منذ حوالي ساعة
الكلُّ عليه واجبٌ، والكلُّ مُكمِّل للآخَر، ولا يمكن أنْ ينتظم أمر المجتمع إلا إذا قام كلٌّ من الرجل والمرأة بواجبه وما هُيِّئ له.
الحمد لله الذي خلق البشر من ذكر وأنثى، وخصَّ كلَّ نوع بطبائع وأعمال وفضائل لا تحصى، ونهى كلَّ واحد من النوعين عن أنْ يتعدَّى ما حدَّ له، حكمة بالغة، وربك أعلم حيث يجعل رسالته.
أحمده – سبحانه – وأشكره، والشكر له من نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته، والداعين بدعوته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عبادَ الله:
اتَّقوا الله – تعالى – واعلموا أنَّ الله قد خلقكم في أكمل صورة وأحسن تقويم، وميَّزكم بالعقول، وكرَّمكم وفضَّلكم على كثيرٍ ممَّن خلق، فاتَّقوا الله ولا تعتدوا، ولا تعارضوا حكمة الله، لقد ابتُلِي كثيرٌ من الرجال – وخصوصًا الشباب – بالتزيِّي بزيِّ النساء، ومحاكاتهن في الحركات والسكنات، حتى في النعومة التي هي من خَصائص النساء، فقد جنى على لحيته بالحلق والنَّتف، وأصبحت شغله الشاغل يتَعاهَدها بالموسى صباحَ مساءَ، ويودُّ قطع دابر شعرها، ولو كان ذلك بالكي بالنار، حتى يبقى وجهه كوجْه العذراء، لا فرقَ بينه وبينها، اللهم إلا بشيءٍ خفيٍّ يتحاشى من ذكره، فقد نعَّم الوجه وسرَّح الشعر – وإنْ كان صناعيًّا – وتختّم بالذهب، ولبس الرقيق من الثياب الضيِّقة، كما فعلت المرأة هي الأخرى بإبراز محاسنها ومفاتنها للرجال الأجانب لقد اعتَدَى بفعله هذه على خلق الله، وعارَض حكمة الله، وزاحَم ربَّات الخدور في خَصائصهنَّ، ولم يبقَ إلا أنْ يطالب بالحمل والوضع والنفاس وعطلته، والبقاء في البيت لتربية الأطفال، وترتيب الأعمال المنزلية، ولعلَّه يعتذر بأنَّ المرأة تركت عملها في البيت فأراد أنْ يقوم به.
نعم؛ قد يكون ممكنًا تربية الأطفال، والقيام بالأعمال المنزلية من قِبَلِ الرجل إذا رضي لنفسه بذلك، لكن هل يكون ممكنًا أنْ يقوم ببقيَّة خصائص المرأة؟
فيا سبحان الله! ما أضعف العقول إذا لم تُوفَّق إلى التفكير في خلق الله وحكمته، وترضى بما رضي الله به لها، وتعلم علمًا يقينًا أنَّ الذي خلقها هو العالم بما يَصلُح لها، ويصلحها في أمر دِينها ودُنياها.
فيا مَن تخلَّى عن رجولته وقوَّته، وشجاعته وشهامته، وعزَّته وكرامته، واستبدل بذلك أنوثة النساء، وضعفهن وميوعتهن، أتظنُّ أنَّ النساء اللاتي يطالبن بالمساواة بالرجل سيقمن بما تخليت عنه؟ أم تريد أنْ تكون أنت والمرأة سَواء في جميع الخصائص والأفعال؟ فهل يمكن ذلك؟ وهل يقوم به مَن وهبه الله عقلًا يميِّز به؟!
ويا أيتها المرأة المطالِبة بالمساواة بالرجل، ماذا تريدين بالمساواة؟ هل تريدين أنْ تنزلي في المناجم وتحفري بآلات الحفر الثقيلة، أم تريدين أنْ ترصفي الطرق، وتشقي الأنهار والمجاري وتقيمي القناطر، وتمهِّدي المرتفعات وتقيمي السدود، كلُّ ذلك تحت وطأة الشمس، وحرارة القيظ والرياح، وتصاعُد الغبار في الصحاري؟ أم تريدين أنْ تُرابِطي في الثغور، وتكمني في الخنادق، وتركبي الدبَّابة، وتُقابِلي الأعداء، وترمي بالمدفع؟ أم تريدين أنْ تُشارِكيه في المكتب والمتجر، وما يناسب طبعك وجسمك وتحلين معه في أماكن الترفيه واللذة، وثالثكما الشيطان؟
لعل هذا الأخير هو ما تريدين، لقد عارضتِ حكمةَ الله بمطالبك الشاذَّة، فأولى لك أنْ ترجعي إلى رشدك، وترضي بما رضي الله لك، ولا تعتقدي أنَّ في ذلك نقصًا وغضاضةً عليك، فما عليك من واجبٍ وما تَقُومين به لا يمكن أنْ يقوم به الرجل، وما تسدِّينه من ثغرة في المجتمع، لا يمكن أنْ يسدَّها الرجل، فالكلُّ عليه واجبٌ، والكلُّ مُكمِّل للآخَر، ولا يمكن أنْ ينتظم أمر المجتمع إلا إذا قام كلٌّ من الرجل والمرأة بواجبه وما هُيِّئ له.
كما أنَّك – أيتها المرأة – في الأعمال الخيرية مشاركة الرجل، إذا عملت بتعاليم ربك؛ قال – تعالى -: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وقال – سبحانه وتعالى -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
فالله قد جعل لكلٍّ من الرجل والمرأة أعمالًا، وخصائص تتَّفق مع خِلقته وطبعه، أمَّا الأعمال الصالحة التي يُقدِّمها الرجل والمرأة، فكلٌّ منهما يُثاب على عمله.
فيا أيها الرجل، لا تتخلَّ عن رجولتك وقوامتك، الرجال قوّامون على النساء.
ويا أيتها المرأة، لا تتعدي حدودك، واعرفي طبعك وما يلائمك، والكلُّ عليه واجب لا يقوم به الآخَر، فإذا تخلَّى واحدٌ من الرجل والمرأة عن واجبه، أو تدخَّل في واجب الآخر، اختلَّ نظام المجتمع.
فيا عبادَ الله:
أيها الرجال والنساء، اتَّقوا الله في أنفسكم، ولا تجهلوا أو تتجاهلوا واجبَ كلٍّ منكم، ولا يتشبَّه البعض منكم بالبعض الآخر، فيعرض نفسه للعنة الله؛ ففي الصحيح أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»[1].
وفي روايةٍ: «لعن الله الرَّجُلة من النساء»[2].
وفي رواية أخرى: «لعنَّ الله المخنَّثين من الرجال والمترجِّلات من النساء»[3].
قال الله العظيم: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
[1] البخاري: (5885) – الفتح: 10/345. [2] أبو داود (4099). [3] البخاري: (6834) – الفتح: 12/165.
_____________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
Source link