ورجل قلبه معلق بالمساجد – طريق الإسلام

من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا أن نحافظ على الصلاة، فالصلاة معراج المؤمن، وهي الصلة بين العبد وربه، فهل حار من كان متصلاً بمولاه؟!

 

 

كتب/ حسام العيسوي إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا أن نحافظ على الصلاة، فالصلاة معراج المؤمن، وهي الصلة بين العبد وربه، فهل حار من كان متصلاً بمولاه؟! وهل ضل من اهتدى بمخاطبة ربه؟! وهل شقي من كان قصده الحق جل شأنه لا يسأل أحداً سواه؟!
من هنا خصنا الحق تبارك وتعالى بالظل في رحمته وفي ظله يوم القيامة بالمحافظة والتعلق بالصلاة، وجعلنا ثالث سبعة يظلهم الله عز وجل بظله يوم لا ظل إلا ظله: “رجل قلبه معلق بالمساجد”.
وهذه عمارة المساجد حقًا, كما قال تعالى:
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ } [التوبة: 18]، وقال عز من قائل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [النور: 36-38].
رجل تعلق قلبه بالمساجد, كلما نودي للصلاة فيها سارع إليها وإليه بشوقٍ وشديدِ رغبة؛ لينال القلب ارتياحه الذي لا يتهيأ بمتاع الدنيا وإن عظم, فسبيله في ذلك سبيل من كان يأمر بلالاً رضي الله عنه: “أرحنا بها يا بلال” صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وإذا قضيت الصلاة ظلّ القلب معلّقًا بالمسجد وإن خرج منه الجسد حتى يعود إليه مرة أخرى.
وما كان هذا التعلق أن يأتي من فراغ, ولكنه ثمرة التعلق بالله سبحانه وتعالى محبة وإنابة ورغبة ورهبة وخوفًا ورجاءً وإخلاصًا وتوكلاً وذلاً وتعبدًا، فالتعلق بالله عز وجل وحده هو الغاية العظمى والنجاة الحقة.
ومن تعلق بغير الله عز وجل شأنه كما قال تعالى:
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} الآية [العنكبوت: 41]. وكما قيل:
والمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

سيد البشر خير من تعلق قلبه بالمسجد

– جعل بيوته إلى جوار المسجد؛ وهذا شأن المحب مع المحبوب.
– كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا “رواه مسلم “.
– كان إذا رجع من سفر أو غزو بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين ثم ينقلب إلى بيته.
– وفي مرض موته وبين السكرات والإفاقة يسأل عن أحوال المسجد والمسلمين فيقال: هم ينتظرونك. ولما وجد في نفسه خفة خرج يهادى به بين الرجلين حتى أقيم إلى جنب أبي بكر في الصلاة.

الوسائل التي تعين على التعلق بالمساجد

1- المحافظة على الصلاة في وقتها:
قال تعالى ” { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوت} اً ” [النساء:103]والمعنى عند أهل اللغة: مفروض لوقت بعينه؛ يقال: وقته فهو موقوت. ووقته فهو مؤقت.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال: ” الصلاة على وقتها “، قلت: ثم أي؟ قال: ” ” بر الوالدين “. قلت: ثم أي؟ قال: ” الجهاد في سبيل الله ” قال: حدثني بهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته لزادني» . [رواه البخاري ومسلم]وإنما لم يستزده، أدباً معه صلى الله عليه وسلم، حتى لا يكثر عليه، ويشق عليه.

2- السعي إلى المساجد والمحافظة على الجماعات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صلاة الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ على صلاته في بيته وفي سُوقه خمساً وعشرين درجه؛ وذلك أنه توضأ فأحسن الوُضُوء، ثم خرج إلى الصلاة، لا يُخرجُه إلا الصلاة لم يَخْطُ خَطْوَة إلا رُفعت له بها درجهٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ” وفي رواية: ” اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يُؤْذِ فيه، ما لم يُحْدِثْ فيه” [رواه البخاري ومسلم]وعن جابر رضي الله عنه قال: خَلَتِ البقاع حول المسجد فأراد بنو سَلَمَة أن ينتقلوا قُرْبَ المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ” « بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ ” قالوا: نعم يا رسول الله ، فقد أردنا ذلك، فقال: ” يا بني سلَم، ديارَكُم تُكتَبُ آثارُكُم “. فقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا» . [رواه مسلم]وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ « إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدُهم إليها ممشى فأبعدُهُم، والذي ينتظر الصلاة حتى يُصَلّيَهَا مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام» ” [رواه البخاري ومسلم]وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه كانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرَّمضاء فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد. إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” «قد جمع الله لك ذلك كله» ” [رواه مسلم]

3- الإكثار من الجلوس في المسجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” « ما توطن رجلٌ المساجدَ للصلاة والذكر إلا تَبَشْبَشَ الله تعالى إليه كما يَتَبَشبَشُ أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم» . [رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين]والمراد بالتبشبش: فرح الصديق بمجيء صديقه. والمراد هنا: تلقيه بالبر والإكرام والتقريب.
وفي رواية لابن خزيمة قال: ” ما من رجل كان توَطّنَ المساجد فشَغَلَهُ أمرٌ أوْ عِلة ، ثم عاد إلى ما كان إلا يتبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبه إذا قدِمَ “
وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “
« المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لِمَنْ كان المسجد بيته بالرَّوْح والرَّحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة» ” [رواه الطبراني والبزار]

4- الحرص على تكبيرة الإحرام:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «“مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ”» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

5- التبكير في يوم الجمعة إلى المساجد:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» ” [متفق عليه].

السلف وعمارة المساجد

1- قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة.

2- كان زياد مولى ابن عباس- أحد العباد الصالحين- يلازم مسجد المدينة فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان!

3- قال سعيد بن المسيب: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.

4- قال ربيعة بن زيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً.

5- قال يحيى بن معين: لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة.

الجوار المبارك

في الحديث: “إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟”.

اللهم اجعلنا من عمار المساجد المحافظين على الصلاة فيها، وارزقنا اللهم الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وآله وصحبه أجمعين.

إعداد
حسام العيسوي إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء: اللهم اجعلني يوم القيامة فوق كثير من خلقك

منذ حوالي ساعة شرح دعاء”اللهم اغفر لي، اللهم اجعلني يوم القيامة فوق كثير من خلقك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *