من أين يأتي كل هذا العنف والعدائية في الشخصية اليهودية؟!
من أين يأتي كل هذا العنف والعدائية في الشخصية اليهودية؟!
في العادة، لا أُحبّذ المقالات الاستفهامية التي تبدأ بطرح سؤال؛ ولكن للضرورة أحكامها، وللطرح مقامه.
بالرجوع للنصوص الدينية التوراتية والتلمودية التي أصبحت فيما بعد منهجًا دينيًّا لا يمكن فَصْله عن النسيج اليهودي؛ نجد أنها أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في تكوين العدائية في الشخصية اليهودية تجاه الأغيار «غير اليهود»؛ من خلال اختلاق إله في النص الديني؛ هذا الإله لا يعترف إلا بشعب إسرائيل، لا يُحبّ إلا اليهودي المؤمن الذي يؤدي الطقوس الدينية، ويكره دون ذلك.
في نظرة سريعة على النصوص الإسرائيلية الدينية، لا يكاد يخلو سفر من الأسفار التلمودية والتوراتية من الدعوة إلى العنف والعدائية والكراهية؛ من خلال تصوير الإله بأنه إله قاسٍ يأمر شعبه المُختار بقتل جميع الذكور في المدن البعيدة عن أرض الميعاد، أما سكان هذه الأرض فمصيرهم الإبادة؛ ذكورًا كانوا أم إناثًا أم أطفالًا.
وجاء في سفر التثنية: «حين تقترب من مدينة لكي تحاربها؛ فلا تَستبقِ منهم نسمة واحدة»، وفي توضيح آخر، عملت النصوص الدينة على تصوير إله يهودا، على أنه إله عديم الشفقة، لا يعرف الرحمة بالإنسان من غير اليهود؛ حيث يقول: «وتأكل كل الشعوب الذين إلهك يدفع إليك، لا تشفق عيناك عنهم».
وهذا الإله لا يكتفي بأمرهم بقتال أعدائهم، بل يُخوِّفهم إن لم يتبعوا أمره، فيقول: «فإن لم تتبعوا أوامري بالقتل والإبسال؛ فيكون أني كما نويت أن أصنع بهم أصنع بكم».
ولم تكتفِ النصوص الدينية في اليهودية بتسييج حياة اليهود بتشريعات العدائية والانعزالية، بل إن أسفار العهد القديم سجَّلت بكل وضوح احتفاء اليهود بالرواية الدينية المُحرَّفة من خلال صُنْع نظرة إلى غير اليهود على أنهم حيوانات بشرية موجودة لخدمة الإنسان اليهودي؛ جاء في سفر المكابيين الثاني عن موسى قوله: «يا رب، لماذا خلقت شعبًا سوى شعبك المختار؟! فقال: لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم».
ممّا خلَق عقيدةً ومفهومًا معنويًّا راسخًا في أعماق الشخصية اليهودية، وأيديولوجيا حياتية لا يمكن التخلُّص منها؛ لأنها نابعة من إيمانٍ عميق بفكرة الاختيار، وأضحت جزءًا من تشكيلات الوعي اليهودي على مر التاريخ وتجسيدًا واقعيًّا لطابع اليهود العدائي، وتطبيقًا ماديًّا لتشريعاتهم التي سنَّها الحاخامات.
بالرجوع للتاريخ، وما مرَّ به اليهود عبر تاريخهم، بدءًا من مرحلة الخروج والتيه في الصحراء، مرورًا بفترة نبوخذ نصر وتيتوس وهادريان، وصولًا إلى مواجهتهم مع النازية؛ نجد أن الشخصية اليهودية الممتلئة بالقوة والعنف والعزلة والكراهية، تكوَّنت بفعل اتجاهين يقودان إلى نتيجة واحدة؛ الفكر اليهودي في نظرته للتاريخ، والشخصية الدينية النخبوية.
عند هذه النقطة يتضح أن الشخصية اليهودية، بل المُجتمع اليهودي الإسرائيلي، قد اتحدَّ مع الدين التلمودي الذي يؤمن بالإله القاسي الذي يأمر بالاستعباد والتهجير والقتل لغير اليهودي، ومع «النازي» في العدوانية.
يُفسِّر هذا التوحُّد عالِم النفس الدكتور «مصطفى زيزور»، فيقول: «إن التوحُّد بالمعتدي هي حيلة لا شعورية تُصطنَع للتغلُّب على الخوف من المُعتدي».
ويتجسَّد هذا التوحُّد في المُعتدي في اصطناع القوة التـي كانت الأداة في يد المُعتدي لكي يتحول اليهودي من مُضطهَد «بفتح الطاء» إلى مُضطهِد «بكسر الطاء»، يتَّسم بالعدوانية، ويتصرف بقسوة ووحشية، لتظهر انعكاسات هذا التوحُّد جليةً في النفسية اليهودية الإسرائيلية، عبر خطاب قادتها عندما يعقدون مُقارنات ومقاربات بين ضعف وجُبْن اليهودي المُضطهَد، وعدوانية اليهودي الإسرائيلي الجديد الذي اصطنع لنفسه أدوات العُنف والعدوانية.
وقد سبقني في التعبير عن هذا التوحُّد، الأديب الإسرائيلي حانوخ برطوف: «إن التغيير هو أننا أصبحنا نعرف كيف نَقتُل. والمشكلة هي مشكلة وجود اليهودي».
هذا التوحُّد المُتمثّل في التعصُّب والتفرقة والعنصرية والاستعلائية والعدوانية، أحضره الإسرائيليون اليهود معهم من أوروبا إلى فلسطين عبر مجازر وحروب بدأت من عام 48 وصولًا إلى حرب الإبادة المستمرة التي تشنّها إسرائيل على مدينة غزة.
ولو عقدنا مقارنةً بين ما حدث ليهود «الجيتو» النازي في الماضي، وبين ما يحدث للفلسطينيين في الحروب التي يشنّها يهود إسرائيل عليهم، لوجدنا أن الجرائم التي ارتُكبت بحق يهود «الجيتو» النازي هي الجرائم نفسها التي يُنفِّذها اليهود الإسرائيليون بحق الفلسطينيين في غزة.
_________________________________________________
الكاتب: وسيم سالم
Source link