اليأس أحد أمراض النفس – طريق الإسلام

استهَلَّ أحدُ علماء النفس محاضرتَه بأن ثبَّت على السَّبورة قطعة مربعة الشكل من الورق الأبيض، ثم رسم في وسطها نقطة صغيرة سوداء، فلما سأل الحاضرين ما يرونه على السبورة أجاب بعضهم: إنهم يرون نقطة سوداء، وهنا قال العالم: ألم ير بعضُكم هذا المربعَ الكبير الأبيض؟

وهل كل ما رأيتم هو النقطة السوداء والمربع الأبيض الكبير…..؟

إن هذا هو الفرق بين اليأس والسعادة.

وفي الاتجاه العلمي الجديد يَعُد علمُ النفس اليأسَ من الشرور التي تصادف الإنسان في حياته، إن لم يكن الشر نفسه، إذ يقضي على كِيان الإنسان ويدمر نفسه، بل ويصيبه في بدنه، ويحول بينه وبين الاستمتاع بالحياة، ويحاول بعضُ علماء النفس الآن في كل مكان إيجادَ الوسائل والعلاجات المختلفة التي تحارب اليأس في كل صوره وكل أنواعه ومختلف أشكاله بعد أن اشتدت موجاتُ اليأس على الإنسان واتسعت دوائره، فقد أجرى (معهد جالوب) استفتاءً كانت نتيجتُه أن تسعة من بين كل عشرة أشخاص واقعون في مشكلات لا يعرفون لها حلاً، ويعلق (آدمون بيرك) أحد كبار علماء النفس على هذه الفئة بقوله: (لا تيأس وإذا يئست فاستمر مع ذلك في العمل).

ويقول غيره: (ليس الشباب زمناً من أزمنة الحياة، بل هو شعور من النفس، وما من أحد لا يهرم عاش عددًا من السنين، وإنما يهرم من شاخت نفسه، فأنت شاب بقدر ما أوتيت من إيمان وشيخ بقدر ما يصيبك من يأس).
وإن الإنسان لو تدبر حاله لوجد أن اليأس إنما هو تصرف خاطئ من الإنسان واتجاه منه إلى الشر، فما أوسعَ الحياةَ وأربحَها، وإذا كان في الدنيا ما يبعث على الأسف مرة ففيها ما يبعث على الحمد والسعادة آلاف المرات…

إن في الدنيا الخير والشر… والشر قصير، أما الخير فواسع عريض، وليس أسعد من إنسان يغمض عينيه عن الشر.. ويتجه بكليته إلى الخير.. ولو أحسن الإنسان الفكر وتعمق في التأمل لوجد أنه لا يوجد في الحياة ما يستحق أن تعاني أيامها، ومهما مدت ساعاتها، ولا بد من لحظة عاجلة أو آجلة سيترك فيها الإنسان منا هذه الحياة… فلماذا إذًا نأسف على ما يكون فيها.. ونحن سنغادرها ولابد.. ولماذا لا نعيش ساعاتها في إشراق وفي صفاء وفي أمل وفي سعادة؟

إن السعادة ليست في الغنى، وليست في كامل الصحة، وليست في الشهرة.. ولكن السعادة في الرضا والقناعة… فكم من غني لا يستطيع التمتع بماله..

بل إن الفقير والفقير جدًّا قد يسعد بقرشه ينفقه كيف يشاء، ولا يأسف على ضياعه.. ويستطيع به أن يفعل ما لا يستطيعه الغني، وكم صحيح الجسم سليم العقل يعاني سوء طالعه.. وقلة ماله.. وكم خامل يريد الشهرة ويبحث عنها، وكم مشهور.. تعذبه الشهرة.. فأين من يرضى بماله… ويطمئن لما قدره الله له؟

لا بد أن يمر الإنسان بالضيق والفرج.. المرض والصحة.. والعاقل إذا أصابه الضيق اطمأن إلى الفرج.. فلابد من الفرج بعد الضيق… فهل بعد سواد الليل إلا الشروق؟ وهل شدة الليل إلا الإيذان بتباشير الفجر..؟

فأي ضيق ينزل لا بد أن يعتقد الإنسان أنه دليل الفرج وبشير اليسر.. والمريض لا بد أن يعرف كثيراً ممن مرض ثم شفي… وأن الإنسان لابد أن يمر بالمرض، فلا يحاول أن يزيد حدة المرض بيأسه.. وضيقه.

ولقد دلت الإحصاءات العالمية على أن الإنسان أصبح يعقد حياته عن طريق يأسه الذي سريعاً ما يصيبه، وأن أضرَّ ما يصيبه في حياته هو يأسه؛ إذ ينعكس هذا اليأس على صحته فيصيبه بأمراض عدة، وليست كما يتبادر إلى الذهن بأمراض نفسية فقط، بل يصيبه بأمراض عضوية ذات أعراض من طبيعة المرض العضوي.. واليأس يحد من قدرة الإنسان على العمل، ومن ثم يقل إنتاجه، ويسوء عمله.

واتجهت الدراسات السيكولوجية في محاربة اليأس إلى محاولة تعميق إيمان الإنسان بربه.. وتوجيه العقل إلى الاتجاه السليم الصحيح؛ إلى الإيمان بخالقه.. والتسليم المطلق لرب العالمين…..
فالمؤمن الذي يؤمن إيماناً يقينياً أن كل ما يصيبه إنما هو من الله.. لا ينزعج ولا ييأس.. ولكنه في محاولة التغلب على ما قد يصيبه يتجه إلى صاحب الأمر… يطلب منه العون، وإنَّ في مجرد التجاء الإنسان إلى خالقه الشفاءَ القاطع من اليأس… ففي كل حالات الإنسان التي يخشى فيها الإصابة باليأس عليه أن يتذكر قدرةَ الله التي تستطيع أن تغير كل ما به.. وتزيل كل ما عنده.. وتبدل كل حاله. وقبل أن تصل الدراساتُ العلمية الحديثة إلى هذه الحقيقة نجد القرآن الكريم قد سبق إليها من النص الشريف {وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] إذ دعا الإنسانَ إلى عدم اليأس والالتجاء إلى الله تعالى والاطمئنان إلى ما أراده، وقد قررت الآية أن من يئس من روح الله فقد كفر.
وفي آيات أخرى نجد هذا المعنى وهذه الدعوة إلى عدم اليأس.

وذلك في الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [العنكبوت: 23].

والإنسان المؤمن حقاً يعتقد اعتقاداً لا ريب فيه ولا شك حوله أن كل أمر قد قدره الله فلا يعترض، وإن كان في ظاهره الشر فإن الله سبحانه وتعالى بيده الخير، وقد يكون فيما كرهه الإنسان الخير كل الخير، وذلك بنص الآية الشريفة {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]…. وإذا ما أصاب الموقف ما قد يثير الأسف والحزن واليأس تذكر قدرة الله وعظمته فتعود إليه الطمأنينة وتغشى نفسه السكينة؛ إذ قد عرف أن الله بالغ أمره، وأنه جل شأنه قد جعل لكل شيء قدراً، لا بد أن يبلغه بنص الآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3].

وإن الله بيده الملك كله، وإنه قدير على كل شيء، قدير أن يبدل قلق الإنسان هدوءاً.

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك: 1].

____________________________________________________________
الكاتب: 
قصي أحمد محمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *