــــــراط داء
ما ارتقت إلا بزهر أنفــــــــــــس *** في طعامي عنه عاشت في غنــــــاء
واطمأنت في حياة الـــــروح لا *** تبتغي إلا لقيمات ومــــــــــــــــــــــاء
إنما سلطانها من دونــــــــــــــه *** كل سلطان به الإنسان بــــــــــــــــــاء
حسبه أن اخضع النفس التـــي *** تسترق الناس حتى الأقويــــــــــــــاء
أي سلطان يكف النفس عـــــن *** موبقات غير قيد كالوجـــــــــــــــــــاء
إنه الصوم الذي أوصى بـــــــه *** رحمة بالناس رب الحكمـــــــــــــــــــاء
فيه ترويض لطبع جامــــــــح *** فيه روض فيه للمرض شفــــــــــــــــاء
عباد الله: اشكروه على فضله وأكثروا من عبادته وذكره وأنفقوا من ماله ومما جعلكم مستخلفين فيه وطهروا قلوبكم من الأحقاد والضغائن وأروا الله من أنفسكم في هذا الشهر خيرًا كثيرًا…
أكثروا من الصلاة والقيام والصدقة وقراءة القرآن والذكر وصلة الأرحام والدعاء وغير ذلك من العبادات والطاعات…
حافظوا على الصلوات جماعة في المساجد..
وحافظوا على صلاة التراويح والقيام وحافظوا على وردكم من القرآن..
تفقدوا الفقراء والمساكين والأيتام…
Source link