شرح حديث: إن الله كتب الحسنات والسيئات

منذ حوالي ساعة

قال ابن بطال رحمه الله: في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة؛ لأنه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة

عبدالعال سعد الشليّه

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسناتٍ إلى سبعمائة ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وإن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدة»   [رواه البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما بهذه الحروف] .

 

فانظر يا أخي – وفقنا الله وإياك – إلى عظيم لطف الله، وتأمل هذه الألفاظ، وقوله: ((عنده)) إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله: ((كاملة))؛ للتأكيد وشدة الاعتناء بها، وقال في السيئة: همَّ بها ثم تركها ((كتبها الله عنده حسنة كاملة)) فأكدهما بكاملة، وإن عملها ((كتبها سيئة واحدة)) فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، وبالله التوفيق.

منزلة الحديث:

◙ قال ابن بطال رحمه الله: في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة؛ لأنه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة؛ لأن عمل العباد للسيئات أكثر من عملهم الحسنات[1].

◙ قال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذا حديث شريف عظيم، بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقدار تفضُّل الله عز وجل على خلقه: بأن جعل همَّ العبدِ بالحسنة وإن لم يعملها: حسنةً، وجعل همَّه بالسيئة وإن لم يعملها: حسنةً، وإن عملها: سيئةً واحدةً، فإن عمل الحسنة كتبها الله عشرًا، وهذا الفضل العظيم بأن ضاعف لهم الحسنات، ولم يضاعف عليهم السيئات[2].

 

◙ قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هذا الحديث حديث شريف عظيم، جامع لأصناف الخير ومقادير الحسنات والسيئات، بيَّن فيه صلى الله عليه وسلم عن ربه ما تفضَّل الله تعالى به على عبيده[3].

◙ قال المناوي رحمه الله: وأَعْظِمْ بمضمون هذا الحديث مِن منَّة! إذ لولاه لما دخَل أحدٌ الجنَّة؛ لغلَبة السيئات على الحسنات[4].

◙ قال الجرداني رحمه الله: ثم إن هذا الحديث حديث عظيم، دالٌّ على عِظَمِ فضل الله على خلقه، ورأفته بهم[5].

◙ قال الشبشيري رحمه الله: وهو حديث عظيم، دالٌّ على عظيم فضل الله تعالى على خلقه ورأفته بهم كما علمت، وحاصله: أن لفظه طابق معناه من التضعيف والتكميل والاعتناء، وإفراد السيئة فلا يجزى إلا مثلها، وهذا أعظم ما يكون من الإحسان، وأخف ما يكون من المسامحة[6].

◙ قال الفشني رحمه الله: هذا الحديث حديث عظيم، يدل على أفضال الله تعالى على خلقه، ورأفته بهم؛ فهو ربٌّ كريم، وفضله عظيم، يضاعف الحسنات دون السيئات[7].

غريب الحديث:

◙ همَّ: أراد وقصد، والهمُّ بالشيء: القصد إليه بالقلب، والعزم على فعله.

◙ عنده: إشارة إلى الاعتناء بها.

◙ كتبها الله: أمر الحفَظَةَ بكتابتها.

شرح الحديث:

«إن الله كتب الحسنات والسيئات»  أي: أمر الحفَظَةَ بكتابتها، ((ثم بيَّن ذلك))، فلا يحتاج إلى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة؛ لكونه أمرًا مفروغًا منه.

((فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنةً كاملةً)) الهمُّ يعني الإرادة، بأن عقد عزمه عليها؛ أي: إذا أراد الإنسان أن يعمل حسنة ولكنه لم يعملها، كتبها الله له حسنة كاملة لا نقص فيها.

((وإن همَّ بها فعملها، كتبها الله عنده عشر حسناتٍ، إلى سبعمائة ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ))؛ أي: أرادها وعملها وأحسن في عمله بأن أخرجها من الهم إلى ديوان العمل، وكان مخلصًا متبعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يكتبها عشر حسنات؛ ﴿ { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}  ﴾ [الأنعام: 160]، إلى سبعمائة ضِعف، إلى أضعاف كثيرة.

قال النووي رحمه الله: ففيه تصريح بالمذهب الصحيح المختار عند العلماء: أن التضعيف لا يقف على سبعمائة ضِعف، وحكى أبو الحسن أقضى القضاة الماوردي عن بعض العلماء أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ضِعف، وهو غلط؛ لهذا الحديث، والله أعلم[8].

 «وإن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنةً كاملةً»  وذلك فيما إذا تركها لله؛ كما في بعض ألفاظ الحديث: ((لأنه تركها من جرَّائي))؛ أي: من أجلي، فجُوزِيَ في مقابلته بحسنة كاملة لا نقص فيها، قال المناوي: قال في الكشاف: مضاعفة الحسنات فضل، ومكافأة السيئات عدل.

 «وإن همَّ بها فعملها، كتبها الله سيئةً واحدة» يشهد له قوله تعالى: ﴿ { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا } ﴾ [الأنعام: 160].

الفوائد من الحديث:

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه، وما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه يسمى عند أهل العلم: حديثًا قدسيًّا.

2- أن رحمةَ الله سبقت غضبه؛ حيث جعل الحسنة بعَشْر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وأما السيئة فواحدة.

3- أن الحفظة من الملائكة يكتبون أعمال القلوب والجوارح معًا.

4- أسلوب الترغيب والترهيب من أفضل أساليب التربية.

 


[1] فتح الباري (11/ 336 ح 6491).

[2] شرح الأربعين لابن دقيق العيد (140).

[3] فتح المبين (238).

[4] فيض القدير (2/ 313 ح 1763).

[5] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (343).

[6] الجواهر البهية (241).

[7] المجالس السنية (238).

[8] صحيح مسلم شرح النووي (2/ 130 ح 131).


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *