الوصية بـ (أحسن إلى جارك تكن مؤمنا)

قال النبي ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه»

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يأخُذُ عنِّي هؤلاءِ الكلماتِ فيعملُ بِهِنَّ أو يعلِّمُ من يعملُ بِهنَّ» ؟ قلتُ: أنا يا رسولَ اللَّهِ، فأخذَ بيدي فعدَّ خمسًا، فقالَ: «اتَّقِ المحارمَ تَكن أعبدَ النَّاسِ، وارضَ بما قسمَ اللَّهُ لَك تَكن أغنى النَّاسِ، وأحسِن إلى جارِك تَكن مؤمنًا، وأحِبَّ للنَّاسِ ما تحبُّ لنفسِك تَكن مسلِمًا، ولا تُكثرِ الضَّحِك؛ فإنَّ كثرةَ الضَّحِك تُميتُ القلبَ»؛ (أخرجه الترمذي).

 

ومعنى الجوار هو الملاصقة والمساكنة؛ كالملاصقة في السكن أو الدكاكين والمكاتب والشركات، وحتى في مقاعد الدراسة يعتبر جارك له حقوق الجار، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36]، فحسن الجوار مكرمةٌ من مكارم الأخلاق، وحقٌّ مِن حقوق الإنسان.

 

والجار ثلاثة أنواع: جار مسلم وذو قُرْبى، وجار مسلم وليس له قربى، وجار كافر، وخير الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرُهم لجاره بجميع أنواعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه»؛ (أخرجه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ»، وفي رواية: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحسِنْ إلى جاره»؛ (أخرجه البخاري).

 

أيها الإخوة، أوصى ذات يوم صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ رضي الله عنه بقوله: «يا أبا ذَرٍّ، إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ»؛ (أخرجه مسلم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ من السعادةِ: المرأةُ الصالحةُ، والمسكنُ الواسعُ، والجارُ الصالحُ، والمركبُ الهنيءُ. أربعٌ من الشَّقاءِ: الجارُ السوءُ، والمرأةُ السوءُ، والمركبُ السوءُ، والمسكنُ الضَّيِّقُ»؛ صحيح الترغيب، وهذا يدل على أنَّ مِن سعادة المرء في الدنيا أن يلقى جارًا صالحًا تقيًّا، يتبادل معه المودَّة والإحسان، فيذكِّره إذا نسِي، ويُعِينه إذا احتاج، ويشاركه فرحه وسروره.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فلانة تقومُ اللَّيلَ وتَصومُ النَّهارَ وتفعلُ، وتصدَّقُ، وتُؤذي جيرانَها بلِسانِها؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلم: «لا خَيرَ فيها، هيَ من أهلِ النَّارِ». قالوا: وفُلانة تصلِّي المكتوبةَ، وتصدَّقُ بأثوارٍ، ولا تُؤذي أحدًا؟ فقال رسولُ اللهِ: «هيَ من أهلِ الجنَّةِ»؛ (رواه أحمد)، ومن هذه الأحاديث نعلم أن للجار على جاره حقوقًا وواجباتٍ، منها:

 

• إفشاء السلام عليه؛ لما فيه من تقريب للقلوب، وتثبيتٍ للمحبة والودِّ، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ»؛ (رواه مسلم).

 

• زيارته في مرضه، والسؤال عن صحَّته، والدعاء له بالشفاء والصبر، قال صلى الله عليه وسلم: «ما مِن مسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً إلَّا صلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُمسيَ، وإن عادَهُ عشيَّةً إلَّا صلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُصبِحَ، وَكانَ لَه خريفٌ في الجنَّةِ»؛ (صحيح الترمذي).

 

• دعوته إلى المناسبات؛ مثل: الأعراس، وحفلات التفوُّق وغيرها، وكذا تلبية دعوته إلى مناسباته.

 

• سترُ عيوبه، وعدم التكَلُّم بها أمام الناس، وحفظ عرضه، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 

• أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتقديم النصيحة الصادقة له في كلِّ وقت.

 

• تعظيم حرماته، وتجنُّب غدره أو خيانته أو المكر له أو معاونة الآخرين عليه، أو تتَبُّع عوراته، أو النظر إلى محارمه، أو الزنا بحليلته، فهذا العمل من أقبح الخصال والصفات، أخرج الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك».

 

• عدم رمي القاذورات أمام بيته، أو إيذائه بتطاول البنيان عليه، أو رفع الأصوات وإيذائه بها.

 

• تقديم الطعام له ومواساته سواء كان فقيرًا أو غنيًّا.

 

• تحَمُّل أذى الجار، ولنا في رسول الله أسوة حسنة مع قصة جاره اليهودي الذي كانت هديته اليومية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيسًا من القمامة على باب بيته، فإذا خرج عليه الصلاة والسلام ذات يوم ولم يجد القمامة علم أن جاره المؤذي منعه مانع، فذهب ليطمئن عليه فإذا هو مريض.

 

أيها الإخوة، يروى أن رجلًا أراد أن يبيع داره، فلما أراد المشتري أن يشتري، قال: لا أسلمك الدار حتى تشتري مني الجوار، قال: جوار من؟ قال: جوار سعيد بن العاص، قال: أنا أبيع بيتي وأبيع الجوار، من الذي يشتري جوار سعيد بن العاص؟ وتزايدوا في الثمن، فقال له شخص: هل رأيت أحدًا يشتري جوارًا أو يبيعه؟ قال: ألا تشترون جوار من إن أسأتُ إليه أحسن إليَّ، وإن جهلتُ عليه حلم عليَّ، وإن أعسرت وهب لي حاجتي، فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فبعث إليه بمائة ألف درهم، فكان الجار يباع قبل الدار.

 

وكان من دعاء أحد الصالحين: وأعوذ بك من جار سوء إن رأى مني حسنةً كَتَمَها وأخفاها، وإن رأى مني سيئةً أذاعها وأفشاها.

 

أسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بكل خير، وأن يعيننا على اغتنام أوقاتنا وأعمارنا وصحَّتنا وشبابنا فيما ينفعنا، وأن يجعلنا من المتَّبعين لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصَلَّى الله على سيدنا محمد.

________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *