منذ حوالي ساعة
قال: قال رسول الله – ﷺ -: «إنَّ للصائم عند فطره لدعوةً ما تُردُّ».
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا تُردُّ دعوتُهم: الإمام العادل، والصَّائم حين يُفْطِر، ودعوة المظلوم»[1].
الحديث دليل على أنَّه ينبغي للصَّائم أن يغتنمَ لحظات الإفطار، وأوقات الإجابة، فيدعو بما أحبَّ من الخير، فإنَّه له دعوةٌ مُستجابة. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ للصائم عند فطره لدعوةً ما تُردُّ»، قال ابن أبي مليكة: سمعت عبدالله بن عمرو يقول إذا أفطر: “اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعتْ كلَّ شيء أن تغفر لي”[2].
ومِمَّا يستحبّ أن يقول عند فطره – أيضًا – ما رواه عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول إذا أفطر: «ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثَبَت الأجر إن شاء الله»[3].
فعلى الصائم أن يَغتنم هذا الوقتَ، ويدعوَ بحضور قلبٍ وإيقان بالإجابة في وقت تُرجى فيه الإجابة؛ فإنَّه وقت ذلٍّ وانكِسار بين يَدَيِ الله تعالى مع كونه صائمًا، ويكرر الدعاء ثلاثًا، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن لله عتقاءَ في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة»[4] ، وعن أبي أُمامة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لله عند كل فطر عتقاء»[5].
فمَن دعا ربَّه بقلبٍ حاضر، ودعاء مشروع، وهو صائم، ولم يمنع من إجابة الدعاء مانعٌ؛ كأكل الحرام ونحوه – فهو حري بأن يُجاب؛ لأن الله تعالى قد وعده بالإجابة، خصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره، واجتناب نواهيه القولية والفعلية، والإيمان به الموجب للاستجابة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وعليه أن يلحَّ في الدعاء وطلب الغفران، فإنه في شهر فاضل، وموسم عظيم من مواسم العبادة.
وعلى الصائم أن يَحذر أن تكون لحظات الإفطار وقتًا للقيل والقال، أو الانشغال بأمور لا تفوت بتأخيرها، فإن هذه دقائق غالية؛ فلا ترخصوها بالغفلة.
ويشرع للصائم حالَ فطرِه أن يجيب المؤذِّن، فيقول مثل قوله عن كل جملة، إلا في (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فيتابع بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، وذلك لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَ ما يقول»[6]، وهذا عام في كل الأحوال، إلا ما دلَّ الدليل على استثنائه.
وينبغي للصائم أن يتفرغ آخرَ النهار لتلاوة القرآن والذكر والدعاء، ولا يخرج إلا لمهنته أو لما لا بُدَّ منه، فإنَّ هذا من الأوقات التي ينبغي للصائم اغتنامُها في الطاعة، وعدم إضاعتها هنا أو هناك في مَجالسَ لا تنفع، وعليه أن يتحرَّى ساعة الجمعة، وأحراها آخرُ ساعةٍ من النهار، ومن الناس مَن يخرج مِن منزله بعد العصر على عادته لا لحاجة، فيَدَع قراءةَ القرآن وذكْرَ الله تعالى، فيفوته خير كثير، وفضلٌ جزيل، وقد يؤذِّن المؤذن للإفطار وهو في الطريق إلى منزله، فيأتي ثائرَ النفس، قد أضاع وقت الدعاء، وفوَّت المبادرة بالإفطار.
وينبغي للصائم أن يرطِّب لسانه بذكر الله تعالى ودعائه طوال يوم صومه؛ فإن الصوم يجعله في حالةٍ تُقرِّبه من الله تعالى، وتجعله في مَظِنة الاستجابة لدعائه، فهذا مطلوب طوال النهار، فقد ورد إجابة دعاء الصائم بلا تقييد بوقت الإفطار، وذلك فيما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات مستجابة: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر»[7].
قال ابن خزيمة – رحمه الله -: “باب ذكر استجابة الله – عزَّ وجل – دعاءَ الصُّوَّام على فطرهم من صيامهم، جعلنا الله منهم”[8]، ثم ساق حديثَ أبي هريرة المتقدِّم بلفظ «الصائم حتى يفطر»، وهكذا ساقه ابن حبان[9]، والله أعلم.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا، وعملاً متقبلاً، ورزقًا طيبًا، اللهم أَجِبْ دعاءنا، وحقِّق رجاءنا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه الترمذي (10/ 56)، وابن ماجه (1752)، وقال الترمذي: حديث حسن، والحديث له شواهد يأتي بعضها.
[2] رواه ابن ماجه (1753)، والحاكم (1/ 422)، وابن السني رقم (481)، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح. ثم ذكر توجيه ذلك، انظر: “الزوائد” ص 254. وضعفه الألباني في “الإرواء” رقم (921)، والحق أن الحديث له ما يؤيده ويشهد له، انظر: “تنبيه القارئ” للشيخ عبدالله الدويش – رحمه الله – ص 78، 79.
[3] رواه أبو داود (6/ 482)، والبيهقي (4/ 239)، والحاكم (1/ 422)، وابن السني رقم (478)، والدارقطني (2/ 185)، وقال: إسناده حسن.
[4] رواه أحمد رقم (7443) وإسناده صحيح، وانظر كلام الشيخ أحمد شاكر عليه عند الرقم المذكور.
[5] أخرجه أحمد (10/ 9 “الفتح الرباني”)، قال المنذري: “رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني والبيهقي…”، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (1/ 491).
[6] أخرجه البخاري (1/ 90)، ومسلم 383.
[7] رواه العقيلي في “الضعفاء” (1/ 72)، وأبو مسلم الكجي في “جزئه”، ومن طريقه ابن ماسي في “جزء الأنصاري”، وسنده صحيح، كما ذكر الألباني في “الصحيحة” (4/ 407).
[8] “صحيح ابن خزيمة” (3/ 199).
[9] “صحيح ابن حبان” (8/ 215).
Source link