رمضان بمثابة جرعة قوية الأثر في الإنسان، بحيث يدوم مفعولها طوال العام، إذا الإنسان التزم بالوصفة كما يجب، ولم يتوانَ في الاتِّساء بما كان عليه خلال الشهر، ولو في بعض الأوصاف.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ أما بعد:
المقصِد الأسنى والغاية الكبرى التي من أجلها شُرِعَ صيام رمضان هي تحقيق التقوى؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وهناك مقاصدُ شتَّى تبعية، وإذا كان معنى التقوى يؤول في نهايته إلى المداومة على الطاعة، والتزام الاستقامة، فيتحقق فيه قول الشارع الحكيم: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [الشورى: 15]، فإنه ينبغي للمسلم أن يتخلَّقَ بهذا الوصف طوال عامه، بل عمره كله؛ لأنه مطلوبٌ منه أن يحقِّق معنى العبودية لله اختيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطرارًا، والخالق سبحانه أمَرَ الخَلْقَ بالتزام الطاعة، واجتناب المعصية إلى أن يلقوه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، لا أن يكون هذا في شهر فإذا انسلخ، انسلخ معه من كل وصف للعبودية؛ كأن الإنسان عبدٌ للشهر، لا عبدٌ لربِّ الشهر والشهور جميعًا.
إن التقوى باعتبار محلها في القلب، وهو محل للإيمان، ينبغي ألَّا تُنزَع منه، وأن يخاف من وقوع هذا كما يخاف أن يُنزع الإيمان من قلبه؛ أي يخاف من الرجوع إلى المعصية وترك الطاعة، كما يخاف على نفسه أن يُقذَف في النار، فإذا أفَلَ رمضان، وتحقَّقت فيه هذه المعاني والأوصاف، جاز أن يُقال: قد فاز بأجر الصيام، والعتق من النيران، واستأهل الدخول من باب الرَّيَّان بإذن الله المنَّان.
رمضان مدرسة، ومن شأن المدرسة التربية والتعليم؛ لذلك فإن رمضان يُربِّي الإنسان على الصبر والتحمُّل والمداومة على الطاعة، والبعد عن الرَّفَثِ والفحش في الفِعال والأقوال، وكيف ينبغي للطاعة أن تُوصَل بالطاعة؛ من الحفاظ على الصلوات في أوقاتها، إلى التزام الأوراد القرآنية، إلى قيام الليل، والتضرع إلى الله بالدعاء في سائر الأوقات، خصوصًا عند الفِطْرِ وجوف الليل والسَّحَر.
رمضان يُعلِّم الإنسان كيف يتشبَّه بملائكة الرحمن في عبادتهم، فهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، فإذا اتَّصف بأوصافهم، أُلْحِقَ بهم، وإن لم يكن من جنسهم، فما قارب الشيء يعطى حكمه.
رمضان بمثابة جرعة قوية الأثر في الإنسان، بحيث يدوم مفعولها طوال العام، إذا الإنسان التزم بالوصفة كما يجب، ولم يتوانَ في الاتِّساء بما كان عليه خلال الشهر، ولو في بعض الأوصاف.
إن رمضان جاء ليُعلِّمنا أن الشيء الذي نسوِّفُ فِعْلَه، نستطيعه بلا حرج ولا مشقة، وكم همَّ الإنسان بالصوم خلال السنة ولم يَصُمْ! وكم أيام مرَّت باردة منه، ففاتته الست من شوال، والتسع من ذي الحجة، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، ويوما الاثنين والخميس!
كيف يسوِّغ الإنسان لنفسه أن يزعم أنه استفاد من رمضان، ولم يُصِبْ من الصيام شيئًا طوال السنة؟ وكيف يدَّعي أنه تُقُبِّل منه رمضان وقد تَرَكَ الصلوات الخمس تهاونًا وتكاسلًا وأمْنًا من الله ومكره؟
إن من علامات قبول الطاعة كما قال بعض السلف أن تُتْبَعَ بطاعة أخرى، وبمفهوم المخالفة: إن الذي يترك الطاعات بعد رمضان، خصوصًا الصلوات الخمس لهو دليل على عدم قبول صيامه، وتحقَّق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر والتعب».
رمضان ليس من أجل رمضان، رمضان من أجل بقية السنة.
إنها تذكرة، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلًا، وربك المستعان.
____________________________________________________________
الكاتب: عبدالإله أسوماني
Source link