إن ما حض وحث عليه شرع الله الإسلام، النظافة، بل إنها علامة الإسلام ومعناه ومدلوله، وليس هناك من دين أو قانون أو نظام حث أهله على النظافة كدين السلام الطاهر الطهور التطهير المتخير المرتضى للأمة جمعاء.
عباد الله: إن مما يحث عليه شرع الله في كتابه وسنة رسوله امتثال الأوامر واجتناب النواهي. وإن ما حض وحث عليه شرع الله الإسلام، النظافة، بل إنها علامة الإسلام ومعناه ومدلوله، وليس هناك من دين أو قانون أو نظام حث أهله على النظافة كدين السلام الطاهر الطهور التطهير المتخير المرتضى للأمة جمعاء.
وإن العلامات الدالة على نظافة هذا الدين وأمره بالنظافة حسا ومعنى تشريعاته الحكيمة ومثله الرشيدة، وأحكمه العادلة. وأول علامة من علامات النظافة التي يدعو الشرع الحنيف إلى امتثالها وتطبيقاتها مشروعية الصلاة، فانظر أخي المسلم على الكيفية التي يدعوك إليها هذا الدين لإقامة الصلاة؛ فإن أول ما يفرض لإقامتها الوضوء خمس مرات على عدد خمسة أوقات ما لم تحدت ما يوجب الوضوء لا وضوء، وإنما تطهر بالماء على الأطراف، ماذا قمت لأداء كل صلاة مفروضة أو نافلة فلتتبين حالك وتتعهدها بنظافة الباطن، أي خلو النفس والقلب والروح من درن الدنيا والتفكير فيها، وتلك العلامة من أسمى علامات النظافة، لأنها دليل النظافة في الظاهر.
ومن علامات النظافة مع فريضة الصلاة أن لا يقربها المصلى جنبا، وأن يخلي بينه وبين كل ما يبعث على تقزز وكراهة من طعام أو شراب كأكل البصل وما في عداده من البقول. كالثوم والكراث وما أشبههما.
وهذا كله في مجال النظافة مع ما لله من الحقوق المفروضة في جانب المحسوسات. وإذا أنت أخي المسلم فتشت عق مفهوم النظافة مع الله في جانب المعنويات ألغيت أمرا عجبا لا يتسم به سوى الإسلام. فانظر مثلا إلى فريضة الصيام كيف طلب الإسلام من المسلم في صيامه أن يكون نظيفا في مظهره ومخبره، حيث حرم على الصائم الشتم والسباب وخلق النميمة، وفي ذلك نظافة معنوية ترقى بالمسلم درجات عليا في معاده ومعاشه، ومعلم أن هذه الخلال محرمة في الصيام وفي غير الصيام.
وأنظر حين فرض الزكاة شرع لها السرية في الإنفاق لتتطهر من الرياء والسمعة، وأباح لإخراجها العلن شحذا لعزائم الأغنياء على الإنفاق.
وأنظر حيث شرع الحج جعل من تمامه تجنب الرفث والفسوق والظلم والعصيان، وهذه القيم كلها ميزان لمعنى النظافة التي حث الشرع الحكيم عليها. وشرع السواك في الصلاة وفي غير الصلاة، وأمر بالمبالغة في المضمضة والاستنشاق للماء من الخيشوم لغير صائم، وختم هذه المعاني السامية والقيم الرفيعة لمفهوم النظافة، ختمها بأن جعل خمسا من الفطرة: نتف شعر الإبط، وحلق العانة، والختان، وقص الشارب، وتقليم الأظفار.
منهج إسلامي واسع كبير شامل قرره الإسلام على يد محمد – صلى الله عليه وسلم- منذ أربعة عشر قرنا من الزمان وزيادة. قرره وأقره وأمضاه وطبقه في حياة الناس قبل هذه الدراسات المعاصرة التي كتبها بعض المفكرين وعلماء التربية والاجتماع من غير المسلمين. دراسات ألفوها في معنى النظافة وأسسها ظنا منهم أنها من بنات أفكارهم، وجهلوا أن محمدا – صلى الله عليه وسلم- بشرع الله، الإسلام قد سبقهم إليها، لأنه جاء لهذا الوجود ولإنسان هذا الوجود بكتاب سماوي قال فيه منزله سبحانه {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
منهج إسلامي في النظافة أقره وقرره الإسلام صيانة لحياة المسلمين والإنسانية جمعاء. وهذا في جانب ما يتعلق بالجسد، ولو أردنا أن نستقصي مفهوم النظافة وفق ما حدده وبينه الشرع الإسلامي لما أتينا على شيء منه في خطبة أو خطبتين أو أكثر.
وسأحمل لكم أيها المؤمنون موضوعات النظافة في الإسلام فيما يتعلق بالإنسان نفسه حفاظا على صحته ومظهره ومخبره، ثم أعود إلى معنى النظافة ومفهومها في البيئة من حوالي هذا الإنسان الآدمي الضعيف، وأنه إن لم يأخذ بها كانت بيئته من حواليه مصدر شر ووباء وداء لا يسلم من هفا المرض حتى يسلمه إلى مرض آخر بسبب الإهمال في نظافة البيئة.
أما موضوعات النظافة في الإسلام فيما يتعلق بصحة الإنسان وجسده فقد راعى الإسلام ما يلي:
1- جعل خمسا من الفطرة: نتف الإبط، والاستحداد، والختان، وقص الشارب، وتقليم الأظفار- كما أسلفنا.
وسن الاكتحال في العينين وترا، أي وضع الكحل في العينين ثلاث مرات أو خمس مرات أو مرة واحدة كل ثلاثة أيام أو خمس أو سبع إلى ما شاء الله من عدد الأيام الفردية. ولا عيب في الاكتحال أيها الإخوة المسلمون، لأنه من سنة محمد – صلى الله عليه وسلم- وهو نظافة للعينين وجلاء لهما وقوة في الإبصار.
شرع الوضوء لكل صلاة ما لم يكن المسلم على طهارة وضوء الصلاة سابقة، وحض على المبالغة في المضمضة والاستنشاق والاستنثار لغير صائم، وأوجب الغسل من الجنابة، وشرعه لصلاة الجمعة والعيدين والدخول في الإسلام، حث على استعمال السواك- عرضا- وقد أثبتت الدراسات الحديثة التي تعنى بعلاج الأسنان والفم أن السواك أجود في التنظيف وأقوى للأسنان من الفرش والمعجون، وذلك أن المادة المطهرة التي يحتوي عليها عود الأراك أصلية قيه ليست مصطنعة مستحدثة من مواد أخرى تكون عرضة للنتن والتعفن لو تركت دون استخدام، ولأن الذي أمر بالسواك هو المعلم الأول طبيب الإنسانية كلها من درن الأمراض الحسية والمعنوية رسول الهدى صلوات الله عليه، وحث الإسلام على نظافة الثياب والانتعال، فحين سأله أحد أصحابه: إن الرجل يجب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. قد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال».
أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ونظم الإسلام نظافة الحائض والنفساء، ونظم استعمال الحمام لقضاء الحاجة، فشرع الاستنجاء بالماء لا بالمناديل والزق كما يفعله المتفرنجون اليوم، وشرع الاستجمار يما هو طاهر من أحجار وأخشاب ونحوهما لا بعظم ولا برجين دابة، «يا رويفع أخبر الناس أن من استنجأ بعظم أو بوجيع دابة فإن محمدا بريء منه». (حديث شريف).
أمر الإسلام بتطهير الإناء إذا ولغ الكلب فيه سبع مرات بالماء، كما جاء في حديث أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات». فأين هذه النظرة الإسلامية في النظافة من نظرة المجتمعات الغربية والأوروبية مربية الكلاب هؤلاء الذين يمعنون عن جهل وعن علم بتقريب هذا الحيوان النجس وتربيته في منازلهم والاضطجاع معه ومؤاكلته والتبرك به. إن هذا والله جنون الجهل إن كان في الجهل جنون.
عباد الله: أنتم الأعلون في كل شيء، أنتم حزب الله المفلحون إذا تمسكتم بدينكم وطبقتم تعاليمه في النظافة وفي كل شيء.
أما نظرة الإسلام إلى النظافة في البيئة من حوالي مجتمعات المسلمين وأفرادهم وأسرهم، فهذا موضوع الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى.
عباد الله: إن من زيادة إيمان المسلم وكمال خلقه أن يكون نظيفا في مظهره ومخبره، ولا شك أن نظافة المظهر من أدلة نظافة المخبر الباطن، ونظافة الباطن من الحقد والضغينة والانتقام والتشفي وخلق النميمة والغش والكبر، والتزام الطريق السوي في العمل والتطبيق كل ذلك مما يحبه الله ويرضاه «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم التي في صدوركم ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء».
عباد الله: ادعو الله مخبتين ضارعين مرددين اللهم بعزتك أعز الإسلام والمسلمين، أذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الإسلام والمسلمين من يهود ونصارى وشيوعيين وأعوانهم. اللهم أحبط كيدهم وأعمالهم واردد حقدهم غصة في نحورهم، واجعل تدبيرهم في تدميرهم…
__________________________________________________
الكاتب: د. محمد بن سعد الدبل
Source link