إن الفاحشة جريمة عظيمة يستحق صاحبها أقسى العقوبة لأنها من أكبر الأسباب الموجبة للفساد وانحطاط الآداب ومن أعظم البواعث التي تبعث الرذيلة والفجور وضياع الأنساب وتفسد النظام الاجتماعي والأخلاقي.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] ويقول سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
إن الفاحشة جريمة عظيمة يستحق صاحبها أقسى العقوبة لأنها من أكبر الأسباب الموجبة للفساد وانحطاط الآداب ومن أعظم البواعث التي تبعث الرذيلة والفجور وضياع الأنساب وتفسد النظام الاجتماعي والأخلاقي.
لقد وقف الإسلام موقفاً حازماً حاسماً صريحاً صارماً تجاه الفاحشة لتبقى الأعراض مصونة والشرف موفور ويبقى العهر منبوذاً والفساد مذموماً وليكون البون شاسعاً بين السفاح والنكاح يقول الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] وقرن حال الزاني بحال المشرك فقال {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3].
إننا نعيش في زمن كثر فيه الفساد وتهيأت فيه أسباب الفواحش وهذا يوجب علينا بذل الجهد في تذكير أنفسنا ومن تحت أيدينا بالبعد كل البعد عن مواطن الفساد ومستنقعات الفاحشة وعدم الاقتراب منها يقول الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151].
إن من أسباب الوقوع في الفاحشة في هذا الزمن التساهل في قضية الاختلاط بين الجنسين وإذابة الحواجز بين الذكر والأنثى كما هو مشاهد في كثير من الملاهي ومقرات العمل وفي بعض الجامعات مما يفسح المجال للنفوس الأمارة بالسوء بخطرات النفوس وأمراض القلوب وتسلل الشيطان.
ومن أسباب الوقوع في الفاحشة سوء التعامل مع وسائل الإعلام والاتصالات والتقنية فبدلاً من أن تكون هذه الوسائل وسائل ينتفع بها المرء في أمر الدين والدنيا صارت عند بعض الناس من الذكور والإناث وسائل للتواصل المذموم والتعارف المبني على الحب والعشق والغرام وتبادل المواد المحرمة مسموعة كانت أو مرئية.
ومن الأسباب وضع العقبات والعراقيل أمام الزواج فإذا قلّ الزواج في المجتمع كثرت العنوسة وإذا كثرت العنوسة كثر الفساد وانتشرت الفواحش.
ومن أسبابها ضعف الرعاية وإهمال التربية وفسح المجال للشباب والشابات بلبس ما شاءوا والخروج متى شاءوا والرجوع متى شاءوا دون سؤال أو متابعة أو تعهد.
وهناك سبب مهم جداً من الأسباب الداعية للوقوع في الفاحشة ألا وهو سماع الغناء والعكوف على مشاهدة المسلسلات والأفلام والصور الخليعة التي تبثها وتنشرها وسائل الإعلام فهذه المشاهد والصور والحلقات المسلسلة تروض النفس على الفحش وتنزع عنها ماء الحياء.
لقد ذكر الله جل جلاله عقوبة أهل الفاحشة وما حلّ بهم من البلاء في عشر سور من القرآن وجمع عليهم من العذاب ما لم يجمعه على قوم قبلهم فقد عاقبهم الله بخسف الديار والقذف بالأحجار وعمى الأبصار ودخول النار يقول الله سبحانه وتعالى {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82، 83] ويقول {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 33 – 39].
إن هذه الفاحشة النكراء والجريمة العظمى تسلب الرجولة سلبا وتخلع المروءة والحياء وتملأ النفس خزياً وذلاً والقلب هماً وغماً وتجمع خصال الشر كلها فتوجب اللعن والمقت وتسقط العبد من عين الله وأعين عباده وتلحق الإنسان بالبهائم بل البهائم أفضل منه وتنزع عنه الثقة فلا يُمكن أن يوثق به أن يخلو ولو ببهيمة يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط» رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني وقال الحاكم صحيح الإسناد ويقول صلى الله عليه وسلم «ملعون من عمل بعمل قوم لوط».
عباد الله:
إن المعاصي يجر بعضها بعضاً ويقود صغارها إلى كبارها فيجب علينا أن نحذر أبنائنا من خطر اللعب بالعواطف وأن ننهاهم عن استعمال الكلمات السوقية والألفاظ اللوطية التي يتداولها بعضهم للأسف الشديد في الشوارع والطرقات وينادي بعضهم على زملائه بها بلا مروءة ولا حياء حتى أصبح الجنس حديث مجالس بعضهم والمعاكسات والتسكع في الأسواق والتلصص على الحرمات ومدارس البنات شغلهم الشاغل (أفلام وروايات، وغناء ومجلات، وإعجاب ومعاكسات، ولواط واستمناء، وإجهاض وزنا وتشبه بالنساء) وغيرها من التصرفات الشاذة والسلوكيات الغريبة التي نراها في الآونة الأخيرة هنا وهناك.
أما النساء فحدث ولاحرج عن العباءات الضيقة والنقاب القصيرة والروائح الفواحة ومزاحمة الرجال في الأسواق والطرقات والباصات وخروج بعضهن بكامل زينتها وحليها وقد وضعت على وجنتيها أنواع المساحيق والمبيضات ولم يقف العبث والجنون عند هذا الحد بل تعداه إلى تغيير الصفات الخَلْقية بالنمص والوصل والوشم والتقشير وغيرها من الصيحات والتقليعات التي جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بلعن وطرد فاعلتها.
إن شيوع الفواحش في المجتمع وانتشارها وسهولة الوصول إليها يؤدي بالمجتمع إلى التفكك والتدمير وقد كان فيمن كان قبلنا أمة من الأمم ابتليت بهذا الداء الخطير حتى أصبح الفحش يمارس في مجتمعاتهم وأنديتهم واشتهر بينهم فلم ينجوا منهم ضيف أو غريب أو عابر سبيل فأرسل الله إليهم نبيه لوطاً عليه السلام يدعوهم إلى الطهر والعفاف والفضيلة ويحذرهم من العهر والفساد والرذيلة فصموا آذانهم وسخروا منه ولجوا في طغيانهم يعمهون وقالوا {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] وبلغ بهم الشذوذ أن قالوا لنبيهم عليه السلام {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: 29] فأرسل الله إليهم ملائكته لإنزال العذاب بهم فجاءوا إلى نبي الله لوطٍ عليه السلام في صورة ضيوف من البشر فجاء أهل المدينة يستبشرون يريدون الفاحشة منهم، فقال لهم نبيهم {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78] يريد بذلك نساء القرية عبر الزواج الحلال فقالوا: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 79، 80] فقال الملائكة الكرام للوط عليه السلام {يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81] – لأنها كانت كافرة وهي من أخبرتهم بضيوفه: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 81، 83].
هذه هي العاقبة الوخيمة والنهاية الأليمة لكل مجتمع فشت فيه هذه الظاهرة السيئة. هكذا تذهب اللذات وتبقى الحسرات وتفنى الشهوة وتبقى الحسرة:
تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الخزيُ والعارُ
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها *** لا خير في لذةٍ من بعدها النـــارُ
يقول الله سبحانه وتعالى {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268].
لقد قطع الإسلام وسائل الإثارة وسد أبواب الفاحشة فأمر بغض البصر ومنع الخلوة بالمرأة الأجنبية ونهى عن التبرج، وفرض الحجاب الساتر للنساء وأمرهن بالقرار في البيت، ولم يُجز مصافحة المرأة الأجنبية ومنع سفر المرأة إلا بمحرم، ونهى عن السفر إلى بلاد الكفار إلا لضرورة قصوى وحاجة ضرورية وحرم الاختلاط والمجون والغناء الفاحش والنظر المريب وكل ما من شأنه أن يثير الغرائز ويؤجج الشهوة حتى لا تتسرب عوامل الانحلال والفساد إلى المجتمع.
هل غاب دور الأب فأصبح بعض الآباء ليس لهم من الأبوة إلا الاسم فأصبح أولادهم أيتام وهم أحياء.
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** هم الحياة وخلَّفاه ذليـلا
إن اليتيم هو الذي تلقى لــــــــه *** أمًّا تخلت أو أباً مشغولا
كيف يأذن العاقل لأهله بالخروج بألبسة فاتنة أو يترك نسائه يخرجن إلى الأسواق وحدهن أو يرى أولاده وبناته أمام الفضائيات الساقطة والأفلام الهابطة بدون توجيه ونصح.
عجباً لهؤلاء أليس لهم دين يرجعون إليه؟! فإن غاب الدين أليس لهم عقول ليسألوها عن هذه التصرفات؟! فإن غاب العقل فأين الشخصية المستقلة التي يفخرون بها؟!.
إن على الشباب أن يجتهدوا في تحصيل أسباب الزواج فإن لم يستطيعوا فليشغلوا أنفسهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة وأن يجتنبوا أماكن الفتن كالأسواق والمتنزهات ورفقاء السوء.
وعلى النساء أن يعلمن أن البنت إذا أبدت زينتها وأظهرت مفاتنها قل حياؤها وغاض ماء وجهها وسقطت من أعين الناس وصارت هذه التصرفات دليل على جهلها وضعف إيمانها ونقص شخصيتها ونفور الناس عنها وانحدارها إلى أودية سحيقة مهلكة يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما كان الفحش في شيء إلا شانه وما كان الحياء في شيء إلا زانه».
————————————————————————
المصادر:
1- موقع الشيخ ناصر الأحمد.
2- موقع الشيخ إبراهيم الدويش.
3- موقع المكلا الآن.
___________________________________________________________________
الكاتب: د. مراد باخريصة
Source link