(لقد خدعتني الحركة النسوية وخذلت جيلي)

واحدة من أبرز النسويات في الغرب تتحدث عن تجربتها مع النسوية وعن مآلات تلك التجربة.. وتطرح سؤالا في غاية الأهمية هل فعلا النجاح المهني للمرأة يجلب لها السعادة؟

ألتقي كل يوم اثنين مع مجموعة من الصديقات في أحد مطاعم لندن. نجلس على طاولة بالقرب من النافذة ونناقش أمور حياتنا. لدينا الكثير من الأشياء المشتركة. نحن جميعًا في منتصف الخمسينيات من عمرنا ونساء عاملات متعلمات تعليماً عالياً. لكن هناك فراغ في حياتنا. نحن جميعا عازبات وليس لدينا أطفال.

أشعر بشكل متزايد، كما يشعر العديد من صديقات حياتي، أن الحركة النسوية التي نشأت وتربيت على مفاهيمها وأصولها قد خذلت جيلنا. بل دعوني أقول: لقد تم إجباري على تقبل واستساغة هذا الفكر النسوي.

عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، كانت هدايا عيد الميلاد من عمتي المنتمية لـ حزب التحرير النسائي عبارة عن كتب لغلوريا ستاينم وسيمون دي بوفوار، التي تعتبر أم الحركة النسوية الحديثة.

شاهدت أنا وزميلاتي فيلم “ماري بوبينز” عرض 1964م، وهو فيلم يجعل من صورة الأم العازبة القوية نموذجا نحتذي به (وبالمناسبة لم تلاحظ أبدًا الحزن المتكرر في عينيها)، ويجعلنا نتعاطف مع السيدة بانكس، المؤيدة لحق المرأة في التصويت، بينما تتساءل: هذه المرأة لماذا لم تترك زوجها الأحمق.

كذلك كانت بطلتنا مارغريت تاتشر، التي كانت مناصرة لحقوق المرأة بالضرورة، على الرغم أنها كانت ستنكر ذلك. في واحدة من تلك اللقاءات الإرشادية والتوجيهية لنا، التقيت بالسيدة تاتشر في منزل والدي الراحل (كان والدي السياسي وودرو وايت) عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري. كانت أول رئيسة وزراء لنا، وبعد تقديمنا لها، بدأت تاتشر في توجيهي وتعليمي لأمور الحياة. كان جوهر خطابها متماشيا مع ما يعشقه الجمهور ويضرب على الوتر الحساس لكل ناشطة نسوية في ذلك العصر: باختصار، وظيفة المرأة تفوق في الأولوية  وبمراحل كبيرة  علاقة الزواج.

(وبالمناسبة كانت تاتشر متزوجة بدينيس، وهو شخص ضعيف الشخصية ولم تكن تاتشر تعامله أصلا كزوج. وفي الحقيقة، عندما تناولت عائلة تاتشر العشاء معنا، انسحب دينيس من المكان وذهب إلى غرفة الرسم مع النساء).

 

تشعر العديد من النساء المـتأثرات بالنسوية بأن الأمومة تمثل عبئًا أثقل بكثير مما شعرت به جداتهن، وذلك بسبب ساعات العمل الطويلة وتشويه سمعة ربة المنزل والاستنقاص منها

وفي مدرستي الخاصة، سانت بول، تلقينا نحن بنات “تاتشر” تعليمًا مماثلًا حول الزواج والأنوثة. تقول إحدى صديقات المدرسة  وهي عازبة   معلماتي جعلنني أشعر كما لو كان الزواج أمرا معيبا أو مخزيا. لقد سخرت مني معلمتي للغة الإنجليزية ذات مرة لأنني كنت أتصفح مجلة خاصة بالعرائس، ولاحقا كانت من أشد المدافعين عن حقوق المرأة وشيطنة الرجال. يتذكر كلانا أنه قيل لنا هناك أن المرأة العظيمة لا تطبخ، بل إنها تفكر. كل هذا جميل عندما تكونين صغيرة السن وتطمحين إلى العظمة والمجد، ولكن ليس كل الفتيات يكبرن ليصبحن مديرات تنفيذيات أو قاضيات في المحكمة العليا، وهو أمر نسيت الحركة النسوية أن تخبرنا به وبتأثيره الخطير علينا.

تاريخياً، كان للفكر النسوي وجهة نظر مقبولة. في الأيام الخوالي قديما، عندما كان أفراد جنسي مرتبطين بآبائهن أولاً ثم بأزواجهن، كانوا يعيشون حياة لا يحسدون عليها. ومع ذلك، إذا حصلت المرأة على تعليم جيد، يمكنها أن تعيش حياة مريحة وتظل مستقلة عن الحاجة للرجل. وعندما تغلب عليها الرغبة في الزواج والأطفال، فمن المؤكد أنها ستفقد وظيفتها. لقد تغير العالم الآن بطريقة قد يجدها النسويات الأوائل غير مفهومة. أعتقد أحيانًا، وكذلك يعتقد صديقاتي، أن الغرب قد تجاوز الفلسفة النسوية، وأنه أصبح من الواضح أن لها آثارا مدمرة.

أين، على سبيل المثال، ستترك النسوية النساء مثلنا، عندما نصل إلى منتصف الخمسينات من العمر، ونجد أنفسنا وحدنا؟

أحد الأسباب الرئيسة للتعاسة هو شعور المرء بأنه غير محبوب، في حين أن العيش في جماعة والشعور بالحب يعززان السعادة أكثر من أي شيء آخر. واحدة من كل عشر نساء بريطانيات في الخمسينيات من العمر لم تتزوج قط وتعيش بمفردها، وهو أمر غير جميل ولا صحي.

قالت لي صديقتي “سالي” ذات العيون الخضراء، والبالغة من العمر 55 عامًا: “أشعر دائمًا بأنني غير مرغوب بي كامرأة لأن الحركة النسوية علمتنا أن الأنثى التقليدية هي صورة نمطية اخترعها الرجال ليبقيها الرجل تحت سيطرته. وبناء على هذا الإيمان كنت طوال حياتي معادية للرجال إلى حد كبير. والآن ها أنا أدفع ثمن هذا الفكر”.

وفقا لدراسة حديثة أجراها معهد طبي أمريكي، فإن الوحدة هي السبب الرئيس للاكتئاب بين الإناث في منتصف العمر. لقد علمت هذا بالطبع لأنني وقعت مؤخرًا فريسة للمرض النفسي الذي لا يرحم. يعاني العديد من صديقاتي العازبات من الاكتئاب بسبب الوحدة التي غلبتنا بينما تغلّب عليها قطط الشوارع!

علاوة على ذلك، هناك العوامل الاقتصادية التي تزيد من معاناتنا في الحياة، فمثلا من المعروف أن دخلين أفضل من دخل واحد، وأن العديد من النساء غير المرتبطات اللاتي أعرفهن يعملن في مهن منخفضة إلى متوسطة الأجر. هناك الملايين من النساء اللائي يعشن بأجور زهيدة. تتحسر صديقتي  وهي أستاذة جامعية  قائلة: باعتباري امرأة عازبة، أصبح من الصعب علي وبشكل متزايد دفع الفواتير دون مساعدة من الزوج.

ولقد ظلت الحركة النسوية تتردّد في ذهني بأن الاستقلال المالي هو الحل المثالي، ولكن في الواقع لا يحدث ذلك إلا إذا كنت تدير صندوقًا للتحوط أو كنت قادرًا على كتابة الروايات الأكثر مبيعًا. ومن المحبط بنفس القدر أن العديد من النساء العازبات يشعرن بأنهن فشلن في الحياة.

وبعيدًا عن تمكيننا، جعلتنا الحركة النسوية عرضة للخوف وعدم الشعور بالأمان. تقول صديقتي الجميلة راشيل البالغة من العمر 53 عامًا: لقد توقفت مسيرتي المهنية، ولم أتزوج قط وأشعر الآن بأنني بلا قيمة.

إن النسوية التي أسقونا إياها وتشربت بها عقولنا في شبابنا ارتكبت خطأ فادحا في حقنا عندما طلبت من الفتيات أن يتصرفن ويفكرن مثل الرجال.

الثقة بالنفس تأتي أكثر من أي شيء آخر من الاعتياد على تلقي مشاعر الحب، وخاصة من الزوج. فالمرأة التي لديها زوج وأولاد تتقبل مشاعرهم وعاطفتهم كقانون عادي من قوانين الطبيعة، ولكن بنفس الوقت هو شعور ذو أهمية كبيرة لصحتها النفسية ونجاحها بالحياة.

إنه من بين جميع المؤسسات التي كانت موجودة في الماضي ولا تزال موجودة حتى الآن، لم تخرج أي مؤسسة عن مسارها الطبيعي وتتأثر سلبا بسبب الحركة النسوية مثل مؤسسة الزواج والأسرة. تشعر العديد من النساء المـتأثرات بالنسوية بأن الأمومة تمثل عبئًا أثقل بكثير مما شعرت به جداتهن، وذلك بسبب ساعات العمل الطويلة وتشويه سمعة ربة المنزل والاستنقاص منها. فهل من المستغرب أن ينخفض ​​معدل المواليد؟

تقول إحدى صديقاتي ممن هم في مجموعة يوم الاثنين: لقد تم قولبتي على عدم وجود أي أعباء أو مشاغل تعيق مسيرتي الشخصية، وخاصة الأطفال، أو على الأقل أفهموني أن علي الانتظار قبل قرار الارتباط حتى أتمكن في مسيرتي المهنية وأحقق ذاتي، نعم لقد تمكنت ووصلت لما أريد، ولكنني الآن كبيرة في السن وقد فاتني القطار.

مؤخرًا، وبعد أن أنهكني الاكتئاب بشدة، كان لدي طالبة تبلغ من العمر 20 عامًا تعيش في منزلي. وبعد أسبوع من التعارف، بدا لي أن فكرة “عدم الزواج والإنجاب” تلك الأفكار النسوية كانت مكروهة بالنسبة لها، وقد رفضتها تماماً. باختصار، أرادت هي أن تعيش حياتها كامرأة وليس كما عشت وصديقاتي الخمسينيات.

قالت متأملة: نعم، أنا أؤمن بحقوق المرأة، لكنني لا أؤمن بالحركة النسوية المتعنتة والعنيفة التي نشأت عليها والدتي. لقد ذهبت بنا النسوية لمنحنى خطير. كم هي حكيمة هذه الطالبة!

إن النسوية التي أسقونا إياها وتشربت بها عقولنا في شبابنا ارتكبت خطأ فادحا في حقنا عندما طلبت من الفتيات أن يتصرفن ويفكرن مثل الرجال. كان هذا الخطأ فادحًا، والنساء مثلي يدفعن ثمنه الآن.

لقد حان الوقت لإعادة ثقافة المجتمع لما كانت عليه بالسابق. ربما يكون الوقت قد فات بالنسبة لي ولصديقاتي، ولكن لا ينبغي لنا أن نسمح للحركة النسائية بأن تدمر حياة الأجيال القادمة أيضًا.

 

[1] ابيترونيلا ويت: كاتبة نسوية وصحفية بريطانية مشهورة، من مواليد 1968 م ولها العديد من المقالات نشرت في الصحف المشهورة مثل الديلي ميل وسبيكتاتور والتلغراف.

 ________________________________

المصدر: الديلي ميل

الكاتبة / بيترونيلا ويت[1]


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *