صلاة الضحى: فقد جاء في الحديث: «يُصْبحُ علَى كلِّ سُلَامَى مِنْ أحدِكم صدقةٌ، فكلُّ تَسْبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكرِ صدقةٌ، ويُجزئُ من ذلك ركعتانِ يركعهما من الضُّحَى»
أيها المسلمون، قد شرع الله سبحانه لعباده أعمالًا صالحة، منها الشاق الصعب الذي يتثاقل منه أكثر الناس، ولا يستطيع القيام به إلا قلة قليلة ممن خلق الله؛ مثل: الجهاد في سبيل الله، والصلاة في جوف الليل الآخر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، وطلب العلم وتعليمه للناس، وحفظ القرآن الكريم بقراءة واحدة أو بأكثر من قراءة، أو حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة الصحيح والضعيف منها.
لكن هناك أعمال قد شرعها الله تعالى يسيرة في العمل عظيمة في الأجر، يمكن لأي مسلم أن يقوم بها، ولا تكلفه جهدًا كبيرًا لا في البدن ولا في المال، ومثل هذه الأعمال اليسيرة مما ينبغي للمسلم أن يحرص على القيام بها، والالتزام المستمر لها، فمن ذلك:
• صلاة الضحى: فقد جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم في صحيحه عَنْ أبي ذَرٍّ – رضي الله عنه – أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يُصْبحُ علَى كلِّ سُلَامَى مِنْ أحدِكم صدقةٌ، فكلُّ تَسْبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكرِ صدقةٌ، ويُجزئُ من ذلك ركعتانِ يركعهما من الضُّحَى».
فهذه صلاة تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة في كل يوم، ومن يستطيع أن يتصدق كل يوم بهذا العدد من الصدقات؟!
وصلاة الضحى تبدأ بعد ارتفاع الشمس قدر رمح بعد طلوعها وتستمر حتى قبل صلاة الظهر بقليل، فما أوسع وقتها! وما أسهل فعلها! وما أعظم أجرها!
• ومن ذلك: صيام يوم في سبيل الله: فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، وذهب بعض أهل العلم إلى أن معنى «في سبيل الله»؛ أي: في طاعة الله.
• ومن ذلك: السعي على الأرملة والمسكين: فقد روى البخاري ومسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ».
قال ابن هبيرة: “والمراد أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد في دفعة؛ وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدر، وأرضاها عن ربها، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه؛ فأنفق هذا فضل قوته، وتصدَّق بجَلدِه؛ فكان نفعه إذًا يُكافئ الصوم والقيام والجهاد”.
• ومن ذلك: المحافظة على السنن الرواتب: فقد روى مسلم في صحيحه عن أم حبيبةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن صلَّى اثنتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ؛ بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة»، وفي رواية: «تطوُّعًا»، ووضحها الترمذي في روايته: «أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر».
والمحافظة على هذه السنن الرواتب يتطلب قبل ذلك المحافظة على الصلوات الخمس.
ومن حافظ على صلاتي الفجر والعشاء جماعة في المسجد، فقد نال أجرًا عظيمًا، والموفق من يستحضر أجر حضور صلاة الفجر والعشاء في المسجد، فقد روى مسلم في صحيحه عن عُثْمَان بْن عَفَّانَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ».
فأي عذر بعد هذا في التفريط في أداء صلاة العشاء والفجر جماعة في المسجد؟!
• ومن ذلك: تفطير الصائمين: فقد جاء عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»؛ (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) .
وكم تبلغ كلفة تفطير الصائم في أيامنا هذه؟ إنها لا تعدو أن تكون مبالغَ يسيرةً يستطيع الكثير من الناس القيام بهذا الفعل.
أيها المسلمون، وتلك الأعمال اليسيرة ذوات الأجور العظيمة:
كفالة اليتيم: فقد روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما.
واليوم تتكفَّل كثير من جمعيات العناية باليتيم القيام بكثير مما يحتاج إليه اليتيم من رعاية وتعليم واهتمام، والمطلوب من المسلم أن يدفع مبلغًا يسيرًا يتكفَّل بمصاريف تعليمه وتربيته والاهتمام به.
ومن ذلك أيضًا: ذكر الله تعالى، وهو من أيسر الأمور على العبد المؤمن، وأسهل الطرق لبلوغ الدرجات العلى بأقل جهد.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وصححه الألباني عن عبدالله بن بشر رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فدلني على شيء أتمسَّك به، فقال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل».
وأما الذكر فأنواع كثيرة، فمنها ما جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ قَالَ: “سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ” فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».
وفي رواية مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: “سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ” مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ».
وهذه الأذكار لمن عجز عن قراءة القرآن أو لم يستطع أن يحفظ منه شيئًا.
أيها المسلمون، إن من أعظم ثمار هذه الأعمال اليسيرة، هي أن يظل المسلم بسببها في تعَلُّق دائم بالله تعالى، وألا ينقطع عن العبادة، أيًّا كانت هذه العبادة. فالمهم أن يبقى المؤمن في دائرة الطاعة والمنافسة في الوصول للدرجات العلى في الجنة.
وحال المسلم في الدنيا أن يكون في طاعة الله أو في معصيته، وهو بين داعٍ يدعوه إلى طاعة الرحمن أو داعٍ يدعوه إلى طاعة الشيطان.
وإذا لم يغلق الطريق على دعاة الشيطان بمثل هذه الأعمال، فإن النفس تضعف، والأذن تستمع لأقوال المفسدين، ثم يجد المرء نفسه قد وقع في معصية الله وابتعد عن طاعته.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل طاعته، ويثبتنا على الطاعة والاستقامة، وأن يحول بيننا وبين معصيته ومن يسير في طريقها.
___________________________________________________
الكاتب: ساير بن هليل المسباح
Source link