منذ حوالي ساعة
مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ يتضاعف فيها العمل، ومِن أخَصِّ هذه الأزمنة شهر رمضان؛ لأنَّ فيه ليلةَ القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهر؛ أيْ: ما يزيد على ثلاثٍ وثمانين سنةً وأربعةِ أشهر.
مَنْزلتها:
مِن نِعَم الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة أنْ جعل لها مواسمَ يتضاعف فيها العمل، ومِن أخَصِّ هذه الأزمنة شهر رمضان؛ لأنَّ فيه ليلةَ القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهر؛ أيْ: ما يزيد على ثلاثٍ وثمانين سنةً وأربعةِ أشهر.
وصَفَها الله بأنها ليلةٌ مبارَكة، وشرَّفها على سائر اللَّيالي، وأخبر الرسولُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ قيامها سببٌ لِمَغفرة ذنوب العبد؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ (رواه البخاري 4/ 255 ومسلم 759)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3 – 4].
فوصف الله تعالى هذه الليلةَ بأنَّها مبارَكة؛ لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، ومن برَكتِها أنَّ هذا القرآن أُنزِل فيها، ووصَفها – سبحانه وتعالى – بأنَّه يُفرَق فيها كلُّ أمر حكيم؛ يعني: يُفْصَل من اللَّوح المحفوظ إلى الكتب ما هو كائنٌ من أمر الله – سبحانه وتعالى – في تلك السَّنة، فتُقدَّر في تلك الليلة مقاديرُ الخلائق على العام، فيُكتَب فيها الأحياء والأموات، والنَّاجون والهالكون، والسُّعداء والأشقياء، وغير ذلك من كلِّ أمر حكيمٍ من أوامر الله المُحْكَمة المتقنة.
وأنزل الله تعالى سورةً كاملة، سَمَّاها سورة القدر؛ حيث يقول تعالى عن هذه الليلة العظيمة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 – 5].
معنى القدر:
القَدْر بمعنى الشَّرف والتَّعظيم؛ وذلك لعِظَم قدر ليلة القدر، ويقدِّر الله فيها ما يكون في السَّنَة ويَقضيه من أموره الحكيمة، وقيل: لأنَّ المقادير تقدَّر، وتُكتب فيها.
وقال الخليل بن أحمد: إنما سُمِّيت ليلة القدر؛ لأنَّ الأرض تضيق بالملائكة؛ لكثرتهم فيها تلك الليلة؛ من “القَدْر”، وهو التَّضييق.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2]، قال ابن جرير: قال بعضُهم: معنى ذلك: العمل في ليلة القدر بما يُرضي الله، خيرٌ من العمل في غيرها ألف شهر.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]؛ يعني: في الفضل والشَّرَف، وكثرة الثواب والأجر؛ فلذلك من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه.
{تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ} [القدر: 4] عبادٌ من عباد الله، قائمون بعبادته ليلاً ونهارًا، يتَنَزَّلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير والبرَكة والرحمة.
{سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]؛ أيْ: إنَّ ليلة القدر ليلةُ سلامٍ للمؤمنين من كلِّ مَخُوف؛ لكثرة من يُعتَق فيها من النار، ويَسْلم من عذابها، وقال قتادة: هي خيرٌ كلُّها إلى مطلع الفجر؛ (تفسير الطبري 12/ 261).
فضائلها:
1) أنَّ الله تعالى أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشَر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
2) أنَّها خيرٌ من ألف شهر: عن أنس – رضي الله عنه – قال: دخل رمضان، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( {إنَّ هذا الشهر قد حضرَكم، وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر، مَن حُرِمَها فقد حُرِم الخير كلَّه، ولا يُحرَم خيرَها إلاَّ محرومٌ} ))؛ (حسن، رواه ابن ماجَهْ، وحسَّنه الألبانيُّ في “صحيح الترغيب” 1/ 418).
3) أنَّ الملائكة تَنْزل فيها: وهم لا يَنْزِلون إلاَّ بالخير والبَرَكة والرحمة.
4) أنَّها سلام؛ لكثرة السَّلام فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبدُ من طاعة الله – عزَّ وجلَّ.
5) أن الله تعالى أنزل في فضلها سورةً كاملة تُتلَى إلى يوم القيامة.
وقتها:
في العشر الأواخر من رمضان؛ لقول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»؛ (متفق عليه).
وهي في الأوتار أقرب من الشِّفَاع، وتكون آكَدَ في السبع الأواخر؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنه – أنَّ رجالاً من أصحاب النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أرى رؤياكم قد تواطأَتْ –يعني اتَّفَقت– في السَّبع الأواخر، فمن كان مُتحرِّيَها فلْيَتحرَّها في السبع الأواخر»؛ (متفق عليه).
وعن أُبَيِّ بن كعب – رضي الله عنه – قال: “والله إنِّي لأَعلم أيُّ ليلةٍ هي؛ هي الليلة التي أمَرَنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بقيامها، هي ليلةُ سبع وعشرون”؛ (رواه مسلم 762).
والراجح كما بيَّن ابنُ حجر (في الفتح 4/ 260) أنَّ ليلة القدر تنتقل كلَّ سنة في ليلةٍ من الوِتر في العشر الأواخر؛ وذلك لحديث النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «التَمِسوها في العشر الأواخر من رمضان؛ ليلة القدر في تاسعةٍ تَبْقَى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى»؛ (أخرجه البخاري).
السِّر في إخفائها:
أخفى الله سبحانه عِلْمَها على العباد؛ رحمةً بهم؛ لِيَكثر عملهم في طلبِها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذِّكر والدعاء، فيزدادوا قُربةً من الله وثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا؛ ليتبيَّن بذلك من كان جادًّا في طلبها، حريصًا عليها، ممن كان كسلانَ متهاونًا، ولا شكَّ أن هذا ينطبق في هذه الأيام على بعض المصلِّين؛ حيث يعتقد غالب الناس أنَّها ليلة السابع والعشرين، فتكتظّ المساجد بالمصلِّين بينما تكاد تخلو المساجد في بقية الأيام.
الدعاء فيها:
يستحبُّ الدعاء فيها والإكثار منه؛ فقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن عَلِمت أيُّ ليلةٍ القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعف عنِّي»؛ (رواه أحمد 6/ 171 والترمذي 9/ 495 وابن ماجه 3850، وهو صحيح).
علامات ليلة القدر:
وصَف النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ليلة القدر لِيَعرف المسلم هذه الليلة:
العلامة الأولى: ثبت في “صحيح مسلم” أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أخبر أنَّ مِن علاماتها: أن الشمس تطلع صبيحتَها لا شُعاع لها.
العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة 3/ 331، ورواه الطيالسيُّ في “مسنده” 1/ 201، وسنده صحيح أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: «ليلة القدر ليلةٌ طَلْقة، لا حارَّة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراءَ ضعيفة».
العلامة الثالثة: ثبت عند الطَّبراني 22/ 59 بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه – أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: «ليلة القدر ليلة بَلْجة –مضيئة– لا حارَّة ولا باردة، لا يُرمَى فيها بِنَجم».
فاحرص – أخي المسلم – على قيام العشر الأواخر؛ لعلَّك توافق ليلة القدر التي فيها التِّجارة الرابحة، وفيها تتنَزَّل الملائكة، وتُجاب فيها الدعوات.
__________________________________________________
الكاتب: أحمد عبدالرحمن
Source link