الحجاب في أوربا – خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد أنا امرأة متزوجة أعيش في إحدى الدول الأوربية المأمونة ومعهم المتطرفين الإيمانيين هنا أصبح الحجابة على الرأس نتعرض للمضايقات ونظرات ازدرائية وعنصرية في كل الأماكن ولا أستطيع أن أخرج مع زوجي إلا نادرا بحكم عمله وأن أتحمل بعض الوقت ومدارسهم وطلبات البيت…،طلبت من زوجي العودة إلى الوطن لكنه رفض رغم ذلك، سؤالي هل يجوز أن ألبس لباسا شرعيا دون الحجاب إلى أن تفرج الله

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فمن المقرر في الشريعة الإسلامية أن من شروط الإقامة في بلاد الكفر التمكن من إقامة شعائر الدين، والتي منها – بلا شك – حجاب المرأة المسلمة، فمن لم يستطع إقامة شعائر ينه أو بعضها وجب عليه الهجرة من تلك البلاد، أو الانتقال إلى بلد كافر آخر أكثر أمنًا يتمكن فيه من أداء شعائر الإسلام؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا* فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 – 99] فأوجبت الآيةُ الكريمة الهجرة إلى بلاد الإسلام إذا كان يمكنه الهجرة ولم يكن به عجز من مرض أو إكراه، وإذا كان لا يخشى الفتنة ويتمكن من إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة، وهذا التفصيل هو مذهب الشافعية والحنابلة.

والحاصل أن المسلم إذا كان عاجزًا عن إظهار دينه في بلاد الكفار، فيحرم عليه الإقامة فيها، وتجب عليه العودة إلى بلاد الإسلام إن استطاعها، فإن لم يقدر على الرجوع لإكراه أو خوف محقق في بلاده أو نحوهما، فهو معذور إلى أن يقدر؛ كما دلت عليه الآيات السابقة، وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، فأولئك قوم كانوا عاجزين عن إقامة دينهم، وما أمكنه الهجرة لبلاد المسلمين وإظهار الإيمان والتزام شرائعه، وفعلوا من الإيمان ما يقدرون عليه، ومن المعلوم في السنة المطهرة أنه قد كان بمكة جماعة من المؤمنين يَستخفون بإيمانهم وهم عاجزون عن الهجرة.

وعليه، فيجب عليك العودة لبلاد الإسلام إن استطعت، فإن كان في الرجوع للوطن مهلكة أو مضرة متحققة، أو غالبة على الظن= فأنت في حكم المضطرة للإقامة في تلك البلاد { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 173]، وقال سبحانه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وحينئذ يجوز لك أن تكشف ما تقتضيه الضرورة، ويرفع عنك الضرر والأذية؛ لما تقرر في الشرع من أن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، والضرورة هي: بلوغ الإنسان حداً إن لم يفعل المحظور هلك أو قارب على الهلاك أو وقع في مشقة يصعب عليه تحملها، أو: هي حالة من الحظر تطرأ على الإنسان يخاف معها فوت شيء من المصالح التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث لا تندفع هذه الضرورة إلا بارتكاب المحرّم، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته ؛ فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصل المصلحة الراجحة -حفظ النفس– باحتمال المفسدة المرجوحة -كشف الشعر – وهذا أيضًا معنى الإكراه فالمكره هو من يدفع الفساد الحاصل باحتمال أدناهما، وهو الأمر الذي أكره عليه؛ قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } [النحل: 106]،، والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

ما حقيقة «أحمد البدوي»؟ – الإسلام سؤال وجواب

أحمد البدوي صاحب القبر المشهور بمدينة طنطا بمصر يعتقد فيه كثير من الناس الولاية، وبعضهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *