منذ حوالي ساعة
فالأيام ليست سواء، وكذا الليالي ليست سواء، وليست المواضع والبلاد سواء، فبعضهم أشرف من بعض، وبعضهم أخير من بعضهم، وبعضهم أعلى فضيلة من بعض…
من دروس يوم عرفة وحجة الوداع:
———————————————
أيها الإخوة الكرام:
جرت سنة الله تعالى في خلقه ألا يضع الخلق جميعا ً في كفة واحدة، فكما أن من الخلق الأبيض منهم الأسود، وكما أن منهم السهل فمنهم الحزْن، وكما أن منهم الخبيث منهم الطيب.. التفاوت واختلاف المراتب والمنازل والدرجات بين الخلائق سنة من سنن الله عز وجل في خلقه..
فالأيام ليست سواء، وكذا الليالي ليست سواء، وليست المواضع والبلاد سواء، فبعضهم أشرف من بعض، وبعضهم أخير من بعضهم، وبعضهم أعلى فضيلة من بعض…
فخير البشر وسيد ولد آدم أجمعين، وإمام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم..
وخير الملائكة الرسول الكريم القوي المكين المطاع الأمين سيدنا جبريل عليه السلام..
وخير البقاع مكة، وخير بيوت الله الكعبة، وخير الشهور رمضان، وخير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وخير الليالي العشر الأواخر من رمضان لأن فيهن ليلة القدر، ولعلي أقسم بالله العلي العظيم غير حانث أن خير أيام الدنيا عشر ذي الحجة وأن خير ما في هذه الأيام يوم عرفة..
وإذا اتفقنا أن لكل مقام مقال ولكل وقت أذان ولكل حادث حديث ولأن غداً السبت يوم عرفة فحديثنا اليوم عن يوم عرفة…
يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة لن نبالغ إن قلنا إن يوم عرفة هو يوم الرحمة لأنه كذلك، لن نبالغ إن قلنا إن يوم عرفة هو يوم المغفرة ويوم العتق من النار لأنه كذلك..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» )
اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم فيه النعمة على المسلمين ورضي لنا فيه الإسلام ديناً هو يوم عرفة..
ورد في الصحيحين أن رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ جَاءَ إلى عُمَرَ رضي الله عنه فَقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا نَزَلَتْ، مَعْشَرَ اليَهُودِ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا، قالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قالَ: { {الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا}} ، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي لأَعْلَمُ اليومَ الذي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكانَ الذي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بعَرَفَاتٍ في يَومِ جُمُعَةٍ.
أيها الإخوة الكرام:
المؤمنون بالله واليوم الآخر يوم عرفة في محل نظر الله تعالى، ينظر الله تعالى إليهم بعين المحبة والرحمة، وتنظر إليهم الملائكة بعين الغبطة والرضا ..
في يوم عرفة يتنزل الرحمن سبحانه وتعالى من علياءه إلى سماء الدنيا عشية عرفة.. يتنزل نهاراً في سابقة لا تكون في يوم من أيام الدنيا إلا يوم عرفة، يتنزل الرحمن سبحانه وتعالى تنزلاً يليق بجلاله وكماله فيتباهى أمام الملائكة بكثرة عباده المؤمنين المنيبين الأوابين السائلين الذاكرين..
قال النبي عليه الصلاة والسلام( «مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ» ) وفي رواية: (( «إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ» )
ما جمع الله أهل عرفة من أصقاع الأرض ومن كل فج عميق، وما ساقهم الله تعالى هذا المساق من اليمن ومن مصر ومن الجزائر ومن أطراف الأرض عرباً وعجماً.. ما ساقهم الله تعالى هذا المساق إلا ليرحمهم بواسع رحمته..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ««إنَّ اللهَ تعالَى يُباهي بأهلِ عرفاتٍ ملائكةَ السَّماءِ ، يقولُ : انظروا إلى عبادي ، أتَوْني شُعثًا غُبرًا من كلِّ فجٍّ عميقٍ ، أُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم»»
يأتون فيسألون الله عز وجل عفوه ويرجون غفرانه فيعفو الكريم سبحانه وتعالى ويغفر ويتجاوز عن الذنوب العظام إنعاماً وإحساناً…
ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم قوله «ما رُؤيَ الشيطانُ يومًا هو فيه أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ منه يومَ عرفةَ وما ذاك إلَّا لما يرَى من تنزُّلِ الرحمةِ وتجاوُزِ اللهِ عن الذنوبِ العظامِ ، قال صلى الله عليه وسلم:-
إلَّا ما كان من يومِ بدرٍ فقيل : وما رأَى يومَ بدرٍ ؟ قال : أما إنَّه قد رأَى جبريلَ عليه السلامُ وهو يَزَعُ الملائكةَ»
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكتب لنا الحج والعمرة وأن يرزقنا من واسع فضله إنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن خير أيام الدنيا وخير ما فيها .. يوم عرفة، بقى لنا في ختام الحديث عنه أن نقول:
إن من السنة ترك صيام يوم عرفة على عرفة..
فأهل الموقف على عرفات من السنة أنهم لا يصومون هذا اليوم لرفع الحرج عنهم ولدفع المشقة ولأن في فِطرهم تقوية على الوقوف والذكر والدعاء..
قالت أم الفضل رضي الله عنها: « شك الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلتُ إليه بلبنٍ، فشربَ وهو يخطبُ الناسَ بعرفة».
أما نحن في بلادنا وفي بيوتنا بين أزواجنا وأولادنا فالسنة في حقنا صيام يوم عرفة..
ذلك أنّا ما علمنا يوماً نصومه تطوعاً أعظم أجراً من يوم عرفة..
فيوم عرفة بين أيام التطوع هو الأميز وهو الأبرز وهو الأوفر أجراً، خصه الله بذلك، والله يفعل ولا يسئل عما يفعل..
سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن ثواب صيام يوم عرفة فقال:( «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» )
وإذا كان للصائم في يوم عرفة من عمل صالح بعد صيامه فأحسب أنه الذكر والدعاء قال النبي عليه الصلاة والسلام “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”
أحياناً يأتينا يوم عرفة يوم جمعة وفي العموم يكره صيام يوم الجمعة منفرداً..
وفي هذا العام جاءنا يوم عرفة يوم السبت وفي العموم يكره صيام يوم السبت منفرداً..
لكن إذا كان لصيام يوم الجمعة منفرداً، أوكان لصيام يوم السبت منفرداً سبب كأن كان ( يوم عرفة أو يوم عاشوراء) فلا كراهة في صيام الجمعة منفرداً أو صيام السبت منفرداً..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا في واسع فضله وأن يرزقنا الحج والعمرة إنه ولي ذلك والقادر عليه… آمين.
Source link