من أقوال السلف عن الشهداء – فهد بن عبد العزيز الشويرخ

قال الإمام القرطبي رحمه الله: سُمي بذلك لأنه مشهود له بالجنة…وقيل: سمي شهيدًا, لأن أرواحهم أحضرت دار السلام, لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون, وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة..

                           

                           

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين…أما بعد: فهنيئًا لمن قتل في سبيل الله, فقد فاز بالجنان فعن أنس رضي الله عنه قال: «أُصيب حارثة يوم بدر, وهو غلام, فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا رسول الله, قد عرفت منزلة حارثة مني, فإن تكن الجنة اصبر واحتسب وإن تكن الأُخرى ترَ ما أصنع؟ فقال: (( ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة, وإنه في جنة الفردوس» )) [أخرجه البخاري]  

للسلف أقوال عن الشهداء, يسّر الله فجمعت بعضًا منها, أسأل الله أن ينفع بها.

الشهيد:

& قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: الشهيد في الأصل من قُتل مُجاهدًا في سبيل الله, ويُجمع على شهداء, ثم اتسع فيه فأُطلق على من سماه النبي صلى الله عليه وسلم من المبطون, والغرق, والحرق, وصاحب الهدم, وذات الجنب وغيرهم.

سبب تسمية الشهيد شهيدًا:

& قال الإمام القرطبي رحمه الله: سُمي بذلك لأنه مشهود له بالجنة…وقيل: سمي شهيدًا, لأن أرواحهم أحضرت دار السلام, لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون, وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة…وقيل: سمي بذلك لسقوطه بالأرض والأرض الشاهدة

& قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: سُمى شهيدًا لأن الله وملائكته شهود له بالجنة, وقيل: لأنه حي لم يمت كأنه شاهد أي حاضر, وقبل: لأن ملائكة الرحمة تشهده, وقيل: لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قتل, وقيل: لأنه يشهد ما أعدّ الله له من الكرامة بالقتل, وقيل غير ذلك.

أرواح الشهداء:

& قال ابن عباس رضي الله عنهما: أرواح الشهداء تجول في حواصل طير خضر تعلق في ثمر الجنة. & قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أرواح الشهداء في أجواف طير كأنها كالزرازير, يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة.

& قال ابن مسعود رضي الله عنه: أرواح الشهداء طير خضر, في قناديل تحت العرش, تسرح في الجنة حيث شاءت, ثم تأوى إلى قناديلها.

& قال كعب رحمة الله: جنة المأوى فيها طير خضر, ترتقى فيها أرواح الشهداء في أجواف خضر. & قال عكرمة رحمه الله: أرواح الشهداء طير بيض فقاقيع في الجنة.

&قال قتادة رحمه الله بلغنا أن أرواح الشهداء في صور طير بيض تأكل من ثمار الجنة

& قال الحسن رحمه الله: إن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح.

& قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الفرق بين حياة الشهداء وغيرهم من المؤمنين الذين أرواحهم في الجنة من وجهين: أحدهما: أن أرواح الشهداء تخلق لها أجساد, وهي الطير التي تكون في حواصلها ليكمل بذلك نعيمها ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة من الأجساد فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله, فعوضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ. والثاني: أنهم يرزقون في الجنة, وغيرهم لم يثبت له في حقه مثل ذلك, فإنه جاء أنهم يعلقون في شجر الجنة.

& قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: الشهداء…في الجنة يرزقون…ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب, وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين, وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل, حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم.

& قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الشهداء…وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار…الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم, وهو فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة, ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم, وأنهم لا يخافون مما أمامهم, ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم.

& قال العلامة السعدي رحمه الله: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة, وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش….فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب لم يتخلف عنه أحد, ولكن عدم العلم اليقيني التام هو الذي فتّر العزائم, وزاد نوم النائم, وأفات الأجور العظيمة والغنائم.

الفارق بين الشهداء والمتشبهين يهم:

& قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والملبسين هو الصدق والكذب.

السنة في تغسيل الشهيد, وتكفينه, والصلاة عليه, ودفنه:

& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: السنة في الشهيد أنه لا يغسل, ولا يُصلى عليه, ولا يكفن في غير ثيابه, بل يدفن فيها بدمه وكُلومه, إلا أن يُسلبها فيكفن في غيرها…والسنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم, ولا ينقلوا إلى مكان آخر.

& قال العلامة العثيمين رحمه الله: الشهيد لا يغسل, والحكمة من ذلك: لإبقاء دمه عليه, لأنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا, اللون لون الدم, والريح ريح مسك.

ولا يصلى على الشهيد…قال أهل العلم: وذلك لأن الصلاة على الميت شفاعة…ومن قتل شهيدًا فقد كفرت خطاياه, فلا يحتاج إلى شافع, وهذا تعليل جيد

خصال للشهيد الذي يقاتل في سبيل الله:

& قال الإمام القرطبي رحمه الله: ما جرى على الأنبياء من شدائد الموت وسكراته فله فائدة أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن وقد يطَّلع الإنسان على بعض الموتى، فلا يرى عليه حركة ولا قلقًا، ويرى سهولة خروج رُوحه، فيغلب على ظنِّه سهولة أمر الموت ولا يعرف ما الميت فيه, فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدَّةَ ألمه، مع كرامتهم على الله تعالى، وتهوينه على بعضهم، قطع الخلق بشدَّة الموت الذي يُعانيه ويُقاسيه الميِّت مطلقًا لإخبار الصادقين عنه ما خلا الشهيد قتيل الكفار.

& قال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه, ويشفع في سبعين من أهل بيته ومن والاه, وأنه آمن يوم القيامة من الفزع الأكبر, وأنه لا يجد كرب الموت, ولا هول المحشر, وأنه لا يحس ألم الموت إلا كمس القرصة.

& قال العلامة العثيمين رحمه الله: الشهيد إذا قتل في سبيل الله فإنه لا يحس بالطعنة أو بالضربة كأنها ليست بشيء ما يحس إلا أن روحه تخرج من الدنيا إلى نعيم دائم أبداً…والشهيد يُبعث يوم القيامة وجرحه يثعُب دماً اللون لوم الدم, والريح ريح المسك, ليتميز المجاهدون على غيرهم في هذا الموقف العظيم

تنبيه: قال العلامة العثيمين رحمه الله: القتال للقومية العربية قتال جاهلي, من قتل فيه فليس شهيداً, فقد الدنيا وخسر الآخرة, لأن ذلك ليس في سبيل الله.

وقال رحمه الله: الذي يقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط ليس بشهيد, ولكن الواجب علينا ونحن مسلمون…أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا…أو من أجل وطننا لأنه إسلامي ندافع عن الإسلام الذي فيه.

قبور الشهداء:

& قال الإمام البغوي رحمه الله: قيل: الشهيد لا يبلى في القبر, ولا تأكله الأرض.

& قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة أربع وثلاثمائة (304هـ) : وفيها ورد كتاب من خراسان بأنهم وجدوا قبور شهداء قد قتلوا في سنة سبعين من الهجرة, مكتوبة أسماؤهم في رقاع مربوطة في آذانهم, وأجسادهم طرية كما هي. 

لا يحكم على أحد بعينه أنه شهيد:

& قال العلامة العثيمين رحمه الله: ليعلم أننا لا نحكم على الشخص بعينه أنه شهيد حتى وإن عمل عمل الشهداء, لأن الحكم بالشهادة لشخص بعينه لا يجوز, كما لا تجوز الشهادة للشخص بعينه بالجنة إن كان مؤمناً, أو بالنار إن كان كافراً, ولكن نقول : إن من مات بحادث أم مات بهدم أو بغرق أو بحرق أو بطاعون فإنه من الشهداء, ولكن لا نخُصُّه بعينه, ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن لا نشهد لأحد بعينه بجنة ولا بنار, إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن نرجو لهذا الرجل أن يكون من الشهداء.

** كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد, لكن لا تقل: فلان شهيد, لأنه قد يكون في دفاعه في قلبه عن حمية وعصبية, وما أشبه ذلك, لكن مع الأسف الشديد أن كلمة ” شهيد” الآن صارت رخيصة.

** الشهادة أمر مهم وخطير جدًا, فإذا فعل الإنسان فعلة المؤمن التقي فقل: أحسبه كذلك والله حسيبه, وأرجو له التوفيق, أرجو له الثواب, حتى تسلم.

** إذا جاء شخص, يقول: إن والدي حصل له حادث سيارة, ومات, فهل هو شهيد ؟ نقول: نرجو أن يكون شهيداً, ويكفى هذا.

بيان الشهداء:

& قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (( الشهداء خمسة: المطعون, والمبطون, والغرق, وصاحب الهدم, والشهيد في سبيل الله ))

وفي رواية مالك في الموطأ…الشهداء سبعة, سوى القتل في سبيل الله, فذكر المطعون, والمبطون, والغرق, وصاحب الهدم, وصاحب ذات الجنب, والحرق, والمرأة تموت بجمع, وفي رواية لمسلم: (( من قتل في سبيل الله فهو شهيد, ومن مات في سبيل الله فهو شهيد )) وهذا الحديث الذي رواه مالك صحيح بلا خلاف.

فأما المطعون فهو الذي يموت بالطاعون.

وأما المبطون فهو صاحب البطن وهو الاسهال…وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل: هو الذي تشتكي بطنه وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا

وأما الغريق فهو الذي يموت غريقًا في الماء.

وصاحب الهدم من يموت تحته.

وصاحب ذات الجنب معروف وهي قرحة تكون في الجنب باطنًا.

والحريق الذي يموت بحريق النار.

وأما المرأة تموت بجمع….قيل التي تموت حاملًا جامعة ولدها في بطنها.   

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (( من مات في سبيل الله فهو شهيد )) فمعناه بأي صفة مات

قال العلماء وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها

وقد جاء في حديث آخر في الصحيح: (( من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون أهله فهو شهيد))

شهداء الدنيا: من مات بالزلازل, أو في حادث سيارة, أو بصاعقة, أو في الفيضانات

& قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: من يموت في حوادث السيارات داخل في حديث: (( وصاحب الهدم )) فهو شهيد.

& قال العلامة العثيمين رحمه الله: الذي يخرجُ من بيته ويموتُ بحادث سيارة أو سقوط عقار عليه أو ما أشبه ذلك يكون شهيداً, لأن صدم السيارة من جنس الغرق ومن جنس الحرق, ومن جنس الهدم, وكل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسم أن من مات به يكون شهيداً…فهو شهيد عند الله, لكنه في أحكام الدنيا ليس بشهيد, بل يجب أن يُغسل ويُكفَّن ويصلى عليه.

وقال رحمه الله: إذا نزلت صاعقة بإنسان فإنها سوف تحرقه – لا شك- في لحظة, لأنها طاقة كهربائية عظيمة, فهل يكون هذا من جنس الذي مات بحرق النار, ويكون من الشهداء ؟ نقول: نعم, هذا من الشهداء, ويكون الله قد أراد له خيراً أن يموت على هذه الحال إن شاء الله.

وقال رحمه الله: (( صاحب الهدم )) أي: الذي ينهدم عليه البيت, فيهلك, سواء كان الانهدام بكثرة السيول, أم بخلل البيت, أم بالزلازل, فإنه يكون شهيداً.   

وقال رحمه الله: المقتول ظلمًا شهيد….في الآخرة فقط…وهو الصحيح, وبناء عليه فإنه يُغسل ويكفن وُيصلي عليه ويدفن.

وقال رحمه الله: الله تعالى لا يقدر شيئًا إلا لحكمة حتى وإن كان ظاهره أنه ضرر علينا فهو لحكمة فمثلًا الفيضانات التي دمرت البلاد…وأهلكت بعض الناس, هي مكروهة لنا, لكنها لحكمة, فالذين قتلوا في هذا شهداء, لأن الغريق شهيد وما أعظم الشهادة.

ثواب شهداء الدنيا:

& قال الإمام النووي: قال العلماء المرادة بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم.  

& قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة, تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم, بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم, وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء. قلت: والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء

& قال العلامة ابن باز رحمه الله: الشهداء أقسام, لكن أفضلهم شهيد المعركة في سبيل الله, ومنهم المطعون الذي يموت بالطاعون, والمبطون الذي يموت بالإسهال في البطن وصاحب الهدم الذي يموت بالهدم يسقط عليه جدار أو سقف وفي حكمه من يموت بدهس السيارات وانقلاب السيارات وصدام السيارات هذا من جنس الهدم وكذلك الغرق, كل هذه من أنواع من الاستشهاد, لكن أفضلهم شهيد المعركة وهو الذي لا يغسل ولا يصلى عليه أما البقية يغسلون ويصلى عليهم, وإن كانوا شهداء.

وسئل رحمه الله: هل يشفعون, هل يعفى عن كل شيء عملوه إلا الدين, أم أن ذلك خاص؟ فأجاب رحمه الله:…جاء الحديث الصحيح في شهيد المعركة, أما غيرهم فالله أعلم, لهم فضل, ولهم خير, ولكن كونهم يشفعون في كذا, أو كونهم يغفر لهم كل شيء هذا محل نظر, يحتاج إلى دليل خاص, لكن لهم فضل, فضل الشهادة.

& قال العلامة العثيمين رحمه الله: الشهداء المذكورين في الحديث فهم شهداء في الآخرة, لا في الدنيا, ومع ذلك فإنهم لا يساوون الذين قتلوا في سبيل الله, لكنهم شهداء, ولكل درجات مما عملوا.

تمنى الشهادة في سبيل الله:

& قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: باب تمني الشهادة…تمنيها والقصد لها مرغب فيه مطلوب وفي الباب أحاديث صريحة في ذلك منها عن أنس مرفوعًا  (( من طلب الشهادة صادقًا أعطيها, ولو لم يصبها )) أي: أعطي ثوابها ولو لم يقتل. أخرجه مسلم. وأصرح منه في المراد ما أخرجه الحاكم بلفظ (( «من سأل القتل في سبيل الله صادقًا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد» )) وللنسائي من حديث معاذ مثله, وللحاكم من حديث سهل ابن حنيف مرفوعًا (( « من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء, وإن مات على فراشه» ))

اللهم إنّا نسألك شهادة صادقة في سبيلك.

                                 كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

 

 

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تفسير: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم..)

تفسير: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) [الأحزاب (48)] …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *