الدعاء وأهميته في رمضان وغيره – عبد الرحمن الدوسري

للدعاء في رمضان خاصية عظيمة؛ حيث اجتمَع فيه فضيلتان، هما: فضْل الزمان، وحال الصيام، ولقد نبَّه القرآن الكريم إلى خاصيَّة الدعاء في الصيام…

أهمية الدعاء ومكانتُه:

للدعاء مكانة عظيمة تتمثَّل فيما يلي:

أ- الدعاء من أعظم العبادات وأجلِّها؛ فعن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصحَّحه ابن حبان[1].

 

ب- الدعاء محبوب لله – عز وجل – فهذا نبيُّه – صلى الله عليه وسلم – يقول: «ليس شيء أكرم على الله – عز وجل – من الدعاء»؛ (رواه أحمد) [2].

 

ت- في الدعاء إظهار لذلِّ العبوديَّة لله -تعالى- والافتقار إليه، ونفْي الكبرياء عن عبادته.

 

خاصية الدعاء في رمضان:

للدعاء في رمضان خاصية عظيمة؛ حيث اجتمَع فيه فضيلتان، هما: فضْل الزمان، وحال الصيام، ولقد نبَّه القرآن الكريم إلى خاصيَّة الدعاء في الصيام؛ حيث إن الله -تعالى- ذكَر استجابته لدعاء الداعين في أثناء آيات الصيام، فبدأ بفرضية الصيام وبعض ما يتعلَّق به، ثم قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، ثم عاد لذِكر بعض ما يتعلق بالصيام؛ قال العلماء – رحمهم الله تعالى -: وفي ذِكره -تعالى- هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العِدة، بل وعند كل فطرٍ، بل في حال الصيام كله[3]؛ اهـ.

 

وقد ثبَت من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يُفطِر، ودعوة المظلوم»؛ (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح)، وحسَّنه الترمذي وابن حجَر، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان[4]، فعلى الصائم أن يَحرِص على الدعاء أثناء صيامه، ويُكثِر منه؛ فإنه مجابٌ – بإذن الله تعالى.

 

آداب الدعاء:

من آداب الدعاء ما يلي:

أولاً: وجوب إخلاص الدعاء لله وحده لا شريك له، ومِن أعظم الشرك: دعاء غير الله -تعالى- والاستغاثة به.

 

ثانيًا: وجوب إطابة المطعَم، وذلك بكسب الحلال، وتجنُّب الكسب الحرام.

 

ثالثًا: مشروعيَّة استِحضار القلب حين الدعاء، وعدم الغَفلة فيه.

 

رابعًا: مشروعيَّة الإيقان بالإجابة أو رجائها حين الدعاء.

 

خامسًا: استحباب ابتداء الدعاء المُستقلِّ[5] بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وسلم.

 

سادسًا: مشروعيَّة دعاء الله – تعالى – بأسمائه الحُسنى المناسبة للدعاء المَطلوب؛ ففي الدعاء بالمغفرة والرحمة يُدعى باسمه الغفور والغفار والرحيم والرحمن، وعند الدعاء بطلب المال والولد يُدعى باسمه الكريم والمنان والوهاب، ونحو ذلك.

 

سابعًا: مشروعيَّة التوسُّل إلى الله -تعالى- بصفاته الحسنى؛ مثل: برحمتك أستغيث، بجودك أستجير، بكرمك ألوذ، أو بالأعمال الصالحة التي عَملها الإنسان مخلصًا لله -تعالى- فيها؛ مثل: أسألك بصلاتي لما وفَّقتني، أو ببِري بوالديَّ لما رحمتني.

 

ثامنًا: استحباب الطهارة أثناء الدعاء.

 

تاسعًا: استحباب استقبال القِبلة أثناء الدعاء.

 

عاشرًا: مشروعية الاستمرار على الدعاء وملازمته، وعدم الانقطاع عنه سآمةً من الدعاء ويأسًا من الإجابة.

 

حادي عشر: استِحباب اغتنام أوقات الإجابة وتحرِّيها، ومنها: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة عقِب الأذكار المشروعة، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المِنبر حتى تَنقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة، وليالي العشر الأخيرة من رمضان التي يُتحرَّى فيها ليلة القدر.

 

ثاني عشر: استحِباب اغتنام الأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء وتحريها، مثل: حال السجود، والصيام، والسفر.

 

ثالث عشر: استِحباب رفع اليدَين مكشوفتين، وبسطهما حيال الصدر أو الوجه، وجعل بطونهما إلى السماء، مع ضمِّهما معًا، أو التفريج اليسير بينهما، أما ما يفعله كثير من الناس من التفريج بين الكفَّين كثيرًا فلا أصلَ له، ولا قاله أحد مِن أهل العلم فيما علِمناه.

 

رابع عشر: استحِباب تَكرار الدعاء والإلحاح فيه، وهذا يشمل نوعين من التكرار:

الأول: تَكراره في الحال الواحدة من الدعاء، بأن يُكرِّره ثلاثًا إذا دعا، قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا”؛ (رواه مسلم) [6].

 

الثاني: تَكراره مرارًا في جميع أحوال العَبد وأوقاته، ومَن أكثر وألحَّ على الله -تعالى- فسرعان ما يُستَجاب له.

 

خامس عشر: تجنُّب موانع استجابة الدعاء؛ ومنها: التوسُّع في الحرام أكلاً وشربًا ولبسًا وتغذية[7]، ومنها: الاستِعجال وترك الدعاء[8].

 

سادس عشر: تجنُّب الدعاء المُحرَّم، وهو أنواع؛ منها:

الأول: الدعاء بالإثم؛ مثل: الدعاء بضلال فلان من الناس، أو الدعاء على شخص لم يَظلمك، أو دعاء الإنسان على نفسه أو ماله بالذهاب أو الخسارة.

 

الثاني: الدعاء بما فيه قطيعة رحم؛ مثل: الدعاء على الوالدَين فهو من العقوق وقطيعة الرحم، وخلاف ما أمر الله به من الدعاء لهما، أو الدعاء على الأولاد، أو الدعاء على الأقارِب من غير سبب.

 

سابع عشر: تجنُّب استِبطاء الإجابة.

 


[1] رواه أحمد 4: 271، 267، وأبو داود في كتاب الصلاة، تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء 2: 76 (1479)، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة 5: 211 (2969)، والنسائي في الكُبرى 6: 450 (11464)، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء 2: 1258 (3828)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصحَّحه ابن حبان 3: 172 (890)، وقال الحافظ (فتح الباري 1: 49): سنده جيد، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1329).

[2] رواه أحمد 2: 362، والبخاري في الأدب المفرد (712)، وابن ماجه (3829)، وصحَّحه الحاكم 1: 490، وحسَّنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (549).

[3] يُنظر تفسير ابن كثير، ونظم الدرر للبقاعي في تفسير الآية 186 من سورة البقرة.

[4] رواه الإمام أحمد في حديث طويل 2: 304، والترمذي في كتاب الدعوات، باب في العفو والعافية 5: 578 (3598)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب في الصائم لا تُرَدُّ دعوته 1: 557 (1752)، وعبد بن حميد 1: 415 (1420)، والبيهقي في السُّنن الكُبرى 3: 345، وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وصحَّحه ابن خزيمة 3: 199 (1901)، وابن حبان 8: 214 (3428) وابن الملقن (البدر المنير 5: 152)، وحسَّنه الترمذي وابن حجر (الفتوحات الربانيَّة 4: 338)، وقد تُكلِّم في جهالة أبي مُدلَّةَ الراوي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – ولكن قد صرَّح ابن حبان بتوثيقه في الصحيح (8: 215)، وتوثيقُه أيضًا موجود في سنن ابن ماجه؛ فقد قال في سياق إسناده: عن أبي مدلَّة وكان ثقةً؛ اهـ، وهذا كافٍ في توثيقه، والله أعلم.

[5] أما الدعاء العارض أو في أثناء العبادة؛ كالصلاة أو الطواف، فظاهر السنَّة عدم وضع مقدِّمات له كما في نصوص كثيرة.

[6] رواه مسلم في كتاب الجهاد والسيَر، باب ما لقي النبي – صلى الله عليه وسلم – من أذى المشركين والمنافقين 3: 418 (1794)، وأصله في صحيح البخاري في قصة سَلا الجزور في مواضع، منها: في أبواب سُترة المصلي، باب المرأة تطرَح عن المصلي شيئًا من الأذى 1: 194 (498)، وليس فيه موضِع الشاهد بلفظه، لكن فيه دَعا عليه ثلاثًا، قال: ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش)).

[7] هذا لفظ الإمام ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص: 107)، وهو أدقُّ من قول بعضهم: أكل الحرامِ من وجهَين: أن كلامه يشمَل أكل الحرام ولبس الحرام، وهذا أوفق للحديث: ((ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبَسه حرام، وغُذي بالحرام))؛ رواه مسلم 2: 703 (1015)، والثاني: أنه لا يشمل إلا من توسَّع في ذلك دون من حصل منه أحيانًا، وهذا أيضًا أوفق للحديث المذكور، والله أعلم.

[8] للتوسُّع في موانع الإجابة ينظر: شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة؛ للدكتور: سعيد بن علي بن وهف القحطاني.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

آثار التدين بالإسلام في حياة المسلم

إن من آثار التدين بدين الإسلام معرفة الإنسان للغاية من وجوده في هذه الحياة، وهي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *