إن بداية العام الدراسي تذكرنا بمسؤولياتنا العظيمة للأجيال الصاعدة تجاه ذُخر الأمة ورصيدها، تجاه طلابنا الأعزاء:
الحمد لله الذي جعل العلمَ حياةَ الأمم والشعوب، عليه تقوم الدول وتُشاد الحضارات، ويُتَغَلَّبُ على عوائق التقدم والعقبات، ويُرفَع الجهلُ والظلمات، وتَحُلُّ به السعادة والمسرَّات، إذا استقام منهجه، وقُوِّم اعوجاجه، وأُسرجت من نور الوحي مصابيحُه، وأضاء سراجه، ورُبِّي على موائد الذكر طلابه، وتدرَّع بالجد والإخلاص معلموه وأربابُه.
والصلاة والسلام على من أوصى بطلاب العلم خير وصية؛ ليتمكنوا من أخذ وفَهْم دانيه وقاصيه، صلى الله عليه وعلى البررة الكرام، وصَحْبه مصابيح الظلام، وعلى من تبِعهم بإحسان وعلى سبيلهم استقام، وأشهد أن لا إله إلا لله شهادة، أرجو بها الفوز العظيم، والجوار الكريم في جنات النعيم، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى ونبيه المقتفى، وخليله المرتضى، شهادة تجعل قائلها من أهل شفاعته، والمتحققين باتباعه وطاعته.
الوصية بالتقوى:
عباد الله، غدًا تبدأ الدراسة، والكل يتهيأ لها، فالأمة كلها معنية بهذا الحدث ومتفاعلة معه:
الدولة – ممثلة بوزارة التربية والتعليم – الإعلام – الإرشاد والوعظ – الخطباء – المجتمع أسر وطلاب.
إن هذا التفاعل الكبير والشامل لدليلٌ على نُضج الأمة وتوجهها الواعي نحو أهدافها الصحيحة.
وعلى الجميع استثمار هذا الوعي وهذا التوجه الاستثمار الصحيح الذي يمكِّنه من بلوغ أهدافه، وذلك: بمراجعة إستراتيجية التعليم مراجعة شاملة، تجعلها منبثقة من ثوابت الأمة وحامية لها، ومحققة لتطلُّعاتها وآمالها الخيِّرة ومصالحها العليا، وعلى القائمين على تلك الإستراتيجية أن يتحلَّوْا بالبصيرة النافذة والإخلاص، وصدق التوجه والشجاعة الكاملة، بحيث يكون منطلقُهم بصدق مصلحةَ الأمة، وهدفُهم رفعَها ومجدها وتقدمها؛ وذلك بربطها بمصدر عزِّها وتمكينها شريعة الله عز وجل المحقِّقة لجميع الأهداف السامية الدينية والدنيوية والحضارية والتنموية، فالله تعالى قد علَّق سعادة الدنيا والآخرة بالإيمان، فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وربط الأمن بالإيمان، فقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
وشرط لحصول نصره وتأييده للأمة نصرَها لله وإقامة شريعته، فقال جل ذكره: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40، 41]، وفي المقابل جعل الإعراض عن شرع الله سببًا لهلاك الأمم وتمزيقها؛ قال تعالى عن أجدادنا السبئيين: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16]، كما جعل الإعراض سببًا لضنك المعيشة، فقال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
وقرَّر القرآن الكريم أن المعصية والعدوان، وترك إقامة الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – سبب اللعن والإهانة والاستذلال في الدنيا والآخرة؛ قال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79]، فالعزة والتمكين والأمن ورخاء المعيشة، كله مشروط بطاعة الله والإيمان به وإقامة شرعه، والذل والهوان وتسلُّط الأعداء، وضنك المعيشة والتمزق، وافتقار الأمن – مرتبط بالإعراض عن دين الله ومعصيته، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فعلى القائمين على إستراتيجية التعليم مراعاة ذلك، وأخذه بعين الاعتبار إن كانوا مخلصين للوطن حريصين على خيره وخير الأمة، فهذه نصائح وأوامر ربِّ العالمين الذي يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، فعلينا أن نقبلها ولا نقبَل نصائح وتوجيهات الذين لا يريدون بنا إلا الشر والضعف والهوان، وأن نبقى مستضعفين لهم تابعين أذلاءَ بين أيديهم، وقد حذَّرنا الله منهم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118 – 120].
وإن من أعظم أهداف أعدائنا التي يعملون على بناء إستراتيجيات تُحقِّق هذه الأهداف في بلاد المسلمين:
1- إبعاد الأجيال عن ربها ودينها.
2- طمس هُويَّتها.
3- تجهيلها.
فعلينا أن نحذر من ذلك أشد الحذر.
عباد الله، إن بداية العام الدراسي تذكرنا بمسؤولياتنا العظيمة للأجيال الصاعدة تجاه ذُخر الأمة ورصيدها، تجاه طلابنا الأعزاء:
1- وزارة التربية وفروعها.
2- المدارس والجامعات.
3- الأسرة.
4- الطلاب.
5- المجتمع.
وعلينا أن نؤسِّس هذا العام ليكون منطلقًا لِما بعده على العصامية، والاعتماد على الله ثم على النفس، وأن يكون عامًا حافلًا بالتحصيل الصحيح خاليًا من الغش.
___________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
Source link