الأضـحـيـة عـبـادة مـن أعـظـم شـعـائر الإسـلام، وهي من أفـضـل الـقـربات عـنـد الله تعالى؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالذبح وإراقة الدماء من أفضل القربات والعبادات التي أمر الله بها وأعظمها وأجلها
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن يومَ النحر يومٌ من أيام الله تبارك تعالى العظيمة، وفيه ما فيه من الفضائل الجليلة، ومنها:
(1) ــ أنه خير الأيام عند الله:
عن عبدالله بن قرط، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر» [1].
(يوم القر) يعني: اليوم الذي يلي يوم النحر؛ أي: يوم الحادي عشر من ذي الحجة؛ لأن الناس يقرون-أي: يستقرون- فيه بمنًى بعد أن فرغوا من طواف الإفاضة والنحر، واستراحوا.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله- عن:
((أيما أفضل: يوم عرفة أو الجمعة أو الفطر أو النحر؟)).
فأجاب:
الحمد لله، أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء. وأفضل أيام العام هو يوم النحر. وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو الصحيح؛ لأن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر»؛ لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم النحر هو يوم الحج الأكبر». وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره: كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر والحلق.
وطواف الإفاضة فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنة واتفاق العلماء، والله أعلم [2].
(2) ــ أنه من العشر الأول من ذي الحجة:
والعشر الأول من ذي الحجة أيام مباركة ولها فضل عظيم، ومن ذلك:
أقسم الله بها، وهي أفضل أيام الدنيا، وهي الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره، فيها أيام عظيمة، وكان السلف يُعظِّمونها، والعمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من غيرها، وتجتمع فيها أمهات العبادات، والأجور فيها مضاعفة….إلخ.
وهو أفضل أيام العشر- على قول بعض أهل العلم [3]-.
(3) ــ أنه يوم أقسم الله تعالى به:
والعظيم لا يقسم إلا بعظيم.
قال الله تبارك وتعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 1 – 3].
على وجه من وجوه التفسير [4]، الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة.
قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: ((الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة))[5].
وهو مروي عن عكرمة [6]، والضحاك [7].
(4) ــ أنه خاتمة العشر الأُول من ذي الحجة:
وهي خاتمة الأشهر المعلومات- أشهر الحج- على قول الجمهور [8].
قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة[9].
وهو مروي عن عبدالله بن مسعود [10]، وابن عباس- رضي الله عنهما- بأسانيد ضعيفة [11].
وقد ثبت عن الشعبي [12]، والضحاك [13].
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- عن هذا القول:
((وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وعبدالله بن الزبير، وابن عباس، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، ومكحول، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان؛ وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وأبي يوسف، وأبي ثور، رحمهم الله))[14].
والعمل في الخاتمة أفضل وأكمل؛ فهو إلى الله تعالى أحب [15].
(5) ــ أنه يوم الحج الأكبر:
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، وقال: هذا يوم الحج الأكبر [16].
لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم، ففيه يفعل الحجاج ما يلي:
أ ــ رمي جمرة العقبة.
ب ــ النحر.
ج ــ الحلق أو التقصير.
د ــ الطواف.
هـ ــ السعي.
(6) ــ أنه يوم عيد المسلمين:
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» [17].
(7) ــ جعل الله فيه شعيرة من أعظم الشعائر، وهي الأضحية:
جعل الله تعالى وقوع الأضحية في يوم النحر.
والأضحية علم للملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية في هذه العشر- في يوم النحر، وهو اليوم العاشر-.
والأضحية عبادة من أعظم شعائر الإسلام، ومن أفضل القربات والعبادات عند الله تعالى.
ومما يدل على فضلها وعلوِّ مكانتها:
أولًا:
الأضـحـيـة عـبـادة مـن أعـظـم شـعـائر الإسـلام، وهي من أفـضـل الـقـربات عـنـد الله تعالى؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالذبح وإراقة الدماء من أفضل القربات والعبادات التي أمر الله بها وأعظمها وأجلها، وقد بيَّنت النصوص الشرعية أن الله تعالى أمر بإراقة الدماء تقربًا إليه، فقال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
قال جماعة من أهل التفسير: المقصود بذلك: النسك في يوم الأضحى [18].
وقالوا: المراد: صلِّ العيد، وانحر النُّسُك يوم الأضحى [19].
وقد اختلف العلماء- رحمهم الله- في تفسير هذه الآية على أقوال كثيرة، وأقواها ما رجَّحه ابن جرير الطبري في تفسيره أن الآية عامة؛ أي: اجعل صلاتك كلها لربِّك تبارك وتعالى خالصةً له دون غيره، وكذلك اجعل نَحْرَك كله لله [20].
ثانيًا:
أنها عبادة متكررة كل عام؛ وهذا يدل على محبة الله لها.
ثالثًا:
قد أوجب هذه العبادة بعض العلماء [21]، وهذا يدل على أهميتها وعظمتها، وفضلها.
رابعًا:
سمي عيد المسلمين باسم هذه العبادة- عيد الأضحى- وإن دل هذا فإنما يدل على قيمة هذه العبادة وأهميتها وشرفها.
