خيرية الأمة الإسلامية – طريق الإسلام

الله عز وجل يصف الأمة المسلمة لنفسها! ليعرفها مكانها وقيمتها وحقيقتها، في هذا المقطع من الآية الكريمة: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

 {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

 

للأسف إن الكثير من المسلمين لا يدركون عظمة وقيمة ومكانة ومسئولية الأمة الإسلامية، خاصة في هذه الأيام التي سيطر فيها أعداء الله على عقول هؤلاء المسلمين، وأصبحت هناك تبعية فكرية لأعداء الله على هذا الفكر، يقوده أصحاب المصالح الدنيوية.

 

وللأسف هناك من فقد قناعته بخيرية الأمة الإسلامية بسبب تحكم أصحاب الهوى في قيادة دفة الأمة الإسلامية حتى في أمور دينها، وتفرقت الأمة إلى مذاهب، وشيع وجماعات، وفرق.

 

ولكن الله عز وجل يصف الأمة المسلمة لنفسها! ليعرفها مكانها وقيمتها وحقيقتها، في هذا المقطع من الآية الكريمة: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

 

إن الله يضع على كاهل الأمة الإسلامية في الأرض واجبًا ثقيلًا، بقدر ما يكرم هذه الأمة ويرفع مقامها، ويفردها بمكان خاص لا تبلغه أمة أخرى.

 

أيها المسلم: هيا بنا نتدبر قول ربنا لنا في هذه الكلمات وبراعة بيانها لنفهم: من نحن، وما قيمتنا، بعيدا عن نسبنا، وقبيلتنا، ووطننا الذي نعيش فيه، وعشيرتنا التي ننتمي إليها، أو الزعامات التي تضع نفسها في مقامات لتسيطر على مقدرات الآخرين، سواء كانت زعامات دينية أو سياسية، أو وطنية، أو حزبية أو قبلية…

 

إن التعبير بكلمة: ” أخرجت ” المبني للمجهول، تعبير يلفت النظر، وهو يكاد يشي بالقدرة المدبرة اللطيفة، تخرج هذه الأمة إخراجا؛ وتدفعها إلى الظهور دفعا من ظلمات الغيب، ومن وراء الستار السرمدي الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله.. إنها كلمة تصور حركة خفية المسرى، لطيفة الدبيب، حركة تخرج على مسرح الوجود أمة..

 

أمة ذات دور خاص، لها مقام خاص، ولها حساب خاص:

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

 

وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، بما أنها هي خير أمة، والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض، ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية، إنما ينبغي دائما أن تعطي هذه الأمم مما لديها، وأن يكون لديها دائمًا ما تعطيه.. ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح.. هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، وتحتمه عليها غاية وجودها. واجبها أن تكون في الطليعة دائما، وفي مركز القيادة دائما. ولهذا المركز تبعاته، فهو لا يؤخذ ادعاء، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلًا له.. وهي بتصورها الاعتقادي، وبنظامها الاجتماعي أهل له.. فيبقى عليها أن تكون بتقدمها العلمي، وبعمارتها للأرض – قياما بحق الخلافة – أهلا له كذلك… ومن هذا يتبين أن المنهج الذي تقوم عليه هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير؛ ويدفعها إلى السبق في كل مجال… لو أنها تتبعه وتلتزم به، وتدرك مقتضياته وتكاليفه.

 

وأول مقتضيات هذا المكان، أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد، وأن تكون لها القوة في كل المجالات التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهي خير أمة أخرجت للناس.. لا عن مجاملة أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف – تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا – وليس توزيع الاختصاصات والكرامات كما كان أهل الكتاب يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18].

 

وكما نسمعه الآن ونعيشه وتقوله كل فرقة من الفرق.

 

كلا! إنما هو العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر، وإقامتها على المعروف، مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر.

 

{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}

 

فهو النهوض بتكاليف الأمة الخيرة، بكل ما وراء هذه التكاليف من متاعب، وبكل ما في طريقها من أشواك… إنه التعرض للشر والتحريض على الخير وصيانة المجتمع من عوامل الفساد… وكل هذا متعبٌ شاق، ولكنه كذلك ضروري لإقامة المجتمع الصالح وصيانته؛ ولتحقيق الصورة التي يحب الله أن تكون عليها الحياة…

 

ولا بد من الإيمان بالله ليوضع الميزان الصحيح للقيم، والتعريف الصحيح للمعروف والمنكر. فإن إصلاح الأمة وحده لا يكفي، فقد يعم الفساد حتى تضطرب الموازين وتختل، ولا بد من الرجوع إلى تصور ثابت للخير وللشر، وللفضيلة والرذيلة، وللمعروف والمنكر يستند إلى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الأجيال.

 

وهذا ما يحققه الإيمان، بإقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه، وللإنسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون.. ومن هذا التصور العام تنبثق القواعد الأخلاقية، ومن الباعث على إرضاء الله وتوقي غضبه يندفع الناس لتحقيق هذه القواعد. ومن سلطان الله في الضمائر، وسلطان شريعته في المجتمع تقوم الحراسة على هذه القواعد كذلك.

 

ثم لا بد من الإيمان أيضا ليملك الدعاة إلى الخير، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، أن يمضوا في هذا الطريق الشاق، ويحتملوا تكاليفه وهم يواجهون طاغوت الشر في عنفوانه وجبروته، ويواجهون طاغوت الشهوة في عرامتها وشدتها، ويواجهون هبوط الأرواح، وكلل العزائم، وثقلة المطامع… وزادهم هو الإيمان، وعدتهم هي الإيمان، وسندهم هو الله… وكل زاد سوى زاد الإيمان ينفد، وكل عدة سوى عدة الإيمان تفل، وكل سند غير سند الله ينهار!

 

هنا وصف الله سبحانه الأمة الإسلامية بأن هذه صفتها. ليدلها على أنها لا توجد وجودا حقيقيا إلا أن تتوافر فيها هذه السمة الأساسية، التي تعرف بها في المجتمع الإنساني. فإما أن تقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – مع الإيمان بالله – فهي موجودة وهي مسلمة. وأما أن لا تقوم بشيء من هذا فهي غير موجودة، وغير متحققة فيها صفة الإسلام.

______________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء قنوت الوتر – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِنِي فِيْمَنْ عَافَيْتَ، وتَولَّنِي فِيْمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *