منذ حوالي ساعة
الأمَّة الإسلامية لا حياةَ لها ولا استقامة بدون التمسُّكِ بدِينها، والعمل بأوامره ونواهيه، فهي دائمةٌ بدوام دينها، مضمحلة باضمحلال
لا شكَّ أنَّ الدين الإسلامي دينٌ سماوي، لم يكن لأمَّة من الأمم مثلُه، ولا نزل على نبي من الأنبياء نظيرُه، إذ هو دين عام، مبين لأحوال المجتمع الإسلامي، بل البشرية عامَّة، وبه كمُل النظام، فهو جامع شامِل للمصالح الاجتماعية والأخلاقية، فإنَّه بيَّن الأحوال الشخصية التي بين العبد وبين ربِّه، من صلاة وزكاة، وصوْم وحجّ، وشَرَع نظافة البدن فأمر بغُسْل الجنابة والجُمُعة والعِيدين، أو بعضًا كالوضوء عندَ كل فريضة من الفرائض الخمس.
وشرع أمورَ الفِطرة مِن خِتان، وقصِّ شارب، وتقليم أظفار، ونتْف إِبْط، والسِّواك، وحَلْق العَانَة، كما أرشدَنا الإسلام إلى تجميل الثياب، وأن تكون على أحسن هيئة وأكملها، كما سَنَّ ذلك في الجمعة والعيدين، وهذَّب الأخلاق، فأمر بالصدق في المعاملات، والوفاء بالعقود والعهود والمواعيد، وأوجب ترْكَ الذنوب من زِنًا وخمر، وغِيبة وقذف وسعاية، وشهادة زور، وانحراف في الأحكام، وتحريف لِمَا أباح الله، وحرَّم تغيير الأحكام عن وجهها، وما أريد بها، إلى غير ذلك.
وبالجملة، فإنَّ الدين الإسلامي جامع روابط الأمَّة الإسلامية، بل هو حياتها تدوم بدوامه، وتنعدم إذا انعدَم، وهو مفخرةٌ من مفاخرها العظيمة، ومِن خصائصها، حيث لم يكن لأمَّة من الأمم قبلنا مثله، فلو أنَّ المسلمين تمسَّكوا بأحكام الإسلام وتعاليم دينهم، كما كان آباؤهم الأماجد، لكانوا أرْقَى الأمم، وأسعدَ الناس، ولكن لَمَّا انحرفوا، وحرَّفوا تعاليم دِينهم تنكَّبوا عن الصِّراط المستقيم، وقد جعل الإسلامُ للفقراء حظًّا في مال الأغنياء بالزكوات والكفَّارات؛ لطفًا بهم، وإحسانًا إليهم، ورحمةً بالأغنياء، وتكرمةً لهم، وتحصينًا لأموالهم.
وشَرَع الإسلام الحجَّ؛ ليشهدوا منافع لهم، فتتوافد إليه سائرُ الأمم الإسلامية؛ ليحصلَ اجتماعٌ عام لسائر الأمم التي تَدين به؛ لينتفعَ بعضُهم من بعض مِن علومهم وأحوالهم، ويحصل بذلك التعارفُ والتعاون والتآخي، ولِمَا في ذلك من إعانة أهل الحرمَين الشريفين ليكونَا مركزين عظيمين للإسلام، وهذا بعضٌ مِن مقاصد الحجّ.
كما قد شَرَع الإسلام اجتماعاتٍ أخرى أصغرَ وأيسرَ في الجُمع والأعياد، وبيَّن أحكام المعاملات مِن بَيْع ورِبًا، ورهْن وقرْض، وإجارة وشركات، ووكالات وحوالة وعارية، وغيرها من المعاملات المالية التي تقتضيها القاعدةُ التي عليها مبْنَى علم الاجتماع البشري.
وبيَّن الإسلام كيف تُقام البيوتات، وتؤسَّس العائلات، فندَب إلى الزواج، وحثَّ عليه ورغَّب فيه، وبيَّن العقود التي تعتبر زواجًا، ووضَّح شرطها من رِضًا، ووليّ، وشهود، وغيرها، وما خالف ذلك فهو سِفاح، أو قريبٌ منه.
وأمَر بسَدْلِ الحِجاب للنساء؛ صيانةً للنسْل، وإبعادًا للمَظِنَّة، وراحةً لكل ضمير.
وبيَّن أحكام الجنايات كالقِصاص في النفس والطَّرَف، وما يُشترط لذلك.