خامسًا:
هي عبادة مالية بدنية متعدية.
واعلم- رحمني الله وإياك- أن العبادات أنواع، منها:
المالي فحسب: كالصدقة.
البدني فحسب: كالصلاة، والصوم.
ومنها عبادات مشتركة (مالية بدنية): كالحج؛ ففيه جزء مالي (النفقة، والزاد، والراحلة)، وجزء آخر بدني (يتعلق بالـمــناسك).
النحر: عبادة مالية (من حيث شراء الأضحية)، وبدنية من جهة (النحر، والقيام به بضوابطه).
سادسًا:
أن الأضحية سنة مباركة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ضحَّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشَينِ أمْلَحْينِ أقْرَنَينِ، ذبحهما بيده، وسمَّى، وكبَّر، ووضع رجله على صفاحهما [22].
سابعًا:
أن الأضحية تأتي يوم فرح وسرور، أثناء أداء الحجيج عبادة الحج، أو تأتي بعد العبادة؛ أي: في عشر ذي الحجة لمن لم يحج.
فتأمل! هذه العبادة الجليلة، التي لها هذه الفضائل العظيمة شرعها الله تعالى في يوم النحر المبارك.
وبالله التوفيق.
[1] صحيح: رواه أحمد (19075)، أبو داود (1765)، وابن خزيمة (2866)، وابن حبان (2811). [2] مجموع الفتاوى، ابن تيمية (25/ 288) طـ (مكتبة ابن تيمية) القاهرة. [3] وهو قول بعض الحنابلة، بينما ذهب الجمهور لتفضيل يوم عرفة على يوم النحر. [4] تفسير الطبري (11/ 182) طـ (دار الحديث) القاهرة، تفسير الماوردي النكت والعيون، (6/ 265 – 266)، طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان. وتفسير البغوي (صـ1405) طـ (دار ابن حزم) بيروت ـ لبنان، تفسير القرطبي (20/ 31 – 32) طـ (المكتبة التوفيقية) القاهرة، تفسير ابن كثير (8/ 391 – 392)، ت: السلامة، طـ (دار طيبة) السعودية. [5] إسناده صحيح: رواه ابن جرير في تفسيره (11/ 532)، رقم: (37183). [6] إسناده صحيح: رواه ابن جرير في تفسيره (11/ 533)، رقم: (37185). [7] إسناده ضعيف: رواه ابن جرير في تفسيره (11/ 532)، رقم: (37177). [8] ــ لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ابن رجب الحنبلي (صـ 269)، طـ (دار ابن حزم).
وقد اختلف العلماء في (الأشهر المعلومات) على أقوال:
الأول: الأشهر المعلومات هي: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة.
الثاني: الأشهر المعلومات هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
الثالث: الأشهر المعلومات هي: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة.
انظر: تفسير الطبري (2/ 365 – 270) طـ (دار الحديث) القاهرة، تفسير الماوردي النكت والعيون، (1/ 259) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان. وتفسير البغوي (صـ 107) طـ (دار ابن حزم) بيروت ـ لبنان، تفسير القرطبي (20/ 31 – 32) طـ (المكتبة التوفيقية) القاهرة، تفسير ابن كثير (1/ 542 – 543)، ت: السلامة، طـ (دار طيبة)
[9] إسناده صحيح: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (2/ 266) رقم: (3526)، طـ (دار الحديث) القاهرة. [10] انظر: تفسير الطبري في تفسيره (2/ 265) رقم: (3512) طـ (دار الحديث) القاهرة. [11] انظر: تفسير الطبري في تفسيره (2/ 265 – 266) رقم: (3513: 3517). طـ (دار الحديث) القاهرة. [12] إسناده صحيح: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (2/ 266)، رقم: (3519)، طـ (دار الحديث) القاهرة. [13] إسناده صحيح: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (2/ 267)، رقم: (3527)، طـ (دار الحديث) القاهرة. [14] تفسير ابن كثير (1/ 542)، ت: السلامة، طـ (دار طيبة) السعودية. [15] فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، الفيومي (6/ 132)، تحت الحديث رقم: (1782). [16] رواه البخاري (1742). [17] صحيح: رواه أحمد (17379)، وأبو داود (2419)، والترمذي. (773)، والنسائي (3004). [18] ممن قال بذلك: ((عكرمة، والربيع، وعطاء، والحسن، وقتادة، وغيرهم)).انظر: تفسير الطبري (11/ 744) طـ (دار الحديث) القاهرة.
[19] تفسير الطبري (11/ 744) رقم: (38300): (38307)، طـ (دار الحديث)، القاهرة. [20] تفسير الطبري (11/ 747)، طـ (دار الحديث) القاهرة. [21] واجبة على المقيم القادر، وهذا مذهب: ((مجاهد، ومكحول، والشعبي، والثوري، والأوزاعي، والليث، وربيعة))، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وأحمد في رواية، ورجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية. [22] رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966).__________________________________________________
الكاتب: محمد أنور محمد مرسال
Source link