الهاتف الذكي.. المجرم الخفي – طريق الإسلام

لقد تحوَّلت نعمة التواصل بين الناس إلى نقمة، وانقلبت إلى فتنة، وتحولت إلى داء عُضال، بل هو مجرم خفيٌّ قتَّال، فاللهم سلِّم.

الحمد والثناء…

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه في السر والعلن؛ فإن أعمالكم مُحصاة عليكم، وإنكم تُسألَون يوم القيامة عما قُلْتُم وما عمِلتُم: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65].

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة ما يتبين فيها، يَزِلُّ بها إلى النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب»؛ (متفق عليه).

 

عباد الله: لطالما كان العلماء والوعَّاظ يحذرون من فلتات اللسان وآفاته، وما زالوا؛ وذلك لعظيم خطره، وقوة شره؛ قال صلى الله عليه وسلم: «… وهل يكُبُّ الناسَ على وجوههم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم» ؟؛ (أخرجه ابن ماجه، صحيح)، واليوم صار كثير من البيان قد تحوَّل من اللسان إلى الأصابع، فصارت أصابع بعض الناس تتحدث أكثر من ألسنتهم، بما فتح الله تعالى على البشر من علوم الاتصال والتواصل الاجتماعي، والناس قديمًا وحديثًا يحرِصون على التواصل، إلا أن التواصل في زمن مضى كان محدودًا زمانًا ومكانًا، فكان التواصل مع البعيد نادرًا وقليلًا، أما التواصل في زماننا – يا معاشر المسلمين – فقد انتشر وسهُل وتوسَّع، وهذا لأجل وجود التقنية الحديثة في عصر السرعة والتكنولوجيا والإنترنت؛ إذ بها تُقضَى الحاجات، وتُنهى المهمات، وتُنقَل الأخبار، وتُقضى الأوطار، ثم طُوِّرت هذه الوسائل حتى أصبحت مراكزَ للمعلومات، وأجهزةً تضم العديد من الخدمات، فعكف عليها أهلها عكوفًا شديدًا أشدَّ من عكوفهم على تلاوة كتاب الله، وعلى قراءة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح انهماكُ الناس على شاشاتها ظاهرةً مزعجةً، وقضيةً مقلقةً، البيوت الحية بحديث أهلها صَمَتَتْ كأنها خالية منهم، ومنتديات الناس للحديث والمؤانسة اتخذ بعض الناس بدلًا عنها مقاهيَ مظلمةً كأنها مقابرُ، وحينما كانت الضوضاء تخرج من بيوت الأجداد والجَدَّات في آخر الأسبوع؛ حيث اجتماع الأولاد والأحفاد، ذهبت الحيوية والنشاط والأُنس؛ فيأتي كل واحد منهم يتأبَّط جهازه، فيسلم بعضهم على بعض، ثم يتخذ كل واحد منهم زاويةً من البيت؛ ليعيش بجسده مع الأسرة، وأما روحه وعقله فمع من يحادث في جهازه، حتى إنه لَيُكلَّم فلا يسمع، ويُسأَل فلا يجيب، وربما لا يتحرك من مكانه الساعات، فهو عاكف على جهازه، ولو كان هذا العكوف في المباح، فهو سلوك مُقْلِقٌ، وظاهرة خطيرة لجيل المستقبل، فما بالكم – يا معاشر المسلمين – إذا كان استعمال هذه الأجهزة في المحرَّمات والموبقات، وما أسهل الوصول إلى الحرام عبرها، والله المستعان!

 

عباد الله: إن الهاتف الذكيَّ بما فيه من تطبيقات وبرامج، وما فيه من خبايا وأسرار، تغلَّبت سلبياته على إيجابياته، كيف لا؟ والجوال قتل الحسيَّات والمعنويات، قتل الكَتَاب، قتل الجرائد، قتل الساعة، قتل الحاسوب، قتل المرآة، قتل المصباح، وكل ذلك لا يهم يا عباد الله؛ لأنه لا يضرنا في ديننا، لكن الأسوأ من ذلك هو الجانب الخطير والجزء المستطير، للهاتف الذكي القاتل الخفي، فكيف لا؟ وقد قتل البشرية، وشتَّت المجتمعات، هدم الأسر، وقضى على صلة الأرحام، فرَّق بين الأزواج والزوجات، قتل أوقات الناس، ضيَّع الشباب، قتل المعنويات، قتل الود والمحبة بين الزوجين، الجوال – عباد الله – قتل مجالسنا ونزع منها طعمها، والجوال الآن يقتل أعيننا، ويقتل عقلنا ويُغيِّر ثقافتنا، وهو في طريقه للقضاء على الجيل القادم.

 

عباد الله: لقد تحوَّلت نعمة التواصل بين الناس إلى نقمة، وانقلبت إلى فتنة، وتحولت إلى داء عُضال، بل هو مجرم خفيٌّ قتَّال، فاللهم سلِّم.

 

تحوَّلَ الهاتف الذكي – معاشر المسلمين – إلى جهاز فتنة وفساد، فليس من الإسلام أن نرى امرأةً في الطريق العام تُكلِّم مَن تُكلِّم بصوت مرتفع، وضحكات مسموعة، وحركات غريبة، فللمرأة في ديننا حياؤها، وللمرأة في ديننا وقارُها.

 

الهاتف – يا عباد الله – تحوَّل إلى جهاز قتل؛ وذلك أن بعض سائقي السيارات – هدانا الله وإياهم – ينشغلون بالهاتف عند السياقة، إما بالاتصال، أو بالرد على المكالمات، مما يترتب على ذلك حوادث المرور، التي ربما تؤدي غالبًا إلى الموت والهلاك؛ والله سبحانه يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

 

الهاتف تحوَّل إلى جهاز إزعاج وفتنة، هذه الفتنة لم تَسْلَمْ منها حتى المساجد، فكم كانت سببًا في إزعاج الناس، وإيذاء المصلين، وسلب خشوع الخاشعين؛ والله جل وعلا يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36].

 

ومن مخاطر هذه الأجهزة – يا عباد الله – أن يأتي المشتغل بها ليخلُدَ إلى فراشه، وهو متعب يغالبه النوم، ولربما تكاسل عن الوضوء والوتر من شدة تعبه وغلبة نومه، فيطل طلةً أخيرةً على جهازه قبل النوم، فيرى محادثةً فيرد على صاحبها، ويظل يحادثه الساعات، ولم يشعر بتعبه ونومه، وقد بخِلَ على ربِّه، بل على نفسه، بركعة أو ثلاث ركعات، والله المستعان.

 

الهاتف – معاشر المسلمين – تحوَّل من جهاز تواصل إلى جهاز فساد وإفساد؛ بسبب الاستخدامات السيئة لهذه الأجهزة، ألَا وإن من هذه الاستخدامات السيئة للجولات، أن يستخدمها المرء في معصية رب العالمين – يا معاشر المسلمين – فصارت هذه الأجهزة نقمةً وأي نقمة يا عباد الله، فإنه بسببها قد ضلَّ كثير من الناس، وانتكس كثيرٌ من الشباب، وانهارت البيوت، وهُتِكَتِ الأعراض، وتُعدِّيَ على المحرَّمات.

 

فكم قربت الرجال من النساء، فأوقعت في كثير من البيوت الريب والشكوك، وأوصلت بعض الأزواج والزوجات عتبة الطلاق بعد الخصام والشِّقاق، كما أوصلت كثيرًا من الشباب والفتيات إلى الانحراف بأنواعه وألوانه! وكم من فتاة غُرِّر بها عن طريقها، وهي لا تعرف للشر طريقًا، وليس في قلبها أي ريبة! ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»؛ (رواه الترمذي).

 

وإن من مصائب الأجهزة النقَّالة ومواقع التواصل الاجتماعي: نشرَ المحرمات المرئية والمسموعة، فتجد الواحد منهم قد جعل هاتفه مركزًا لاستقبال وإرسال الصور والمناظر المحرَّمة، فهو لم يكتفِ بتحمُّلِ وِزْرِ نفسه، بل حمَّل نفسه أضعاف هذا الوِزْرِ ممن أرسل إليهم تلك الرسائل أو المقاطع المحرَّمة، وينسى عظيم الإثم في نشرها، فإن عليه من الآثام بعدد من سمعها أو رآها.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تَبِعَه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا»؛ (رواه مسلم).

 

وربنا العزيز يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

 

ألَا فاعلموا يا معاشر الآباء والأمهات أن ما يُنشَر في مواقع التواصل الاجتماعي، منه ما هو كفر وإلحاد، ومنه ما هو طغيان وفساد، ومنه ما هو فواحشُ وفجور.

 

إنهم يجدون في هذه المواقع: الإلحادَ وإفساد الدين، والدعوة إلى التنصير واليهودية والتشيُّع، إنهم يجدون السحر والدعوة إليه، عن طريق الدَّجاجِلَةِ الذين يتاجرون في ضعاف نفوس المسلمين على أنهم رُقاة شرعيون، إنهم يجدون مختلف أنواع الفواحش والعُرْيِ، إنهم يتعلمون التفاهة بعينها والحماقة بذاتها من أجل مال أو شهرة، أو زيادة مشاهدة، أو الحصول على إعجابات، يبيعون دينهم بعَرَضٍ من الدنيا، والله المستعان.

 

فكم أبْكَتْ هذه الأجهزة من عيون الآباء والأمهات، وجرَّت إليهم العار، وقهرت الأخوات، وطلَّقت الكثير من الزوجات!

 

فأدركوا أنفسكم – يا عباد الله المؤمنين – وأدركوا أبناءكم وبناتكم، ولا تجعلوا نِعَمَ الله عليكم سببًا لسخط الله عليكم، ولا تجعلوا الله أهونَ الناظرين إليكم، استَحْيُوا من الله تعالى حقَّ الحياء، واحفظوا الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، واذكروا الموت والبِلَى؛ وتذكروا قوله جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

______________________________________________________
الكاتب: أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *