قال الإمام مالك رحمه الله: “السُّنَّة سفينة نوح، من ركِبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرِق”.
إن من أصول الدين طاعةَ رسول رب العالمين، والأخذَ بسُنَّتِهِ، وترك ما نهى عنه، وتصديق خبره، والإيمان بما جاء به، وألَّا نعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، كما أن معنى شهادة لا إله إلا الله هو الإخلاص لله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132]، وقال الله عز وجل في آية الامتحان: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32].
فاتباع السنة وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الهداية والنجاة والسعادة، وهي الصراط المستقيم.
قال الإمام مالك رحمه الله: “السُّنَّة سفينة نوح، من ركِبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرِق”.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]، وقد جاء التحذير الشديد – عباد الله – والوعيد الأكيد على ترك السنن، ومخالفة هَدْيِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن عصاني، فقد عصى الله»[1].
ثم اعلم – عبدَالله – أن السُّنَّة المأثورة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي وحي، كما أن القرآن وحي: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]؛ أي: القرآن، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]: أي: بالسُّنَّة.
فالسُّنَّة تُبيِّن القرآن وتوضِّحه، وتُفصِّل أحكامه؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ألَا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه –أي السنة– ألَا يُوشِك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه»[2].
وهذه السُّنَّة المطهَّرة – عبادَ الله – لا تُعارَض بشيء، لا تُعارَض بالآراء، ولا بأقوال الرجال، ولا تُعارَض بالأهواء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1].
قال الإمام أحمد رحمه الله: “من ردَّ حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو على شفا هَلَكَة”.
نعوذ بالله من الضلال وأهله.
ثم اعلموا – عباد الله – أن نصوص الوحي قد تكاثرت في الوصية باتباع السنن، والتحذير من البدع والمحدَثات، وأسبابها وأصولها وأصحابها؛ قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3]، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ»[3]؛ أي: مردود على صاحبه، وقال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
فالسُّنَّة سبب للاجتماع، والبدع سبب للافتراق والاختلاف، وسبب للشُّبُهات في دين الله؛ فأول بدعة فرَّقت جماعة المؤمنين هي بدعة الخروج على الإمام المسلم، والافتئات عليه، وتكفير أصحاب الكبائر، وقد قنَّطوا عبادَ الله عز وجل من رحمة الله.
ومن الفرق الضالَّة الْمُضِلَّة الذين عبثوا في نصوص الكتاب والسنة، وأخذوا بالعقول المجردة، بالعقول الفاسدة، والآراء المجردة – ولا سيما ما يتعلق بصفات الله عز وجل – حيث عطَّلوا هذه الصفات، وأفرغوها من معانيها العظيمة التي تدل على الكمال والجمال والجلال، ولم يتقيدوا بإثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل؛ على قاعدة قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وفرقة ضالة أخرى أخرجت العمل الصالح من مسمَّى الإيمان، وقالوا: إنما يكفي في الإيمان تصديق القلب، ولا يشترط العمل، قد أرجؤوا العمل عن مسمى الإيمان، فسُمُّوا بالمرجئة.
عباد الله:
لا يُتصوَّر إيمان بلا عمل، ولا يصح إيمان بلا عمل، فكلمة لا إله إلا الله لها مقتضيات، ولها لوازم، لا يتحقق إسلام المرء إلا بها.
وآخرون تكلموا في قدر الله، وخاضوا فيه بالباطل، وآخرون طعنوا في صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حملة الدين، حملة الشريعة، نَقَلَة السنن، من مهاجرين وأنصار، الذين فتح الله عز وجل بهم الأمصار، فتكلموا في الصحابة بما لا يليق بهم، وقد أثنى الله عز وجل عليهم الثناء العطر، كل هذه المعارضات، وهذه المبتدعات، في العقائد والأعمال والأحكام، إنما سببها هو الانحراف عن السنن المرويَّة، والسنن النبوية؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وعامة هذه الضلالات إنما تطرُق من لم يعتصم بالكتاب والسنة”.
اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، واهدِنا سواء السبيل، اللهم اهدِنا ويسِّرِ الهدى لنا.
[1] أخرجه البخاري (2957)، ومسلم (1835). [2] أخرجه الترمذي (2664)، وابن ماجه (12). [3] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
_____________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري
Source link