بركة السحور أن القليل من طعامه وشرابه يكفي عددًا كثيرًا من المتسحرين، وكذلك يقْوَى البدن بتلك الأكلة، فيذهب الرجل إلى عمله، وتقوى المرأة على أعمال بيتها، فقال النبي ﷺ: «تسحَّروا؛ فإن في السحور بركة»
إن من أجلِّ نعم الله على عباده المؤمنين أن جعل لهم الصيام فرصة للأوبة والتوبة من الذنوب والآثام، فهم يحتسبون جوعهم وعطشهم عن الطعام والشراب والمعاصي، ولما كانت طبيعة البشر ألا يقووا على ذلك الصيام إلا بطعام أو شراب؛ سنَّ لنا نبينا سنة (التسحُّر/ السَّحور: طعام يؤكل في وقت السَّحر)، ليكون إعانة للصائمين في نهارهم؛ لا لمجرد الشبع أو الري فحسب، وإنما رتب جزاء وفضلًا على ذلك التسحر، وبهذا ينشرح صدر الصائم لإشباع شهوة الجوع والعطش بسحوره، إلى جانب فرحه بعبادة الصيام، ومن ثم سأسمي هذه التذكرة بـ (انشراح الصدور باحتساب عشر نيات في السَّحور)، وهي كالآتي:
1 ـ السَّحور سنة نبوية:
لقد حث النبي على تلك السُّنَّة، بفعل الأمر (تسحَّروا) على الاستحباب، بأن السحور سنة وليس فرضًا، ورغم ذلك، فالنبي شجع على السحور، فبين أنه (بركة)، لكنك تجد فزع الناس كثيرًا من قلة المال؛ لانتشار الغلاء والوباء؛ فلا يكفي المال كل حاجيات الأسرة غالبًا؛ ولهذا أنصح نفسي وإياكم بالبحث عن أسباب البركة[1]، ومنها هنا (السَّحور)؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحَّروا؛ فإن في السحور بركة» [2]؛ وبركة السحور أن القليل من طعامه وشرابه يكفي عددًا كثيرًا من المتسحرين، وكذلك يقْوَى البدن بتلك الأكلة، فيذهب الرجل إلى عمله، وتقوى المرأة على أعمال بيتها، إلى جانب أنه إعانة للصائم على الطاعات في نهاره من أعمال البر والذكر وغيرها، كما أن السحور وسيلة للقيام بالعمل الوظيفي إن كنت شبعًا؛ وأخيرًا بركة السحور في شعورك بالشبع رغم أنك تسحرت بقليل ماء وشراب، أسأل الله أن يملأ قلوبنا وأعمالنا وأعمارنا وبيوتنا بركة ورضا وقناعة وكفافًا.
2 ـ السَّحور سنة الأنبياء:
لقد حثنا نبينا على السحور لنسير على خطى الأنبياء قبلنا؛ فقد كان من سنتهم التسحر؛ وذلك بتأخير وقته إلى قرب الفجر؛ ليكون الطعام والشراب بالمعدة محفوظًا، مما يعين الصائم على قوة وقدرة في نهاره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا» [3]؛ فليحرص المسلم أن يكون سحوره متأخرًا قبيل الفجر تأسيًا بفعل النبيين، ولتحتفظ المعدة بالطعام والشراب فترة أطول لتقوية بدنه نهارًا.
3 ـ الفرق بين صيام المسلمين وأهل الكتاب:
إن من نعم الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن أكمل لهم الدين، وأتم لهم النعمة؛ فبين لهم كل شيء بتمامه وكماله، ومن ذلك التسحر؛ فعن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَصْل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر» [4]؛ فأهل الكتاب يأكل الواحد منهم ليلًا، ثم ينام، ولا يقوم سحرًا ليتسحر لصيامه؛ فحثنا نبينا على تلك السنة المستحبة مخالفة لهم في طريقة صيامهم.
4 ـ السَّحور من خصائص أمة محمد:
لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على السحور بألا يتركوه، كما في رواية عبدالله بن الحارث، “يحدث عن رجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر، فقال: «إنها بركة أعطاكم الله إياها، فلا تَدَعُوه» [5]، فهذا الحديث يبين أن من خصائص الأمة تلك السنة؛ فقد قال القاضي عياض: “هو مما اختصت به هذه الأمة في صومها”[6]؛ وذلك لأن النبي أكد ذلك بقوله: «أعطاكم الله إياها» ؛ أي: خصكم بها دون غيركم من الأمم؛ فهنيئًا لأمة خصها الله بخصائص لم تكن قبلها؛ فحريٌّ بأبناء أمتنا أن يحرصوا على سنة التسحر.
5 ـ وقت السحور فرصة لتكتب عند الله في المتقين:
الأسحار أنفاس المستغفرين؛ وقد مدح الله المتقين مبينًا منزلتهم في الجنة، وبعض أعمالهم التي تعبدوا بها لربهم في دنياهم؛ بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات: 15]، {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]، فبين أن من أسباب دخول الجنة أنهم كانوا يستغفرون في الأسحار؛ فوقت السحر فرصة لأن تستغفر فيه؛ فهو وقت غفران وقربة واستجابة، فلا تحرم نفسك من الاستغفار في هذا الوقت ولو دقيقة؛ لتدخل في زمرة الآية عملًا بها، خاصة ذكر سيد الاستغفار: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت…».
[1] يراجع كتاب (علو الهمة في صلاح الأمة د. سيد حسين العفاني): مبحث (علو الهمة في الأخذ بأسباب البركة)، والكتاب في 15 مجلدًا متاحة للتحميل مجانًا على الإنترنت، وفيها خير كثير للمبتدئين والخطباء والوعاظ، ووسيلة لتحضير دروس الرقائق والوعظ.
[2ـ صحيح البخاري: 3/ 29.
[3]حديث صحيح: سنن الدارقطني: 2/ 31.
[4] صحيح مسلم: (عبد الباقي): 2/ 770.
[5] حديث صحيح: سنن النسائي: (أبو غدة): 4/ 145.
[6] حاشية السندي على سنن النسائي: عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911هـ)، مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب، الطبعة الثانية، 1406 – 1986م، 4/ 145.
___________________________________________________
الكاتب: د. محمد حسانين إمام حسانين
Source link