والحد من هذه الثقافة لابد من تضافر الجهود بين الحكام والأفراد والمؤسسات، من خلال نشر الوعي بمخاطر الاستهلاك المفرط ودعم المنتجات المستدامة ونشر ثقافة الوعي
نشر ثقافة السوق وإثارة غريزة الاستهلاكي جزء من الحملة الصهيوغربية على الوعي الجمعي للأمة؛ لأنها تؤدي إلى الاستلاب الثقافي، والتغريب القيمي، والوهن النفسي، والأخير أخطرهم، فضلا عن الأضرار الاقتصادية؛ حيث تعمل ثقافة السوق على تحطيم الحدود الدولية ودغدغة المشاعر وتفتيت القيم الذاتية للمجتمعات من أجل تحقيق الربح، وعلى غرار ذلك قسم الفرنسي ألفريد سوفي العالم إلى مستويات: العالم الأول الرأسمالي (أمريكا وأوروبا وحلفاؤهما) وهي الدول المنتجة أصحاب المصانع، والعالم الثاني الاشتراكي، والذي يضم الاتحاد السوفيتي والصين وحلفاؤهما، والعالم الثالث المستهلك، والذي يضم الدول التي لم تعتنق أي المسارين بشكل واضح، كما أنها ليس لها تأثير سياسي أو اقتصادي، ودائما ما تأتي مفعولا بها. وقد استثاغت الدول الغربية هذا التصنيف وروجت له؛ لجذب الدول المستهلكة لها، كما يعبر ذلك عن كبريائها.
ولم يقتصر الترويج للرأسمالية وغزوها العالم الثالث على السياسيين والاقتصاديين فحسب، بل انضمت إليهم كتائب الفلاسفة والمفكرين الغرب، وعملوا على التنظير للرأسمالية ووضع الخطط التي تضمن تفوقهم، وتعمل على استدامة نهبهم للدول المستهلكة من خلال الغزو بكل صوره وأشكاله.
وبعد أن أيقنوا باستحالة استدامة الغزو العسكري عملوا على الغزو الفكري والاقتصادي، والأخير هو المعني هنا، حيث نشر ثقافة السوق والتشجيع على الاستهلاك، من خلال نظريات علمية تعتمد على إثارة الغرائز، على الوجه الذي يضمن تفوقهم الاقتصادي، وتحكمهم في السوق العالمي، بل والقرار السياسي العالمي أيضا؛ حيث تدمر سياستهم في نشر ثقافة السوق والاستهلاك اقتصاد الدول المستهلكة، وذلك من خلال معادلات بسيطة حيث استيراد المواد الخام بأسعار زهيدة، ثم تصنيعها وبيعها بأسعار مضاعفة، مع ترغيب شعوب العالم المستهلك في بضائع الدول المنتجة من خلال الأفلام والمسارح والصحافة وغيرها.
وفي ظل ثقافة السوق تقدر قيمة الإنسان بما يستهلكه، ويصير الشراء إدمان كالخمر، والسوق كمحراب العبادة تسكن فيه النفوس الثائرة، وتأخذ الماركات العالمية قيم عليا يضحى من أجلها، وانتظار الموضة كانتظار الهلال أول كل شهر..
واعتمدت سياسة نشر ثقافة السوق على آليات دعائية ضخمة وتقنيات حديثة، تقوم على نظريات علمية ذات أصول فلسفية؛ لتظل الدول الكبرى متحكمة في عقول الدول الأخرى، تنهب ثرواتها، وتتحكم في قيمها، وتجرها إليها جرا.
والنظرة الفلسفية الصهيوغربية للإنسان ترى أنه محور الكون ومن ثم يجب أن تهدف جميع أنشطته إلى المتعة بكل صورها، وتلعب على أوتار الغرائز، فتثير غريزة حب التملك، والتقليد، والجنس، والحاجة للمأكل والمشرب… ومع الإعلان عن سلعة واحدة قد تجدها مرتبطة بأكثر من غريزة.
وقد نجحوا في ربط مفهوم الغنى بالقدرة على الاستهلاك وليس مجرد امتلاك الأموال، وهو ما يدفع الفقراء ومتوسطي الدخل إلى تقليد ومحاكاة الأثرياء في الإنفاق والسعي إلى امتلاك الكماليات، ومحاولة تعويض الخواء الفكري والفقر النفسي بالماديات.
لأن ثقافة السوق فيها الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت، فيظهر البيع والشراء ويختفي العمل والانتاج، وتعلى فيه الاستمتاع ويعطل فيه الجهاد، ترسخ للأثرة والأنانية على حساب الإيثار والتعاون، تعمل على تدمير الأرض على حساب إصلاحها، ترفع من قدر اللكع من الممثلين واللاعبين على حساب العلماء والمصلحين..
والحد من هذه الثقافة لابد من تضافر الجهود بين الحكام والأفراد والمؤسسات، من خلال نشر الوعي بمخاطر الاستهلاك المفرط ودعم المنتجات المستدامة ونشر ثقافة الوعي، بالإضافة إلى سن القوانين التي تقوض سلبياتها ودعم مجتمع أكثر مسؤولية واستدامة.
#الغنيمي
#رؤية_للنهوض_الحضاري
Source link