كيف ندرك ليلة القدر؟ – طريق الإسلام

سِرُّ تسمية ليلة القدر بهذا الاسم – فضائل ليلة القدر – كيف تُدرك ليلة القدر – هل ليلة القدر متنقلة – علامات ليلة القدر – دعاء ليلة القدر

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم رمضان شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرِم»  [1].

 

سِرُّ تسمية ليلة القدر بهذا الاسم:

1- قيل: لأنها ليلةٌ ذاتُ قدر، لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة.

 

2- وقيل: لأن العمل فيها له قدرٌ عظيم.

 

3- وقيل: لأن فيها نزل كتاب ذو قدر، بواسطة ملَك ذي قدر، على رسولٍ ذي قدر لأمَّةٍ ذاتِ قدر.

 

4- وقيل: لأن من يُحييها ويدركها يصير إنسانًا ذا قدْر.

 

5- وقيل: لأنه ينزل فيها من فضل الله وخزائن مننه وجوده وكرمه ما لا يُقدَّرُ قدرُه.

 

6- وقيل: من القدْر، وهو الضيق؛ ذلك لأن الأرض تضيق بالملائكة في ليلتها.

 

7- وقيل: لأن الله تعالى يُقَدِّر فيها الأرزاق والآجال وما هو كائنٌ في تلك السنة؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: يُكتب في أُمِّ الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال، حتى الحُجَّاج يقال: يحج فلان ويحج فلان[2].

 

فضائل ليلة القدر:

تأمل سورة القدر تعرف فضائل ليلة القدر:

قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}  [القدر: 1-5].

 

1- أنزل الله فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

 

2- عظَّم الله تعالى شأنها وذكرها قائلًا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}؛ أي: لا يعلم قدْرها إلا علام الغيوب جل وعلا.

 

3-  {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} فالسعيد من يسَّر الله له قيامها واجتهد في فعل الأعمال الصالحة فيها، وألف شهر: تعادل ثلاثًا وثمانين سنة تقريبًا، وهذا عمرٌ قَلّ من الناس من يبلغه، فكيف بمن يعبد الله تعالى فيه.

 

4-  {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} أي جبريل عليه السلام يتنزل في تلك الليلة مع الملائكة {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}؛ أي من كل أمر من الخير والبركة؛ قال ابن كثير رحمه الله: أي يَكثُر تنزُّلُ الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزُّل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له[3].

 

5-  {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} قال أبو المظفَّر السمعاني: وقوله {سلام هي}  فيه قولان:

أحدهما: أن المراد منه تسليم الملائكة على من يذكر الله تعالى في تلك الليلة.

 

والقول الثاني: {سَلَامٌ}؛ أي سلامة، والمعنى أنه لا يُعمل فيها داءٌ ولا سحرٌ ولا شيءٌ من عمل الشيطان والكهنة[4].

 

6- أن من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [5].

 

ومعنى إيمانًا واحتسابًا يعني مصدقًا بفرض صيامه، ومصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه، محتسبًا مريدًا بذلك وجه الله، بريئًا من الرياء والسمعة[6].

 

كيف تُدرك ليلة القدر؟

تُدرك ليلة القدر بإحياء العشر الأواخر من رمضان، بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه».

 

قال العلامة ابن باز عليه رحمة الله: وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن، وغير ذلك من وجوه الخير، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها[7]، وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شَدَّ مئزره وأحيا ليله وأيقَظ أهله[8].

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان السلف بعدهم يعظِّمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير، فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسُّوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيُحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنواع الذكر والعبادة إيمانًا واحتسابًا؛ حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب وحط الأوزار والعتق من النار فضلًا منه سبحانه وجودًا وكرمًا[9].

 

هل ليلة القدر متنقلة؟

دلَّت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الليلة متنقلة في العشر، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين، وهي أرجى الليالي، وقد تكون في ليلة تسع وعشرين، فمن قام ليالي العشر كلها إيمانًا واحتسابًا أدرك هذه الليلة بلا شك وفاز بما وعد الله أهلها؛ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَحَرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» [10].

 

وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [11].

 

فائدة مهمة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتُطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال صلى الله عليه وسلم: «لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، لخامسة تبقى، لثالثة تبقى»، فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسَّره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر، وإن كان الشهر تسعًا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي، وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جمعيها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم تَحَرَّوها في العشر الأواخر..[12].

 

علامات ليلة القدر:

لليلة القدر علامات تميزها عن غيرها:

 كثرة تنزُّل الملائكة فيها، وفي مقدِّمتهم جبريل عليه السلام؛ ليشهدوا المصلين في مساجدهم، حتى إن الملائكة تكون أكثر من عدد الحصى، وهذه العلامة لا تظهر للناس، ولكن يظهر آثارها من سكينة في نفس، وطمأنينة في قلب، وانشراح في صدر، ولذة عبادة لا توجد في غيرها.

 

2ـ السلامة تكثُر فيها بسبب ما يقوم به العباد من طاعة الله عز وجل:

فقلما تسمع في هذه الليلة بحوادث أو حرائق أو مصائب، أو نحو ذلك، وصدق ربي ومن أصدق من ربي قيلًا: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.

 

 الشمس تطلع صبيحتها بيضاء لا شعاع لها:

وسبب ذلك أن الملائكة يصعدون إلى السماء تَحجب أجنحتهم، أو أنوارهم أشعة الشمس، وذلك من كثرتهم [13]؛ ففي حديث ذِر بن حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «…. وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها» [14].

 

 أنها ليلة صافية لا حارة ولا باردة، وذلك بالنسبة لليالي التي قبلها والتي بعدها، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: «ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراءَ ضعيفة» [15].

 

5ـ لا يخرج الشيطان مع الشمس صبيحتها:

فالشمس تطلع بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «…. لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ» [16].

 

وعلى كلٍّ فإن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق فضلها على القيام فيها بالعبادة، ولم يعلقه على رؤية شيء فيها.

 

لماذا أُخفيت ليلة القدر؟

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحَى رجلان من المسلمين، فقال: «خرجت لأُّخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فَرُفعتْ وعسى أن يكون خيرًا لكم…» [17].

 

قال الحافظ ابن حجر: قوله: فعسى أن يكون خيرًا لكم، وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر، بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها[18].

 

وقال أيضًا: قال العلماء: الحكمة في إخفاء ليلة القدر؛ ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عُينت لها ليلةٌ لاقتُصر عليها[19].

 

فأخفى الله تعالى ليلة القدر حتى يجتهد الناس في طلبها، فيُكثروا من الصلاة والقيام والدعاء في ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها.

 

فحريٌّ بكل مؤمن صادق يخاف عذاب ربه ويرجو رحمته أن يقوم هذه الليالي ويجتهد فيها معتكفًا مصليًا ذاكرًا تاليًا داعيًا باكيًا تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فما هي إلا ليالي عشر، ثم ُيَنفضُّ شهر الخير والبركة، وما هي إلا ليالي معدودات ويرتحل الضيف العزيز، وهذه العشر هي ختام شهر رمضان والأعمال بالخواتيم، وعلى المسلم أن يحث أهله ويُنشطهم ويرغبهم في قيام هذه الليالي والاجتهاد فيها، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتاكم رمضان شهرُ بركةٍ، يغشاكم الله فيه، فيُنزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته، فأروا من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حُرِم فيه رحمة الله» [20].

 

دعاء ليلة القدر:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ أيَّ ليلةِ ليلةَ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفوٌّ كريم تُحب العفو فاعفُ عني» [21].

 

واعلَم أن هذا الدعاء الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من أجمع الدعاء وأنفعه، فهو جامعٌ لخيري الدنيا والآخرة، وذلك أن الله تعالى إذا عفا عن العباد في الدنيا رفع عنهم العقوبات، وتابَع عليهم النعم، وإذا عفا عنهم في الآخرة سلَّمهم من النار وأدخلهم الجنة.

 


[1] أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني.

[2] مختصر قيام الليل: الإمام لمروزي.

[3] تفسير ابن كثير.

[4] تفسير القرآن لأبي مظفر السمعاني، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي.

[5] متفق عليه.

[6] شرح صحيح البخاري لابن بطال.

[7] رواه مسلم.

[8] رواه البخاري.

[9] مجموع فتاوى ابن باز.

[10] متفق عليه.

[11] متفق عليه.

[12] فتاوى ابن تيمية.

[13] انظر شرح النووي على صحيح مسلم.

[14] رواه مسلم.

[15] رواه ابن خزيمة وصححه الألباني لشواهده.

[16] رواه أحمد ورجاله ثقات.

[17] رواه البخاري.

[18] فتح الباري.

[19] المصدر السابق.

[20] أخرجه الطبراني، ورواته ثقات.

[21] رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني.

_______________________________________________________

الكاتب: د. شريف فوزي سلطان


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *