منذ حوالي ساعة
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُ ….
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: «رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ» .
وفي رواية البخاري: “ما خَلا القيامَ والقعودَ قريبًا منَ السَّواء”.
تخريج الحديث:
[الحديث أخرجه مسلم (471)، وأخرجه البخاري في كتاب “الأذان” “باب حد إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة” (792)، وأخرجه أبو داود في كتاب “الصلاة” “باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين” (852)، وأخرجه الترمذي في كتاب “الصلاة” “باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من الركوع والسجود” (279)، وأخرجه النسائي في كتاب “التطبيق” “باب قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود” (1064)] .
شرح ألفاظ الحديث:
“رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ”؛ أي: راقبتها وحاولت فهمها.
“فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ”: المراد به جلسته بعد التسليم من الصلاة، وقبل الانصراف من المسجد، واختاره النووي وشيخنا العثيمين؛ [انظر: شرح النووي لمسلم (4/ 412)، وتعليق شيخنا على مسلم (3/ 221)].
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على مشروعية الطمأنينة والتناسب في الطول بين أركان الصلاة، لقوله: “قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ”، واختلف في معناها على أقوال:
قيل: جميع هذه الأحوال متساوية في المدة، ويشكل عليه تطويل النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة، لا سيما الفجر والركعة الأولى من الظهر، ولم يكن يطيل الركوع والرفع منه، والسجود والجلوس مثله.
وقيل: إنما كانت أحوال الصلاة متساوية أحيانًا وليس هذا هَدْيًا دائمًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي رحمه الله: “واعلم أن هذا الحديث محمولٌ على بعض الأحوال، وإلَّا فقد ثبتت الأحاديث السابقة بتطويل القيام، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة..”؛ [شرح النووي لمسلم (4/ 411)].
وقيل: إنما كانت أحوال الصلاة متساوية أول الأمر ما عدا القيام، ثم كان التخفيف بعد ذلك كما قال جابر بن سمرة: “ثم كانت صلاته بعد تخفيفًا”، واختاره القرطبي؛ [انظر: المفهم (2/ 80)].
وقيل: إن المقاربة ليست بين أركان الصلاة بعضها مع بعض؛ وإنما بين الركن الواحد في الصلوات المختلفة فيكون مثلًا ركوعه قريبًا من السواء في جميع الصلوات، وكذا بقية الأركان؛ قال ابن حجر: “ولا يخفى تكلُّفه”؛ [الفتح (2/ 276)].
وقيل: المراد أنه كان يناسب بين أركان الصلاة، فإذا أطال شيئًا منها أطال الباقي، وإذا أخفَّ في شيء منها أخفَّ الباقي، واختاره ابن رجب؛ [انظر: فتح الباري لابن رجب (7/ 207)، وفتح الباري لابن حجر (2/ 289)].
والقول الأخير هو الأظهر والله أعلم: فليس المعنى أن يكون الركوع أو السجود بمقدار القيام؛ وإنما المراد إذا أطال في ركن أطال في الباقي، فإذا زاد في طول القيام عن مقداره المعتاد مثلًا زاد في طول السجود أو الركوع عن طوله المعتاد، يؤيده أن المقدار نسبي، فلم يقل (متساوية) بل (قريبًا)، وأيضًا رواية البخاري “ما خلا القيام والقعود”؛ أي: القيام الذي فيه القراءة، والقعود للتشهد الأخير، فهما في أصل الطول يفترقان عن بقية الأركان.
قال القرطبي: “قوله في حديث البراء رضي الله عنه (قريبًا من السواء) يدل على أن بعض تلك الأركان أطول من بعض؛ إلا أنها غير متباعدة، وهذا واضح في كل الأركان إلا في القيام”؛ [المفهم (2/ 80)].
الفائدة الثانية: الحديث دليلٌ على أن الاعتدال من الركوع والجلسة بين السجدتين لهما من الطمأنينة ما لبقية الأركان خلافًا لمن استحبَّ التخفيف.
قال شيخنا العثيمين: “أما ما يفعله بعض الناس اليوم يطيلون الركوع بعض الشيء، لكن في القيام من الركوع لا يطيل، ويطيل في السجود بعض الشيء، ولكن الجلسة بين السجدتين لا يطيلها، فهذا لا شك أنه خلاف السنة، وأنه إذا أدَّى هذا التخفيف إلى ترك الطمأنينة، فصلاته باطلة كما قال حذيفة رضي الله عنه”؛ [شرح البخاري (3/ 306)، طبعة المكتبة الإسلامية (المصرية)].
الفائدة الثالثة: الحديث دليلٌ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعد التسليم يسيرًا، ثم ينصرف ولا يطيل الجلوس في مصلاه بعد الصلاة؛ وإنما بقدر أركان الصلاة في طولها، ويشهد لهذا الهدي النبوي حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))؛ واختاره شيخنا العثيمين [انظر: التعليق على مسلم (3/ 221)]، وقيل: المراد بهذا الحديث جلوسه مستقبل القبلة بعد سلامه، ثم يلتفت بعد هذه الكلمات لمن خلفه، وسيأتي الحديث بعد مائة حديث تقريبًا.
الفائدة الرابعة: الحديث دليل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بنقلهم مقدار أركان الصلاة قال البراء رضي الله عنه: “رمَقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم…”؛ الحديث.
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة).
Source link