خُذُوا مَا تَيَسَّرَ وَلَكِنْ لَا تُهْمِلُوا الْعَزَائم. – محمد سيد حسين عبد الواحد

لَوْ عَلِمَ النَّاسُ كَامِلَ حَقِيقَةِ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ ، وَكَمْ الرَّحَمَاتُ وَالْبَرَكَاتُ الَّتِي فِي رَمَضَانَ لَتَمَنَّى النَّاسُ أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ كُلُّهَا رَمَضَانَ . .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

العناصر:

:وَأَقْبَلَتْ أَيَّامُ الْخَيْرِ .

: خُذُوا مَا تَيَسَّرَ وَلَكِنْ لَا تُهْمِلُوا الْعَزَائم.

: اَلْخَوَافِي لِلْخَوَافِي.

️الْمَوْضُوعُ

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ : مِنْ بَيْنِ الْكَرِيمَاتِ الْفُضْلَيَاتِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِنَّ زَوْجَاتُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبُ ) وَقَدْ كَانَتْ تُجَاهِدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَفْسَهَا عَلَى الْعِبَادَةِ جِهَادًا مَحْمُودًا . .

يَقُولُ انَسُ بْنُ مَالِكٍ ️: « دَخَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المسجد فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقالَ النبي صلى الله عليه وسلّم : ما هذا الحَبْلُ؟ قالوا: هذا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، تقوم من الليل تصلي فَإِذَا كسِلَتْ أو فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بهذا الحبل وأكملت صلاتها ، فَقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا، حُلُّوهُ، ثم قال لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» .

يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ : انْهُ يُشْرَعُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهَا . . وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « « لَيَصِلْ أَحَدُكُمْ نَشَاطُهُ ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ » » فَائِدَةٌ تَتَمَثَّلُ فِي أَلَا يُكَلِّفُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَا لَا يُطِيقُ ، وَفِيهِ الْحَدِيثُ أَيْضًا أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَبْذُلَ النَّصِيحَةَ لِغَيْرِهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَبِأُسْلُوبٍ حَسَنٍ .

قَالَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}} [سورة النحل] .

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : مَرَّتْ الْأَيَّامُ وَلَفَّ الْعَامُ وَأَصْبَحْنَا وَلَا يَفْصِلُنَا عَنْ رَمَضَانَ سِوَى أَيَّامٍ ، أَيَّامٍ وَيَأْتِينَا رَمَضَانُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا رَمَضَانُ ؟

لَوْ عَلِمَ النَّاسُ كَامِلَ حَقِيقَةِ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ ، وَكَمْ الرَّحَمَاتُ وَالْبَرَكَاتُ الَّتِي فِي رَمَضَانَ لَتَمَنَّى النَّاسُ أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ كُلُّهَا رَمَضَانَ . .

هَذَا الْخَيْرُ اَلَّذِي نَحْنُ فِي اَلطَّرِيقِ إِلَيْهِ ، وَلَا يَفْصِلُنَا عَنْهُ سِوَى أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ يَدْعُونَا لِأَنْ نَقُولَ : إِنَّ اَلْأَعْمَالَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُوزَنُ وَلَا تُقَدَّرُ بِطُولِهَا وَعَرْضِهَا وَحَجْمِهَا وَثِقْلِهَا إِنَّمَا تُوزَنُ الْأَعْمَالُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَرَجَةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَكَمْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . .

{{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}} [سورة الكهف] .

أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : « « لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ وَكانَ يقولُ: خُذُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ اللَّهَ لَنْ يَمَلَّ حتَّى تَمَلُّوا وَكانَ يقولُ: أَحَبُّ العَمَلِ إلى اللهِ ما دَاوَمَ عليه صَاحِبُهُ، وإنْ قَلّ » »

أما قولُه: ««فَوَاللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حتَّى تَمَلُّوا»» .

فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ صِفَةِ الْمَلَلِ لِلَّهِ تَعَالَى ، لَكِنَّ مَلَلَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ كَمَلَلِ الْمَخْلُوقِ ؛ فَمَلَلُ الْمَخْلُوقِ عَيْبٌ وَنَقْصٌ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَأْمَتِهِ وَضَجَرِهِ ، أَمَّا مَلَلُ اللَّهِ فَهُوَ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الَّتِي نُثْبِتُهَا لِلَّهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْئٌ

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَنَّهُ مَهْمَا عَمِلْتَ مِنْ عَمَلٍ فَإِنَّ اللَّهَ يُجَازِيكَ عَلَيْهِ ، فَاعْمَلْ مَا بَدَا لَك ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْطَعُ ثَوَابَك حَتَّى تَنْقَطِعَ عَنْ الْعَمَلِ .

نَسْمَعُ كَثِيرًا وَنَقْرَأُ كَثِيرًا :

أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الْيُسْرِ وَانِّهُ لَنْ يُشَادَ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ . . عِبَارَاتٌ إِذَا فَهِمْنَاهَا فَهْمًا ( حَسَنًا ) فَهِمْنَا أَنَّهَا تَدْعُونَا إِلَى الْعَمَلِ وَلَا تَدْعُونَا ابَدًا إِلَى الْكَسَلِ ، يُسْرُ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَا إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ فِي حُدُودِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ غَيْرِ انْ نَفْرِضُ عَلَى أَنْفُسِنَا مَا لَا نَسْتَطِيعُ الْوَفَاءَ بِهِ . .

عِنْدَمَا نَقْرَأُ وَنَسْمَعُ عَنْ يُسْرِ الْإِسْلَامِ نَفْهَمُ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ ( التَّوَازُنِ ) يُنَادِي بِالْعَمَلِ لِلدُّنْيَا كَمَا يُنَادِي بِالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ ، يُوَازِنُ بَيْنَ مَطَالِبِ الْجَسَدِ وَبَيْنَ مَطَالِبِ الرُّوحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :

{{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}} [سورة القصص] .

وقال عز من قائل: {{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}} [سورة الفرقان] .

امَّا إِذَا فَهِمْنَا عِبَارَةَ «« إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ » » إِذَا فَهِمْنَاهَا فَهْمًا ( سَيِّئًا ) ضَيَّعْنَا دِينَنَا ، إِذَا رَضِينَا بِالْقَلِيلِ وَبِأَقَلَّ مِنْ الْقَلِيلِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي هَذَا عَلَامَةُ خَطَرٍ فَاحْذَرُوهَا . .

مِنْ النَّاسِ مَنْ تَمُرُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ » فَتَضْعُفُ مَعَهَا عَزِيمَتُهُ ، وَتَسْقُطُ عِنْدَهَا هِمَّتُهُ ، وَتَرَاهُ يَحْبِسُ نَفْسَهُ وَيَحْصُرُهَا عِنْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ فَقَطْ ، عِنْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ فَقَطْ ، عِنْدَ تِلَاوَةِ بَعْضِ آيَاتٍ فَقَطْ ، وَهُوَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَأْخُذُ فَقَطْ مَا تَيَسَّرَ فَيَدَعُ الْعَزَائِمَ وَيَرْكَنُ إِلَى الرُّخَصِ فَيَضِيعُ مِنْهُ الْكَثِيرُ وَالْكَثِيرُ مِنْ الْمَكَارِمِ وَالدَّرَجَاتِ . .

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامَ تَنَبَّهُوا :

إِذَا الْإِنْسَانُ أَخَذَ نَفْسَهُ بِمَا تَيَسَّرَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا رُبَّمَا زَلَّ ، وَإِذَا الْإِنْسَانُ زَلَّ ضَلَّ ، فَخُذُوا بِالْعَزَائِمِ وَسَابِقُوا وَزَاحِمُوا وَنَافِسُوا عَلَى الْأَجْرِ وَلَا تَدَعُوا أَحَدًا يَسْبِقُكُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا تَكْتَفُوا بِمَا تَيَسَّرَ فَقَطْ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَإِلَّا اتَّكَسَتْ وَتَعَثَّرَتْ . .

وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أهْلِ نَجْدٍ ثائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، ولا نَفْقَهُ ما يقولُ..

حتَّى دَنا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فإذا هو يَسْأَلُ عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «خَمْسُ صَلَواتٍ في اليَومِ، واللَّيْلَةِ فقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قالَ: لا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ» ..

وصِيامُ شَهْرِ رَمَضانَ، فقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فقالَ: لا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ..

قال طلحة: وذَكَرَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الزَّكاةَ، فقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُها؟ قالَ: لا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ..

قال طلحة : فأدْبَرَ الرَّجُلُ، وهو يقولُ: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى هذا، ولا أنْقُصُ منه، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: « أفْلَحَ إنْ صَدَق» .

أَفْلَحُ إِنْ صَدَقَ : كَلِمَةٌ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ رَكِنَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى مَا تَيَسَّرَ كَانَ عَلَى خَطَرٍ . .

أُفْلَحُ إِنْ صَدَقَ : لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُنْسِي لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْفُلُ وَيُهْمِلُ وَيَنَامُ وَتَسْقُطُ هِمَّتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَا تَرَى إِنْسَانًا يَمْشِي عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ أَبَدًا لِأَنَّ طَبِيعَةَ الْإِنْسَانِ مُتَقَلِّبَةٌ وَمُتَغَيِّرَةٌ فَلَا يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ الثَّبَاتَ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ أَبَدًا . .

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ الصَّحَابِيُّ أُصَلِّي الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فَقَطْ وَأُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَقَطْ وَأَصُومُ رَمَضَانَ فَقَطْ وَأَحُجُّ الْبَيْتَ مَرَّةً فَقَطْ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ قَالَ النَّبِيُّ أُفْلِحُ إِنْ صَدَقَ . .

أَنَا أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « أَفْلِحَ إِنْ صَدَقَ » أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُصَدِّقَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُتَقَلِّبُ الْأَحْوَالِ فَتَرَاهُ يَغْفُلُ وَيُهْمِلُ وَيَنَامُ وَيَضْعُفُ وَتَسْقُطُ هِمَّتُهُ مِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ ، وَلَا يَثْبُتُ إِنْسَانٌ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ أَبَدًا . .

الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِي قَالَ « إنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ » كَانَ يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْعَزِيمَةِ وَلَا يَأْخُذُ بِمَا تَيَسَّرَ إِلَّا فِيمَا نَدَرَ ، كَانَ يَقُومُ فَيُصَلِّي بِاللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَإِنْ قِيلَ لَهُ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ رَدَّ بِقَوْلِهِ « أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا »

الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِي قَالَ «« إنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ » » كَانَ لَا يَسْبِقُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَحَدٌ ، كَانَ يَجْتَهِدُ اجْتِهَادًا كَبِيرًا ، فَلَمْ يَكُ يَكْتَفِ بِقَلِيلِ الْعِبَادَةِ ، وَلَا بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا ، وَلَا يَأْخُذُ بِالرُّخَصِ كَثِيرًا ، بَلْ كَانَ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يُجَارَى وَلَا يُبَارَى . .

صَلَى وَرَاءَهُ شَابٌّ مِنْ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَمْ يَقَدِّرْ ذَلِكَ الشَّابُّ أَنْ يُجَارِيَ رَسُولَ اللَّهِ . .

وَرَسُولُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْ جَاوَزَ السِّتِّينَ وَكَانَ لَهُ فِي الدَّعْوَةِ عِشْرِينَ سَنَةً يَسْعَى وَيَدْعُو النَّاسَ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَجِهَارًا . .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : «صَلَّيْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حتَّى هَمَمْتُ بأَمْرِ سَوْءٍ، قُلْنَا: وما هَمَمْتَ؟ قالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وأَذَرَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» .

الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِي قَالَ «« إنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ »» كَانَ يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْعَزِيمَةِ فَجَعَلَ يَصُومُ الْأَيَّامَ تِلْوَ الْأَيَّامِ حَتَّى يَقُولَ الصَّحَابَةُ لَا يُفْطِرُ ، وَقَامَ مُنَاجِيًا لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ ، وَجَعَلَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جُنُبٍ ، وَلَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ شَيْئٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا . .

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يَرْزُقَنَا الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

بَقِيَ لَنَا فِي خِتَامِ الْحَدِيثِ انْ نَقُولَ :

اجْعَلُوا مِنْ أَعْمَالِكُمْ أَعْمَالًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ ، لَا تُخْبِرُوا بِهَا نِسَائَكُمْ وَلَا أَبْنَائَكُمْ ، اجْعَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَعْمَالًا صَالِحِيَّةً وَاكْتُمُوهَا ، فَلَا تَتَكَلَّمُوا عَنْهَا ، وَلَا تَذْكُرُوهَا لِلنَّاسِ وَلَا تُعْلِنُوا بِهَا ، اجْعَلُوا مِنْ أَعْمَالِكُمْ أَعْمَالًا مَخْفِيَّةً ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ .

قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ {{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} } [سورة البقرة] .

ثُمَّ اعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ وَالْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِخْفَاءَ بَعْضِ الْعَمَلِ عَنْ عُيُونِ النَّاسِ

فَمِنْ السَّبْعَةِ الَّذِي يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ الًا ظِلُّهُ رَجُلٌ أَخْفَى دَمْعَتَهُ وَرَجُلٌ أَخْفَى صَدْقَتَهُ . .

قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَبْعَةً الَّذِي يَظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ الًّا ظِلُّهُ . . وَعَدَّ مِنْهُمْ . . « رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصِدْقِهِ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ »

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : يَقُولُونَ : إِنَّ الْخَوَافِيَّ لِلْخَوَافِي . . .

إِذَا كَانَ فِي نَفْسِكَ خَوَافِي مُؤْلِمَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ؟

فَاجْعَلْ لَهُنَّ خَوَافِيَ صَالِحَاتٍ أَيْضًا لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ( فَمَرَضُكَ ) الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ،

اجْعَلُ لَهُ صَدَقَةً خَفِيَّةً لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ .

( وَهْمُكَ ) الَّذِي يَرْبِضُ عَلَى صَدْرِكَ وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ !

اجْعَلْ لَهُ اسْتِغْفَارًا خَفِيًّا لَا يَسْمَعُهُ إِلَّا اللَّهُ ،

( وَالْكَرَبُ ) الَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ،

اِجْعَلْ لَهُ رَكْعَتَيْنِ فِي اللَّيْلِ لَايَرَاهُمَا إِلَّا اللَّهُ .

مَعَ كُلِّ خَافِيَةٍ تُؤْلِمُكَ وَتُرْهِقُكَ وَلَا يَعْلَمُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ .

اجْعَلْ لَهَا خَوَافِيَ صَالِحَةً لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ .

وَكُنْ وَاثِقًا بِاللَّهِ وَبِفَرَجٍ وَرَحْمَةٍ فَإِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ، وَإِنَّ الْخَوَافِيَ لِلْخَوَافِي . . .

أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ ، وَأَنْ يُسَلِّمَنَا لِرَمَضَانَ وَأَنْ يُسَلِّمَهُ لَنَا وَأَنْ يَتَسَلَّمَهُ مِنَّا مُتَقَبِّلًا . . اللَّهُمَّ آمِينْ .

: جَمْعُ وَتَرْتِيبُ الشَّيْخِ / مُحَمَّدِ سَيِّدِ حُسَيْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ .

إِدَارَةُ أَوْقَافِ الْقَلْيُوبِيَّةِ . مِصْرُ .

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تأملات في قوله تعالى:{إِن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا}

عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه: قلتُ: يا رسول الله، قل لي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *