فحسن الظن بالله من أعظم أسباب القبول، إذا أيقن العبد أن ربه الذي وفقه لن يرده ولن يخذله، ولن يضيع أجر عمله.
ها هو رمضان قد قرب رحيله، وأزف تحويله، فنسأل الله الذي يسر لنا صيامه وقيامه أن يتقبله منا، وأن يجعله شاهداً لنا لا علينا.
إذا كان الله تعالى قد وفقنا لطاعته وعبادته في رمضان فما بقي علينا إلا أن نحسن الظن في الله بقبول ما أعاننا عليه ووفقنا إليه؛ فقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه أحمد.. يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء».
فحسن الظن بالله من أعظم أسباب القبول، إذا أيقن العبد أن ربه الذي وفقه لن يرده ولن يخذله، ولن يضيع أجر عمله.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: “والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده” “ (رواه ابن ابي الدنيا) “.
وما لنا لا نحسن الظن بالله وقد رأينا نفحات الخير في رمضان:
فقد يسر الله من الطاعة ما نعجز عنه في غير رمضان، والتوفيق للطاعة من البشارات بقبولها: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5ـ7].
ووفق سبحانه كثيرا من خلقه فتركوا ما ألفوه من المعاصي، والأخطاء، وما التوفيق للتوبة إلا بشارة بقبولها: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118].
قال الإمام الطبري: “هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه. وفي الحديث في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته وقد أضلها بأرض فلاة).
ويسر لنا من قراءة كتابه، ما لمن نكن نقدر عليه في غير رمضان. ومن لزوم المساجد بعد الصلوات، وكثرة الذكر والتسبيح كذلك {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17].
ووفق المسلمين لرفع أيديهم بالدعاء في الصيام، والأسحار؛ وما وفق الله عبدا للدعاء إلا وهو يريد أن يجيبه، وهو سبحانه القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].
وكل من عرف ربه وراقب فضله وكرمه واستشعر رحمته أحسن الظن به:
إن المــلوك إذا شابت عبـيدهم ** في رِقِهم عتقوهم عتق أبــــــــــــرارِ
وأنت يا خالقي أولى بذا كرمـاً ** قد شبت في الرق فاعتقني من النارِ
إن حسن الظن بالله من العبادات الجليلة التي ينبغي أن يملأ المؤمن بها قلبه في جميع أحواله ويستصحبها في كل حياته، وهو مطلوب في كل الأوقات، وعلى جميع الأحوال في هدايته، في رزقه، في صلاح ذريته، في قبول أعماله، وفي إجابة دعائه، وفي مغفرة ذنبه، وفي كل شيء.
مواطن لحسن الظن
وحسن الظن من أبواب العلم بالله جل جلاله، لكنه يتأكد في مواطن منها:
عند الموت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» (رواه مسلم).
قال إبراهيم النخعي: “كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن الظن بربه”.
وفي مواسم الخير وعند عمل الطاعات:
وقد قال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 56]. وفي الحديث القدسي: «من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا، تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة».
“جاء عبد الله بن المبارك إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه فقال له: من أسوأ هذا الجمع حالًا؟ فقال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
وعند التوبة:
قال تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
في الحديث القدسي: «يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك…» (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن).
وروى الإمام أحمد في مسنده من رواية أخشن السدوسي، قال: دخلت على أنس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله، لغفر لكم».
وعند الدعاء:
فقد قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» (رواه الترمذي).
قال عمر: “إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء فإن الإجابة معه”.
إن من سوء الظن بالله أن ترى هذه النفحات، وقد وفقك الله لها ثم تظن أن الله لا يغفر لك: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:154].
فأحسنوا وداع شهركم وضاعفوا الاجتهاد في هذه الليالي المتبقية فالأعمال بالخواتيم، وأكثروا من الصلاة، والذكر وتلاوة القرآن، والصدقات، وأملوا من الله الخير، فإنه خير مأمول وأكرم مسؤول.
Source link