كما بيَّن ما يلزم لحِفظ المجتمع العام مِن نَصْب إمام، وشروط استحقاقه للإمامة، وما يجب له مِن طاعة، وما يجب عليه من المشورة، والعمل بالشريعة، وإقامة العدْل بين أصناف الرعية، ثم إنَّ الإسلام قسَّم السلطة، فجعلها خططًا، منها القضاء فحدَّد للقاضي خطتَه من فصْل الخصومات، والنظر في أموال غيرِ المرشد، والحَجْر على مَن يستوجبه، إلى غير ذلك، وبيَّن خطة الشاهد، وكيفية تحمل الشهادة وأدائها، وممَّن تُقبل، وعلى مَن تُردّ، وأمر بإثباتها وعدم كِتمانها، كما بيَّن خطة المحتسِب، ثم بقية الخطط.
وبيَّن حُكم مَن خرج عن طاعة الإمام، بأن يقاتلَ حتى يفيء إلى أمر الله.
وبيَّن كيف تُعامل الأمم الأجنبية، فيما إذا وقع حرْب معها، وفي حالة مسالمتها.
وأَمَر بتحسين الجِوار، وإقامة الحدود على مَن أخاف السبيل، وخالف ما أمرتْ به الشريعة، وبالجملة فقدِ استقصى هذا الدِّين الإسلامي العظيم جميعَ الشؤون الاجتماعية، وبيَّنها أحسن بيان، مما يعجز عن مثله عقلاءُ البشر، حتى دخل مع الرجل في بيته وحَكَم بينه وبين امرأته، وبيَّن ما له عليها من الحقوق، وما لها عليه مِن مثل ذلك، وبيَّن ما عسى أن يقع بينهما من خِلاف في المستقبل.
كما حَكَم الإسلام بين الرجل وبين ولده، وبينه وبين نفسه، في حياته وبعدَ وفاته، كأوقافه ووصاياه، وما يصحُّ منها وما لا يصحُّ، وقسم مواريثه، وبيَّن أحكام تغسيله وتكفينه ودفنه – كل هذا لأجْل أن تنتظمَ الحياة انتظامًا كاملًا، ويعيش المسلِم عيشةً هنيئة منتظمة؛ ليتمكَّن معها لإعداد الزاد ليوم المعاد، والتأهُّب لِمَا بعد الموت، فالدِّين الإسلامي نظامٌ عام للمجتمع البشري الإسلامي، فإنَّه تامُّ الإحكام ثابتُ المباني، دين سماوي لم يَدَعْ شاذَّة ولا فاذَّة إلا بيَّنها أحسنَ بيان، ووضَّحها أتمَّ إيضاح، وما دخلت الأمم الكثيرة في الإسلام أفواجًا أفواجًا، واتَّسعتْ دائرة الإسلام، فانتشرتِ الأمة الإسلامية مادةً جَناحَها من نهر الفاتح في الهند شرقًا، إلى إفريقيا، ثم إلى أواسط أوربا في زمن قليلٍ إلاَّ باحترام الحقوق، والعمل بقواعد الإسلام، والتسوية بيْن طبقات المسلمين، مَلِكهم وصُعلوكهم، وصغيرهم وكبيرهم فيه على سواء.
فالأمَّة الإسلامية لا حياةَ لها ولا استقامة بدون التمسُّكِ بدِينها، والعمل بأوامره ونواهيه، فهي دائمةٌ بدوام دينها، مضمحلة باضمحلاله، ساقطة إذا أهملتْ تعاليم دِينها القويم، كما قال بعضُ أعداء المسلمين، فقد كانتِ الأمم تقتبس من قواعده وأصوله، وتختاره على كثير من قوانينها الوضعية، فأنْصف الإسلامَ كثيرٌ من عقلائهم، واعترفوا بأنَّ مدنية أوربا الحديثة لم تكن إلاَّ بتعاليم الإسلام، والأخْذِ بقواعده ومبانيه، قال بعضُ حُكماء أوربا ممَّن أنصف بأنَّ نشأة مدنيتها الحديثة إنَّما كانت رشاشًا من نور الإسلام، فاض عليها من الأندلس، ومِن صفحات الكُتب التي أخذوها في حُروبهم مع المسلمين في الغَرْب والشرق.
وفَّق الله المسلمين للتمسُّك بدِينهم، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.
وصلَّى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه وسلم[1].
[1] من رسالة “توجيهات إسلامية” لفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد حميد – رحمه الله تعالى -: (ص 18 – 21).
Source link