الهُدى كل الهُدى في كتاب الله – فريد الأنصاري

ولقد تُهتُ زمنًا طويلًا في طريق البحث عن الحقِّ في الشأن الدَّعوي على العموم، حتى منّ الله عليَّ بالهُدى! ولقد وجدت الهُدى كل الهُدى في كتاب الله!

ولقد تُهتُ زمنًا طويلًا في طريق البحث عن الحقِّ في الشأن الدَّعوي على العموم، حتى منّ الله عليَّ بالهُدى! ولقد وجدت الهُدى كل الهُدى في كتاب الله!

وبمجرد أن فَتح الله بفضله البصيرة على القرآن، اكتشفتُ أدواء نفسي المريضة! ففزعت من هول عِلَلِها الكثيرة وجروحها الغائرة، ووجدتُ أنني أنا المعنيّ الأول بدعوة القرآن وأدويته! فطرقتُ باب الرحمن مستغيثًا: ربّاه أنا المريض فداوني! فماذا أعَلُّ من قلبي الكليل؟ ومن ذا أهْلَكُ من نفسي المغرورة؟!

ثم وجدتُ أنه لا نُور للمرء إلَّا بإشعال فتيل قلبه بمواجيد القرآن نبضًا نبضا! على وزان قول رسول الله ﷺ: «شيّبَتني هود وأخواتها»!.. وأنّ من لم يُكابد حقائق القرآن لهيبًا يُحَرّق باطن الإثم من نفسه، فلا حظَّ له من نُوره!

ورأيتُ أنّ أول ما ينبغي أن أواجهه بهذه الدعوة هو كبرياء نفسي الخفي، وغُرورها الباطن، وأن أول الطريق إلى الله هو تحقيق “العبدية” الخالصة له وحده جلّ علاه.. وأن ما دُون ذلك من المسالك إنما هو مَحَالِكُ ومهالِك!

ووجدتُ أن تلميذ القرآن لا يكون “أستاذًا” أو “زعيمًا” أبدًا! فالقرآن العظيم كلام الله ربّ العالمين، وما كان لمتلقي الحق عنه إلا أن يكون عبدًا! وإنها لنعمة عظمى أن يبقى المؤمن حياتَهُ كلّها تلميذًا بين يدي ربّه الكريم تقدّست أسماؤه! وذلك أول خُلُقِ سيدنا رسول الله ﷺ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «آكُل كما يأكل العبدُ وأجلس كما يجلسُ العبد!.

ووجدتُ هذه التجربة الروحية مؤلمة جدًّا! فقد كانت النفس مغرورة بترّهات “عِلم الكلام الحركي!” وكانت حُجُبُها من ذلك كثيفة جدًّا، وكانت جراحاتها بسببه عميقة جدًّا، فما أصعب الانتقال بالنفس من “أناها” إلى “فناها”!

وما وجد رسول الله ﷺ نجاته إلا في الاعتصام برسالات ربّه بلاغًا! وهو صريح قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلاَّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.

فأدّى بلاغ كلمات ربّه ﷻ وبلّغ على أتمّ ما يكون البلاغ؛ استجابة لأمره العظيم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.

ومن هنا جاء الثناء الرباني الكريم نورًا خالدًا يحلي الربانيين: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ  وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}.

وما أن أبصرتُ هذه الحقيقة الجميلة والمؤلمة في الوقت نفسه؛ حتى اكتشفت هول ما ضيّعتُ من العمر خارج مدار رسالات القرآن! وحجم ما خسرتُ من السّير خارج فلكِ نور الإيمان!

وشاهدتُ بعد ذلك معنى قول رسول الله عليه الصلاة والسلام في دعائه الكريم: «أسألك أن تجعل القرآن ربيع قلبي»!، والربيع في العربية: هو جدول الماء المتدفق على البطاح والسهول! فما أجمله وأجلّه من دعاء! فأن يكون “القرآن ربيع القلب!” معناه: أن يكون هو نبع الماء الصافي المُتدفق الرقراق الذي يسقِي الروح بنور الله!

فماذا بقي بعد ذلك بهذا القلب من الهمّ والغمّ؟ وماذا يبقى به من الدَّرَن والضلال؟ أو من الأوجاع والأدواء؟ ولذلك كانت تتمَّة الدعاء هكذا: «ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي»!

ومن هُنا لم يعد لنا من مورد في التَّلقي لرسالات الله سوى كتاب الله.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

ذم التفرق ونعمة الجماعة العامة للمسلمين – أبو الهيثم محمد درويش

منذ حوالي ساعة التفرق مذموم في كتاب الله وفي سنة رسول الله، واجتماع الكلمة محمود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *