منذ حوالي ساعة
فمن أراد القبول في رمضان، فليحرِص أن يكون صومه وفطره وقيامه وذكره ودعاؤه وتلاوته وجميع أعماله – وَفْقَ سنة النبي صلى الله عليه وسلم…
المفتاح الأول: مفتاح الشوق إلى الله:
الشوق إلى المغفرة، الشوق إلى الجنان، الشوق إلى باب الريان، الشوق إلى عفو الرحمن؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشِّر أصحابه برمضان بُشرى التشوُّق لبركاته ورحماته، في كل ساعاته وأوقاته، فكان يقول لهم: «قد جاءكم رمضان، شهرٌ مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان، وتغلَّق أبواب الجحيم، وتُغلَّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرم خيرَها فقد حُرم» [1].
لهذا كان السلف رضي الله عنهم يترقبون هذا الشهر، متمنِّين تمامَه، لإتمام صيامه وقيامه، متقلبين في أيامه بين الطاعات والعبادات، فكان من دعائهم كما يقول يحيى بن كثير: اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلِّم لنا رمضان، وتسلَّمه منا متقبلًا[2].
وكانوا – كما يقول مُعَلَّى بن الفضل – يدْعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبَّله منهم[3].
إن هذا الاستعداد الصادق لاستقبال رمضان، يدل على قلوبٍ حيةٍ تريد الله والدار الآخرة، إنها فرصةٌ عظيمة تستحق كمال الشوق وتمام الاستعداد.
أتي رمضان مزرعةُ العبــــــــاد *** لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقَه قولًا وفعــــــــــــلًا *** وزادك فاتِّخذه للمعــــــــاد
فمن زرَع الحبوب وما سقاهــا *** تأوَّه نادمًا يوم الحصـــــاد
المفتاح الثاني: مفتاح الإخلاص:
هناك من يستقبل رمضان، فيصوم ويصلي ويقوم الليل، ولكن على سبيل العادة السنوية، وهذا قد لا يثاب على ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه»، فلابد من النية الصالحة، ولابد من تَفَحُّصِ هذه النية ومراجعتها يومًا بعد يوم.
المفتاح الثالث: مفتاح الاتباع:
إذا أخلصت لله، فكن على السُّنة، فإنها سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك،
فكل عبادة لا تُقبل إلا بشرطين:
1ـ الإخلاص.
2ـ اتباع السنة.
فمن أراد القبول في رمضان، فليحرِص أن يكون صومه وفطره وقيامه وذكره ودعاؤه وتلاوته وجميع أعماله – وَفْقَ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر من الابتداع في الدين، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
المفتاح الرابع: مفتاح العزيمة (الإرادة والصدق والهمة):
يعزم مريدُ القبول على سلوك سبل الخير وإدراك الفضائل والكمالات، وترك كل المحرمات والمنكرات، والبعد عن كل قاطع وَمُعوِّق.
المفتاح الخامس: مفتاح التغيير:
وبهذا المفتاح تبدأ بالفعل عملية التغيير، وشهر رمضان من أكبر الفرص في إنجاح هذه العملية، وهي ما يُطلِق عليها السلوكيون: التخلية والتحلية، فتُخلِّي قلبك من الشرور والمفاسد والأمراض، وتجعل مكان ذلك المحاسن والمكارم، واجعل نُصب عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنفُ امرئ أدرك رمضان فلم يُغفر له» [4].
المفتاح السادس: مفتاح تنظيم الوقت:
بهذا المفتاح يُستغلُّ الوقت، ويُحافظ عليه، ويُنَظَّم، وإنما يكون بالترتيب والتخطيط والجدولة.
المفتاح السابع: مفتاح تحديد الأهداف:
من خلال تنظيمك للوقت لابد أن تحدد لنفسك أهدافًا في هذا الشهر العظيم، منها:
1ـ الوصول إلى منزلة التقوى، ومن علاماتها: فعل الواجبات والمسنونات، وترك المحرمات والشُّبهات والمكروهات.
2ـ التعوُّد على إدراك الصلوات الخمس في جماعة.
3ـ ترك العادات القبيحة؛ كالتدخين والمعاكسات ومشاهدة القنوات والمواقع المشبوهة ونحوه.
4ـ ختم القرآن بتدبُّر كل ثلاث، أو كل أسبوع، أو كل عشرة أيام.
5ـ حفظ عشرة أجزاء من القرآن.
6ـ إحياء سنة الاعتكاف.
المفتاح الثامن: مفتاح المبادرة:
وهذا المفتاح يُمكِّنُك من المسارعة إلى الخيرات واغتنام الدقائق والثواني، وعدم التواني في إدراك الفضائل، فقد قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال تعالى عن عبادة الصالحين وأنبيائه المكرمين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، وقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم…» [5].
• اجعل شعارك في رمضان: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعَل.
المفتاح التاسع: التنويع:
وهذا المفتاح يُمكِّنُك من الدخول على الله من جميع أبواب الخير، وعدم الاقتصار على عبادة بعينها، فمن أبواب الخير: الصيام، والصلاة، القيام، والصدقة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والإنفاق في سبيل الله، وتفطير الصائمين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من الأبواب.
فائدة هذا المفتاح: عدم الملل والسآمة الناتجة عن الاقتصار على لون واحد من العبادة.
المفتاح العاشر: مفتاح المحاسبة:
ففي كل يوم تنظر في أمرك وتُحصي الخلل الذي يقع منك والهفوات التي تعتريك، ويمكنك استدراك ذلك بالتوبة والاستغفار والندم ومحاولة التغيير؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18]، ويقول عمر بن الخطاب: أيها الناس، حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزنوا، وتجهَّزوا للعرض الأكبر يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية[6].
قال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسبَ نفسَه محاسبةَ الشريك، حتى يعلم من أين مَطعمه ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمن حلال أم من حرام؟[7].
هذه المفاتيح العشرة أسنانها التي تَفتح بها: المجاهدة، فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
[1] رواه أحمد والنسائي والبيهقي وصححه الألباني.
[2] ذكره ابن قاسم النجدي في وظائف رمضان، وعزاه إلى ابن عساكر.
[3] لطائف المعارف / ابن رجب.
[4] رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
[5] رواه مسلم.
[6] إغاثة اللهفان / ابن القيم.
[7] السابق.
_______________________________________________________
الكاتب: د. شريف فوزي سلطان
Source link