شرح دعاء”-((اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم”
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » ([1]).
المفردات:
الصلاة:أصل الصلاة الدعاء، و التبرك و التمجيد، يقال صليت عليه، أي: دعوت له و زكيت، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ([2])،([3]).
أخبر ربنا تبارك وتعالى أنه هو، وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم قال جلّ شأنه: {“إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ”} (4]).
فدلّت هذه الآية الكريمة
على علوّ منزلة، ورفعة درجته صلى الله عليه وسلم وذلك بأن الرب عز وجل يُصلّي عليه، وملائكته الذين لا يُحصي عددَهم إلا الربُّ سبحانه وتعالى.
وقد اختلف أهل العلم على معنى الصلاة من اللَّه تعالى، بعد إجماعهم بأن أصل الصلاة في اللغة كما سبق هي الدعاء، وشواهد ذلك كثيرة، فأصح ما قيل في معنى صلاة اللَّه تعالى، ما ذكره البخاري رحمه اللَّه تعالى في صحيحه عن كبير التابعين، أبي العالية رحمه اللَّه تعالى أنه قال: ( «صلاة اللَّه على رسوله ثناؤه عليه عند الملأ الأعلى» )([5]).
وذكر العلامة ابن القيم رحمه اللَّه: (أن صلاة اللَّه تبارك وتعالى على عبده نوعان: عامة، وخاصة، أما العامة: فهي صلاته على عباده المؤمنين، قال تعالى: ” {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} ” ([6]).
ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على آحاد المؤمنين، كقوله: ( «اللَّهم صل على آل أبي أوفى» )([7]).
النوع الثاني: صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله، خصوصاً على خاتمهم، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم ([8]).
وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أمر اللَّه تعالى لنا أن نصلي عليه، وأن نجتهد في الإكثار منها، قال صلى الله عليه وسلم : ( «صلوا عليَّ، واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللَّهم صلِّ على محمد و على آل محمد» )([9]).
فهذا الأمر من الشارع الحكيم بالصلاة عليه فيه أولاً: (اقتداء باللَّه تعالى و ملائكته).
وثانياً: (جزاءً له بعض حقوقه علينا).
وثالثاً: (تكميلاً لإيماننا)([10]).
وقد بشر صلى الله عليه وسلم:” أنَّ من صلَّى عليه، نال الأجر المضاعف من خيري الدنيا و الآخرة، فقال:”من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه بها عشراً ” ([11]).
وفي رواية: ( «من صلى عليَّ من أمتي صلاةً مخلصاً من قلبه، صلى اللَّه عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات» )([12]).
و أخبر صلى الله عليه وسلم أن أولى الناس به يوم القيامة، و أقربهم منه أكثرهم عليه صلاة عن إيمان، و عن محبة له و اتباع لشريعته) ([13]): ( « إنَّ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة » )([14]).
و قوله تعالى ” {وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} “([15]): (أي ادعوا اللَّه أن يسلمه تسليماً تاماً، أي اسألوا اللَّه له السلامة من كل آفة في حياته، ومن كل بلاء في حشره عليه الصلاة والسلام؛ ( «وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» )([16])، فقول المسلم: اللَّهم صل على محمد، يعني سلّمه من الآفات الجسدية حياً وميتاً، وكذلك يتضمّن الدعاء بالسلامة لدينه وشريعته أن يسلمها اللَّه تعالى من الأعداء، فلا يسطو عليها بتحريف أو تغيير، إلا سلَّط اللَّه عليه من يُبَيِّن ذلك، وهذا هو الواقع وللَّه الحمد والمنة)([17]).
(فصلاة العبد على الرسول هي ثناء على الرسول، وإرادة من اللَّه أن يُعليَ ذكره، ويزيده تعظيماً وتشريفاً، والجزاء من جنس العمل، فمن أثنى على رسوله جزاه اللَّه من جنس عمله بأن يثني عليه، ويزيد تشريفه وتكريمه)([18]).
و قوله صلى الله عليه وسلم (وعلى آل محمد): فالصحيح أن معنى الآل:
1- من تحرم عليهم الصدقة.
2- أنهم ذريته وأزواجه خاصة([19]).
و قوله: (وبارك على محمد) البركة هي:
1- الثبوت واللزوم، ومنه قول: برك البعير يبرك بروكاً.
2- النماء والزيادة([20]).
(والتبريك: الدعاء بذلك، فهذا الدعاء يتضمّن إعطاء من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة)([21]).
وقوله: (إنك حميد مجيد): ختم الدعاء بأحسن الختام، باسمين من أسماء اللَّه تبارك وتعالى الحسنى، وأكده بـ(إنَّ) زيادة في التأكيد و(الحميد): صيغة مبالغة على وزن (فعيل)، والحمد نقيض الذم، وهو أعمُّ وأصدق في الثناء على المحمود من المدح والشكر([22])، فاللَّه تبارك وتعالى هو المحمود في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أتمَّها وأحسنها، فإنها دائرة بين الفضل والحكمة والعدل([23]).
و(المجيد): من صيغ المبالغة على وزن (فعيل): وأصل المجد: السعة، والكثرة، يقال: رجل ماجدٌ إذا كان سخياً، واسع العطاء، ويدلّ كذلك على الشرف، والرفعة، وعظم القدر، والشأن، والجلال([24]).
وفي اقتران هذين الاسمين الكريمين يدل على معنى زائد في الكمال: (لأن الواحد قد يكون منيعاً غير محمود، كاللص المتحصن وقد يكون محموداً غير منيع، أما المجيد، فهو من جمع بينهما، وكان منيعاً لا يرام، وكان في منعته حميد الخصال، جميل الأفعال)([25])، فاستحق تعالى الحمد على مجده، لكماله، وسعة جلالة صفاته التي لا منتهى لها من الكمال والمجد.
ولما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثناء اللَّه تعالى، وتكريمه، والتنويه به، ورفع ذكره، وزيادة حُبِّه وتقريبه كما تقدم، كانت مشتملة على الحمد والمجد، فكأن المصلي طلب من اللَّه تعالى أن يزيد في حمده ومجده، فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذا حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له، وهذا كما تقدم أن الداعي يُشرع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب لمطلوبه، أو يفتتح دعاءه به، وتقدم أن هذا من قوله تعالى: “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا”([26])،([27]).
[وقد ذكر المؤلف وفقه اللَّه الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام الأدعية؛ لأن هذا من الآداب التي يحتاجها المسلم في دعائه: يبدأ بحمد اللَّه، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يختم دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في آداب الدعاء].([1]) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3370، وما بين المعقوفين من حديث أبي هريرة عند مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي ^ بعد التشهد، برقم 405.
([2]) سورة التوبة، الآية: 103.
([3]) المفردات، ص 490.
([4]) سورة الأحزاب، الآية: 56.
([5]) رواه البخاري تعليقاً، كتاب التفسير، باب قوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي…)، قبل الحديث رقم 4797، وحسنه الألباني رحمه الله في فضل الصلاة على النبي،ص95.
([6]) سورة الأحزاب، الآية: 43.
([7]) البخاري، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، برقك 1497، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بالصدقة، برقم 1078.
([8]) جلاء الأفهام لابن القيم، ص 121.
([9]) أخرجه النسائي، كتاب السهو، نوع آخر، برقم 1292، وفي الكبرى له أيضاً، كتاب الطهارة، وجوب الغسل إذا التقى الختانان، برقم 1216، والطبراني في الكبير، 5/218، برقم 5143، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1292، وصحيح الجامع الصغير، برقم 3783.
([10]) انظر تفسير ابن السعدي، ص788.
([11]) مسلم، كتاب الإيمان، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي ^، ثم يسأل الله له الوسيلة، برقم 384.
([12]) النسائي، كتاب السهو، باب الفضل في الصلاة على النبي ^، برقم 1299، وله في الكبرى، كتاب الأذان، الدعاء عند الأذان، برقم 9809، والبزار، برقم 3160، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1659، وصحيح النسائي، برقم 1297.
([13]) شرح رياض الصالحين للعلامة ابن باز رحمه الله، 4 / 507.
([14]) الترمذي، كتاب الوتر، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي ^، برقم 484، وابن أبي شيبة، 11/ 505، برقم 32474، وابن حبان، 3/ 192، والبيهقي في الكبرى،
3/ 249، وحسّنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1668.
([15]) سورة الأحزاب، الآية: 56.
([16]) البخاري، كتاب الأذان، باب فضل السجود، برقم 806، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم 182.
([17]) شرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين: 4 / 503 – 505.
([18]) جلاء الأفهام، ص 127.
([19]) انظر جلاء الأفهام للعلامة ابن القيم، 166 – 173.
([20]) معجم مقاييس اللغة، 4 / 352.
([21]) جلاء الأفهام، ص 237.
([22]) لسان العرب، 3 / 156، تفسير الطبري، 13 / 179.
([23]) تفسير ابن السعدي، 5/ 624.
([24]) المفردات، ص 463، لسان العرب، 5 / 4138، والمقصد الأسنى، ص 123.
([25]) الأسماء والصفات للبيهقي، 1 / 111.
([26]) سورة الأعراف، الآية: 180.
([27]) جلاء الأفهام، 245 – 246.
Source link