لو كان نعيم الجنة تنعم مخلوق بمخلوق ما استحقت البقاء وعدم الفناء! – خالد عبد المنعم الرفاعي

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فما لا شك فيه أن أن يتجدد نعيم الجنة حتى اره، في كل شيء من اللهو اللعب وغير ذلك مما لا يخاطر على، فأبدية الجنة ألا تتقنى ولا تبيد، معلوم بالضرورة؛ قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:١٠٨]، أي: غير مقطوع، قال عز وجل: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ[ص: 54]، ورزق الله يشمل كل ما تشتهيه الأنفس من لعب وغيره، ولا تنغيص فيها، ولا نفاد لها، فلا يشوبها ما يشوب الحياة الدنيا التي نعيمها مشوب بالنكد، فلا يقاس نعيم الجنبة بنعيم الدنيا، وأحوال أهل الجنة لا تقابل بحوال أهل الدنيا، فنعيمها كامل لا نقص فيه، متصل لا ينقطع، دون سآمة ولا مللل؛ فالنفس إنما تأم شيء بعد أن تتشبع، وتتوفى شرفها، فتزهد فيه، وليس كذلك نعيم الجنة؛ كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا* خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا[الكهف: 107، 108]، وقال: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْس ٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة : 17]، {إِنَّ الْمُتَقِين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 17] 54، 55]، { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34]، قال: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 34]، وقال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَأبيهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍِ حِسَابيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ}.

والله سبحانه وتعالى مالا عين ولا تسمع سمعتها ولا خطر على قلب بشر؛ كما

في صحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين يستحق أذن ولا سمعت ولا خطر على قلب بشر”، مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]، وفي صحيح أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يدخل الجنة ينعم ولا يأس ولا تبلى ثيابه ولا يخدع شبابه”

“صحيح البخاري من سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول: “موضع سعيد في الجنة خير من الدنيا وما فيها”، وفي صحيح أيضا من حديث أبي الخدري وأبي إنيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ينادي مناد: حديث لكم” أن تصحوا فلا تسموا إلى الأبد، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا إلى الأبد، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا إلى الأبد، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا إلى الأبد”؛ فاتت ذلك: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، والنعيم الذي لا بأس فيه يعم كل ما تهواهس من اللعب والغناء وغيرهما.

قال ابن القيم في كتابه “هادي البشر إلى بلاد الأفراح” (ص: 95) – في معرض كلامه عن أسماء الجنة، فكر في تسميتها دار السلام – ثم قال: “أحق بهذا الاسم؛ فلا دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه، وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام، الذي سلمه وسلم عليه؛ {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10]، { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23، 24] والرب يسلم عليكم من فوقهم كما قال: { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ* سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 57، 58].

وأما تقول: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 90، 91]، إنما معنى الآية – والله أعلم – فسلام لك أيها الراحل عن الدنيا، حال كونك من التعبير، أي: فسلامه لك كائنًا من اليهود اليهود الذين سلموا من الدنيا وأنكادها، ومن النار وعذبها، فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله، كما يُبشر الملكُ روحَه استولى عليها إسرائيل: “ابشري بروح وريحان، ورب غضبان”، وهذا أول البشرى التي للمؤمن في الآخرة”

 إذا قررت هذا؛ عُلم أن نعيم الجنة إنما يكون بكل ما يحصل عليه نعيم المؤمن؛ لأن الجنة هي الدار الجامعية لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله الكريم، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة؛ كما يرجو النصوص؛ قال الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] .

قال: “إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم أثرنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما هو؟ “أعطوا شيئًا ما حقًا من النظر إلى ربهم عز وجل”.

ولو كان نعيم الجنة مجرد تنعم تنهيدة بمخلوق ما تستحق البقاء وعدم إجازة! أعظم نعيمها التلذذ والنعم بالنظر إلى الله الكريم سبحانه وتعالى.

مجموع رسائل ابن رجب (3/ 356) في معرض رده على من ظن أن لا نعيم في الجنة إلا تدبير بالمخلوقات فيها، قال: “من غلط عظيم؛ فإن أعلى نعيم الجنة ما حصل فيها من معرفة الله ومشاهدته، فإن علم اليقين يصير هناك عين” اليقين، وتجدد معرفة عظيم تكن موجودة قبل ذلك، بل ولم تخطر عَلَى قلب بشر، وكذلك توحيد أهل الجنة ودوام ذكرهم هو من أكمل لذاتهم، وأحكم يلهمون التسبيح، كما يلهمون النفس.

قال ابن عيينة: “لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدُّنْيَا” وكذلك ترنمهم بالقرآن، وسماعه، وأعلاه سمعه من الله عز وجل، فأين هذا من تلاوة أهل الدُّنْيَا وذكرهم؟!

وأما ما في العبادات من النعيم فهي أصل لأهل المعرفة في الدُّنْيَا، فإنها حصلت لهم في الجنة بنفسها مع راحة جسد من مشقة التكاليف التي في الدُّنْيَا، فمجتمعهم راحة القلب الكامل وعلا أكمل كامل”.

هذا؛ والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أريد أن أتوب من علاقة عبر الأنترنت – خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته لا أدري كيف أبدأ رسالتي هذه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *