الإسلام منهج ميسر – طريق الإسلام

“مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ”

فالإسلام يهدف إلى وضع علامات هادية، وقواعد إرشادية؛ لتيسير مشقة الحياة والتخفيف من صعوبتها، وتحقيق سعادة الدنيا والآخرة، بأقل تعب وأقصر طريق. فالإسلام جاء بالتخفيف والتيسير على الناس.

 

قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ…} [البقرة:185].

وقال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28].

وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286].

وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [المائدة:6].

وقال تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].

 

ويقول تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157].

 

ومن دلائل اليُسر والسماحة في الشريعة قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

 

ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الأساس في أحاديث كثيرة منها:

قال صلى الله عليه وسلم «يسِّروا ولا تعسِّروا»، وفي رواية:  «إنما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ»؛ [رواه البخاري]، وأوصى اثنين من أصحابه قائلًا:  «يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا»، وفي رواية:  «يَسروا وَلا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «بُعثت بالمِلَّة السمحة الحنيفية البيضاء»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيةِ السمْحَةِ»؛ (رواه الإمام أحمد).

 

وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:  «إن الله يحب أن تُؤْتَى رُخصُهُ كما يحبُّ أن تؤتى عزائمه»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:  «خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لن يَمَلَّ حتى تَمَلُّوا»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:  «هلك المتنطعون».

 

وحين سُئل صلى الله عليه وسلم عن الحج: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: «لو قلت: نعم؛ لوجبت، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم»، وفي رواية:  «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم».

 

وقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ، وهذا يدل على هديه صلى الله عليه وسلم في السماحة واليُسر.

 

وقال صلى الله عليه وسلم «إِن الدينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ»؛ (رواه البخاري).

 

والأمثلة على تيسير الإسلام كثيرة:

ففي الطهارة:

نجد أن الله تعالى أجاز التَّيَمُّم – وهو استخدام التراب – عند فَقْدِ الماء، أو لمَن يتضرَّر باستخدام الماء قال تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}[النساء:43].

 

وليس على المُتَيَمِّم إعادة للصلاة حتى لو وُجِدَ الماء بعد الانتهاء من الصلاة، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} [النساء:28].

 

وفي الصلاة:

يجلس المريض إذا لم يستطع القيام، وإن لم يستطع الجلوس اضطجع، قال الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري: صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:11].

 

ومن التيسير في الصلاة تجد أن مَن نام عن الصلاة أو نسِيها، فليُصَلِّها إذا ذكرها، كذا أخبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم والحديث عند البخاري، وكذلك رخَّص للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وله أن يجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء.

 

وفي الصيام:

فليس علينا إلا صيام شهر واحد في السَّنَة، وقد أجاز الإسلام للمسافر والحامل والمرضع الفطر؛ قال تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، فالإسلام لا يكلِّف أحدًا بما يُعجزه؛ قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]،وهناك قاعدة فقهية: المشقة تجلب التيسير.

 

وفي نفي الحرج عن أصحاب الأعذار قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].

 

وفي الزكاة:

فتشريعها كله تيسير ورحمة ومصلحة، فالفقراء والمساكين يأخذونها ليسدوا حاجاتهم، والأغنياء يدفعونها لتطهير أموالهم، ومخالفة النفس في الدعوة إلى الشح، وتعلُّم البذل والعطاء، أضف إلى هذا أن زكاة المال لا تَجب إلا على مَن ملك النصاب، والنصاب بسيط يسير، فهو ربع العشر [5,2%].

 

وفي الحج:

فقد فرض الحج في العمر مرة، ويسقط مع عدم الاستطاعة.

 

وفي يوم النحر:

أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -:

ما سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّمَ ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حَرَج»، وذلك للتخفيف عن المكلفين، وحتى لا يتعرَّض المسلمون للمشقة.

 

وفي البيوع:

قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، فأحل الإسلام جميع البيوع وجميع العقود؛ طالما ليست مُحَرَّمة أو فيها غرر، وفي الحثِّ على السماحة في البيع قال النبي صلى الله عليه وسلم «رَحِمَ اللهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى»؛ (رواه البخاري).

 

وفي النكاح:

فقد اعتنى الإسلام باختيار الزوج والزوجة؛ لدوام العشرة والمودة والسكينة والرحمة، وإذا حدث شقاق ونزاع شُرِع الطلاق، وإذا طَلَّق الرجل زوجته، فلا تترك المرأة بيتها طالما في العدة، وهذا فيه ما فيه من المصلحة ما هو معلوم، فالغضب سوف يزول عنهما، وتبقى المودة والرحمة فيراجعها.

 

وفي الأطعمة:

حَرَّم الإسلام أكل الميتة، ومع ذلك أحلها، بل أوجبها إن اضْطُرَّ الإنسان أن يأكلها؛ حتى لا يموت، وهذا كله من باب التيسير.

 

وفي الحدود:

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «تعافُّوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدٍّ فقد وجب»؛  (أبو داود).

 

وهذا يدل على أن المقصود ليس هو تتبُّع العثرات، والنبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه وأتباعه في هذا الحديث على أن يستروا على إخوانهم زلاتهم؛ حتى لا يتعرضوا لإقامة الحدِّ عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عند الترمذي بسند فيه مقال:

«ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتُم، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة».

 

فلا يُقام حدٌّ إلا على يقين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا فيما رواه الترمذي بسند صحيح:  «لا تقطع الأيدي في الغزو»، فلو سرق أحد من المسلمين في غزوة لا تُقطع يده؛ لأنه قد يترتب على ذلك مفسدةٌ أكبر، وهي أنه ربما ينحاز للعدو خشيةَ قطع يده.

 

وفي القضاء:

تيسيرًا على المكلفين منَع الإسلام أن يقضي القاضي وهو غضبان؛ حتى لا يقضي قضاءً فيه ظلمٌ لأحد المتخاصمين.

 

وفي الحسبة [الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر]:

تجد أن الإسلام أمرنا أن نأمر بالمعروف بمعروف، وأن ننهى عن المنكر من غير منكرٍ، وأن نوازن بين المصلحة والمفسدة، فإذا كان إنكار المنكر سيؤدي إلى منكر أشدَّ منه، فهنا يجب الإمساك فلا يُنْهَى عن هذا المنكر، وغير ذلك من التيسير الذي تجده في فروع الشريعة، والذي لم يُوجد في أي شريعة أخرى، فالإسلام ليس فيه عنتٌ ولا حرجٌ بوجه من الوجوه، بل رُوحُه التخفيف؛ قال تعالى عن هذا المعنى: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَىَ الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب:37].

 

الإسلام منهج شامل لكل نواحي الحياة، فهو كلمة جامعة تعني الدين الذي رضِيه ربُّ العالمين لعباده أجمعين، وهو يشمل الأخلاق والآداب والعبادات: من صلاة وصيام وزكاة وحج، وغير ذلك، ويشمل كذلك المعاملات من البيع والرهن وأحكام الربا والدَّين، والوصية والزواج والطلاق واللعان والظهار، والميراث والقصاص والدِّيَة، كما يشمل على العقوبات من قطع يد السارق وجلد الزاني.

______________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *